22 ديسمبر، 2024 8:43 م

الميجـَـــــــــــــــــــــر من أهل السادة

الميجـَـــــــــــــــــــــر من أهل السادة

الجزء الثالث”

ويصطحب ابن اخيه الصبي قدّوري عند تجوالهم في مناطق كثيفة الادغال وعالية يتوقف الكلب عن السير بعد ان يشم رائحة طير الدراج رافعاً اذنيه ماداً ذيله بشكل افقي ويلتفت الى الصياد حامل البندقية يقوم الصياد بمد البندقية بأتجاه وقوف الكلب يرى الكلب تهيء الصياد فيهجم على الطير لغرض افزاعه عند طيرانه يقوم الصياد بأطلاق النار عليه وعند اصابته وسقوطه يسرع الكلب ويلتقط الطائر ويأتي به لوضعه امام قدم الصياد فيقوم بذبحه واعطاء رأسه الى الكلب كمكافئة . اما الارنب يسرع الكلب نابحاً نحو مكان الارنب محاولا اخراجه لمكان مفتوح كي يمكّن الصياد من ضربه واصابته . كان في مركز المدينة ” بعقوبة ” رجل يشتري الحيوانات والطيور المصادة لغرض تحنيطها وبيعها مثل الثعالب والنسور والذئآب وطيور البوم وطير يسمى ” العكعك ” بلهجتهم العامية شكله جميل صوته قريب من صوت الغراب وجسمه بقدرهِ لونه اسود وأبيض يمتاز بذيل طويل وأجنحة قصيرة طيرانه منخفض غير صالح للأكل .  كانت الدوائر المختصة تبعث بسيارة يسميها اهل القرية ” السينما ” بين فترات متباعدة تعرض افلام مختلفة ليلا على جدار المدرسة عند مجيئها تكون هناك ضجة وعجب وحالة سعادة وخاصة بين الصبية والشباب . في القرية مدرستين ابتدائية واحدة للبنين والاخرى للبنات مبنيتان من الطين معلميها ومدرائها من خارج القرية ما عدى معلم واحد ” محمد أفندي ” مديرة مدرسة البنات زوجة مدير مدرسة البنين . كان التعليم ألزامي بالنسبة للبنين من لا يلتحق بالمدرسة يقع تحت متابعة الشرطة ومطاردتها . محمد افندي يحضى بأحترام واهتمام اهل قريته يتعامل مع ابنائهم وكأنهم ابنائه كان حريص على ان يلبس طلاب المدرسة السراويل بدل الثياب ” الدشداشة ” يتحججون احياناً بعدم امتلاكهم للقمصان اجبرهم على وضع الثوب داخل السروال بدل القميص , كان يكلف بعض الطلاب الكبار بشكل سري لأخباره عن من يقضي وقته في اللعب واللهو خارج بيته يكره بشدة اللعب بكرات الزجاج ” الدعبل ” عند التجمع الصباحي للمدرسة يقرأ اسماء المخالفين لنظامهِ ويعاقبهم امام اقرانهم كان الضرب بالعصي كعقاب شائع في جميع مدارس العراق واحياناً استخدام عقوبة ” الفَلَقة ” يحمل الطالب بعد نزع حذائه من قبل فرّاش المدرسة القوي البنية ” هادي خرموش ” ويضرب بالعصى على باطن قدميه يتصف هادي بطيبته يمازح الطلاب خارج المدرسة وخاصة الصغار في الصفوف الأولى عند لقائه بطالب منهم يخاطبه بأندهاش ” هاي شنو اذانك عوجه كل لأمك خلي تلصقها بالدبس لو اخبر استاذ محمد افندي عليك ” . كانت مدارس العراق مشمولة بنظام التغذية الصباحية ومنها مدرسة السادة للبنين والبنات , يوزع عليهم البيض والجزر مع حبوب فيتامينات يسمونها ” حبوب دهن السمك ” و الحليب مسحوق يضعونه في قدر كبير يخلط مع الماء وَيُغلى على نار الحطب . كل طالب مجهّز بصحن وكوب من معدن الفافون . اغلب الطلاب لا يأكلون ما يُقدَّم لهم وخاصة الحليب لا يشربونه كونهم متعودين على شربه طازجاً في بيوتهم ونكهته تختلف عن نكهة حليب المدرسة والذي يتكتّل ولايذوب بسهولة . يرتاد هذه المدارس طلاب من القرى المجاورة التي لا وجود للمدارس فيها مثل قرية ” الرَعاية ونهر الشيخ والكريّه و دويريْه ” . الطلاب يقطّون اقلام الرصاص بشفرات الحلاقة المستعملة ويستخدمون مطاط أحذية باتا المستهلكة لمسح الكتابة في دفاترهم . المدارس الابتدائية في العراق كانت تابعة لوزارة الداخلية , المناهج الدراسية