بين يدي المرشد خامئني أنحنى محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني ليقول بأنه خادمه المطيع بعد ان قدم اعتذاره لابنة قاسم سليماني التي كتبت تغريدة مرفقة بصورة ليد والدها تقول فيها : هذه الكلفة التي دفعها الميدان من اجل الدبلوماسية. تم ذلك وسط ردود الأفعال المتطرفة التي صدرت من الحرس الإيراني إزاء مكتب الحكومة ووزارة الخارجية حول تصريحات الوزير محمد جواد ظريف عبر شريط تم تسجيله في إطار مشروع توثيق التاريخ الصوتي لحكومة روحاني وسرب قبل أيام يتحدث فيه عن عرقلة المغتال قاسم سليماني قائد الحرس للدبلوماسية بشكل مستمر وهيمنة الميدان على الدبلوماسية !
هل ان ما ورد في حديث ظريف المسرب هذا هو حقا انتقاد لسياسة الميدان المهيمنة ولقاسم سليماني على حساب الدبلوماسية؟ بدا وزير الخارجبة وهو يتحدث الى السيد “ليسلاس” من مركز الدراسات الاستراتيجية التابع للرئاسة الإيرانية كتكنوقراط درس العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الولايات المتحدة وواحد من اقطاب النظام ، يوثق مسيرته وعمله وعمل وزارة الخارجية التي يترأسها منذ 2013 وبدعم كبير من المرشد الخامئني الذي أطلق عليه اسم كيسنجر .ان إشارة ظريف الى ان نفوذ الدبلوماسية كان صفرا هو شهادة واقعية وصادقة فقد تسارع الميدان بقيادة سليماني لملئ الفراغ واحتلال العراق والتوسع في سوريا بخطط متقنة ومهيأة مسبقا بسرعة فائقة لا نظير لها وبكل الوسائل العسكرية بضمنها جرائم الحرب والتطهير الطائفي والديني والسجن والتعذيب وبناء القواعد العسكرية ووضع اليد على الأحزاب والعملية السياسية وتأسيس الحشد والمليشيات تحت امرته وعلى شاكله حرسه. هذا هو سبب هيمنة الميدان على الدبلوماسية وهذا ما يحقق خطط تصدير الثورة الخمينية والمرشد خامئني والجندي المخلص قاسم سليماني ابن الريف الذي ظهر انه في منافسة مع ظريف خريج الجامعات الامريكية وممثل الدبلوماسية. نجاحات الميدان في العواصم العربية الأربع المحتلة وخاصة في العراق أوصلت سليماني، الى ان يكون في صدارة المشهد السياسي الإيراني متجاوزا الرئيس روحاني ووزير خارجيته، وقد أدت نجاحاته العسكرية الى زيادة في شعبيته وطرح اسمه كأحد المرشحين للرئاسة في الانتخابات المقبلة كما طرح اسم محمد جواد ظريف نفسه. لا يمكن الكلام هنا عن منافسة ولا تهميش ولا هيمنة أصلا بين الميدان العسكري والخارجية لان النظام كله وراء الميدان بمرشده وبرلمانه واولا بحرسه الثوري، لكن ما هو صحيح هو ان الجندي ظريف ربما أراد ان يضع خبرته وتجربته ويبرزهما اكثر مما سمحت له ظروف الميدان التي طغت على ما عداها كل هذه السنوات التي يغطيها حديثه! بل ان المفارقة مع الوزير هو ان تحركه الدبلوماسي أحيانا يشبه في بعض جوانبه ما قام به سليماني في تجاوز الدور الدبلوماسي في عدة مناسبات بالعسكري الميداني كما في دعوة بشار الأسد للقاء المرشد الأعلى التي استقال على اثرها جواد ظريف او قضية الطلب من روسيا التدخل في سوريه، اذ وصل قبل أيام في زيارة للعراق التقى خلالها بوزير الخارجية العراقي لكن يبدو ان المهمة الأساسية التي جاء من اجلها هي لقاء قادة ما يسمى بالمكون السني وعشائر مناطقه وذلك قبل الانتخابات القادمة، والسؤال هو ما علاقة الدبلوماسية والبروتوكول بمثل هذه الزيارة ؟ ما يعرفه العراقيون هو ان سليماني كان يزور أصحاب الأحزاب السياسية وعمائمهم ويعطي أوامره، فهل أخذ الدبلوماسي ظريف موقع العسكري سليماني اليوم؟ تقول المصادر المطلعة انه يزور العراق لكي يجمع شمل المنطقة الخضراء وبالأخص جاء يحضهم على قمع ثورة تشرين واحتجاجات العراقيين التي لم تنقطع في مدن الجنوب والتي عادت تصدح بشعار “ايران برة برة بغداد تبقى حرة”، وبعد ذلك يصرح وهو ما يزال في زيارته بأن بلاده لا تتدخل في الشأن العراقي وتحترم سيادة العراق ؟ تصريحات ظريف هذه لا تتعدى ان تكون رسالة أخرى موجهة للولايات المتحدة بالتزامن مع المفاوضات الجارية لإعادة العمل بالاتفاق النووي يطمئنها فيها باستمرار بلاده في المساعدة في اجراء الانتخابات المزمع القيام بها وتسويقها بما يحافظ على استمرار العملية السياسية في بلاد الرافدين. في مناسبة أخرى قريبة مع ممثل الحوثيين في مسقط، أخبر ظريف محدثه “بأن ايران مستعدة لوقف اطلاق النار وان الحل السياسي هو السبيل لحل الازمة” والمعلوم ان وقف اطلاق النار هو شأن الميدان وليس الدبلوماسية !
كما تتخلص المليشيات الولائية في العراق من خصومها في العملية السياسية والبرلمان وتستعمل كل الطرق لازاحتهم عن طريق صعودها وهيمنتها على الدولة بتنسيق إيراني، قام اتباع الحرس الثوري المتواجدين في كل مفاصل الدولة بعملية تسريب تسجيلات محمد ظريف وجعلوا منها حدثا مناهضا لهم ولقيادتهم الميدانية التي تم اغتيالها في بغداد لتأكيد هيمنتهم بدعم المرشد وليس “لأبناء الخارج” من موظفي الدبلوماسية. لقد نجح اتباع الميدان وسليماني من تسقيط جواد ظريف وأبعاده عن حلبة الترشح للانتخابات وبحسب مستشار سابق في الاستخبارات الإيرانية هو “ميسم بهرافيش” فأن حظوظ الوزير أصبحت شبه معدومة من جهة قبول ترشحه من لجنة استلام الترشيحات للرئاسة حتى لو تمتع بشعبية متزايدة. ما حدث في ايران من ضجة حول هذه التسريبات هو تذكير شديد اللهجة من الحرس لموظفي الدولة وتذكيرا لهم بالخضوع والانصياع اكثر واكثر للميدان وان الدبلوماسية هي في خدمته لا اكثر، بدليل عودة السيد ظريف الى بيت الطاعة طالبا السماح من كل من مسته هذه التسريبات او خدشت مشاعره وذلك خضوع وانصياع واستغفار ما بعده استغفار.
تفضح قضية التسريبات بشكل كبير طبيعة النظام الإيراني وهيمنة المليشيات على كل مفاصل الدولة وقراراتها وهي تشهد على ان الميدان والدبلوماسية لا يمكن لهما ان يفترقا ويكون لهما طريقين حتى متوازيين بل انهما وجهان لعملة واحدة، لإيران دولة المليشيات بامتياز اولا وقبل كل شيء.