في ذلك الزمن واسعة صعبة ومعقّدة للغاية قياساً للمناهج الحاليّة . في مرة احدث ” قدّوري ” ضجة ” وصراخ وعويل طالباً التسجيل في المدرسة بعد ما عرف بأن عدد من اصدقائه تم تسجيلهم فيها أصطحبهُ عمه ابو جاسم الى المدرسة لغرض تهدئته ولأن سنه لا يسمح بتسجيله عرض الأمر على مدير المدرسة الاستاذ نوري فبادربطيبتهِ المعهودة بِمنح قدوري دفتر وقلم رصاص وقال له انك طالب في المدرسة لكنك غير مشمول بالدوام هذه السنة بل في السنة القادمة كان قدّوري مرتدياً ثوب نظيف أبيض مخطط بالأزرق شاداً عليه ” ألأحياصه “حزام عريض من نسيج قماش أخضر مثبت عليه كرة كبيرة في وَسَطِهِ وكرات اصغر حولِهِ مصنوعة من الفضة وشراشيب على شكل سلاسل صغيرة ومجاميع صغيرة من ألأهلّة في وسطها نجوم واضعاً عليه خَنجر عَمِهِ يُسَمونَهُ ” خنجر دبان ” وهذا الحزام غالي الثمن كانت جَدَتهُ أم أبيه محتفظة به من صغر أبنائها أَعمام حفيدها , ولقدّوري موقف آخر عندما وصل الى الصف الثالث الابتدائي يكتب اسمه على ورقة الامتحان أسم قدّوري بينما اسمه الرسمي عبد القادر وهو يجهل ذلك لأن الكل ينادونه بقّدوري المعلم المشرف على الصف في اليوم الثاني بعد تصليح أوراق الامتحان قال من اسمه قدوري رفع الطالب يده فال المعلم لا يوجد في سجلاتي طالب بهذا الاسم ماهو اسمك الصحيح اخبره ان اسمه قدوري ردَ المعلم بأنزعاج ” هاي بلوه جديده ” سأل الطلاب الجالسين في الصف مشيراً للطالب قدوري ” هذا شسمه ” رد الطلاب ” استاد اسمه قدّوري ” صاح المعلم عجيب راح اتخبل من هل قرية ” ترك الصف وذهب الى الادارة لمقابلة المدير اخبره المدير بأن اسمه الحقيقي عبد القادر وأفهمه أن كل اسم عبد القادر يصغّر في هذه القرية ويسمى قدوري واحياناً يدلعونه بأسم ” قدّو” عاد المعلم للصف وأخبر الطالب بأن اسمه الصحيح عبد القادر رد الطالب معترضاً ان أسمه قدوري وليس عبد القادر انزعج المعلم وبعصبية قائلاً عندما تكتب اسمك على ورقة الامتحان اكتب عبد القادر وإلا أوكسّر هذه العصى على يديك  ” واشيلك فَلَقه أفتهمت ” كان المعلمين عند حاجتهم لبيض الدجاج يرسلون الطلاب لجلبه من بيوت القرية فيجلبون لهم الكثير وبدون مقابل لأن اهل القرية بالاجماع يجلّون معلمي المدرسة ومديرها ولا يتقاضون ثمناً لما يحتاجونه . في مرة زار الملك فيصل الثاني بعقوبة عاصمة محافظة ديالى عند تتويجه فأشتركت المدارس بأستقباله وتحيته ومنها مدارس قرية السادة كان ركباً سيارة مكشوفة ويحيي مستقبليه وأطلقت اسراب الحمام قرب موكبه مع الهتافات والاهازيج  رافعين صوره ولافتات الترحيب . في القرية حرّاس ليلين يتقاضون رواتبهم من الحكومة يرتدون الزي الرسمي بدلة نظامية زرقاء اللون وغطاء رأس عبارة عن عقال في مقدمته النجمة الخماسية الملكية والكوفية ” يشماغ اسود وابيض ” وفيها عامل نظافة يقوم بكنس الشارع الرئيسي جامعاً النفايات وخاصة فضلات الحيوانات في حاوية ” سابل ” موضوع على ظهر حمار هذا الحال في بداية خمسينيات القرن الماضي كانت الشوارع والازقة في ذلك الزمن انضف خاصة في القرى والارياف فضلات الطعام تأكلها الكلاب والدجاج ولا وجود للأكياس البلاستيكية الورقية فقط او الحاويات الشخصية ” الزنابيل ” مصنوعة محلياً من خوص سعف النخيل . قامت الدولة بتأسيس اسالة ماء بسيطة مربوطة بها مجموعتي انابيب ماء منصوبة في بداية شارع القرية خاصة للشرب ماء صافي ومعقّم , النساء يحملن الماء في حاويات خاصة مختلفة الاحجام تسمى ” المشارِب واحدتها تسمى المشرَبة ” تدار في حاويات الماء في البيوت الكبيرة تسمى ” الحِب والصغيرة تسمى الحُبّانه