23 ديسمبر، 2024 5:49 ص

الميثولوجيا الآشورية عمق تاريخي لتجذير الهوية القومية

الميثولوجيا الآشورية عمق تاريخي لتجذير الهوية القومية

(اكيتو) وتأثيراتها على حضارات الشعوب

المدخل.. تأثير المد القومي على الأمة الآشورية
لم يتبلور المفهوم القومي للأمة (الآشورية) إلا بعد إن اخذ المد القومي يظهر ويتسع في عموم البلدان الأوربية في القرن التاسع عشر والعشرين وكانت البداية المبكرة في (فرنسا) ثم (ألمانيا) وسرعان ما انتشر الشعور القومي في عموم أوربا .

ولما كان التمايز القومي يرتبط بسمات اللغة وخريطتها ودائرتها المعرفية؛ لذلك فان الفهم القومي استمد مقوماته من خلال (قوم الإنسان) والدائرة (الإقامة) معه؛ والتعاضد لمواجهة تحديات الوجود بعد ظهور المنطلقات العنصرية والعرقية والنزعات الاستعمارية ومحاولات التمويع.. والتذويب.. وإقصاء الأخر.. واستهداف التاريخ واللغة، ولكن من خلال دعم العلاقات الإنسانية بين الشعوب الأرض ولنتيجة الظروف التاريخية التي كانت تمر المجمعات البشرية؛ ونتيجة تنوع العادات والتقاليد وتراث الشعوب وتمسك كل فئة بهذه المورثات؛ نشاء لديهم نوع من الترابط تبلور فهمة بالمنطلق (القوم) ذاته – أي بمنطلق (القومية) – واعتبر ذلك ضمانا لاستمرار وجودهم عبر الفهم القومي لإثبات وجود أية الأمة بهويتها الخاصة .

ومن خلال هذا الفهم استطاع (الآشوريين) الاحتفاظ بتوازن المعادلة لربط ماضيهم بالحاضر والمستقبل لمواجهة الظروف التاريخية التي كانت تمر بالأمة في القرن التاسع عشر والعشرين، وهذا ما استنفر العديد من المفكرين والمثقفين (الآشوريين) لمواجهة طبيعة وظروف المرحلة من أمثال (نعوم فايق 1868 – 1930 م) الذي يعتبر من أوائل (الآشوريين) سعوا في نشر الوعي بأهمية الفكر القومي (الآشوري) فاصدر جريدة قومية في مدينة (أمد) تحت عنوان (نجمة المشرق) ولم يمكث هناك طويلا فهاجر إلى (الولايات المتحدة الأمريكية) وأسس هناك جريدة (الاتحاد)، ونذكر أيضا (بنيامين لاباري) الذي اصدر أول جريد (آشورية) في مدينة (ارمي – الإيرانية) تحت اسم (زهريرى اد بهرا – أشعة النور) بتاريخ (1–11– 1849) ونذكر أيضا المفكر (فريدون اتورايا 1891 – 1926 ) وهو (الآشوري) الذي كان يعيش في مدينة (أورميا – الإيرانية) والذي أسس أول حزب سياسي (آشوري) ودعا إلى تشكيل وطن قومي لـ(لآشوريين)، ونذكر أيضا المفكر (فريد نزها 1894– 1971 م) وهو الذي اصدر مجلة مرموقة تخص بأوضاع (الآشوريين) وأصدرها باللغة العربية ثم أضاف إليها اللغتين الاسبانية و(الآشورية)، ونذكر أيضا المفكر ( بنيامين أرسانس 1884 – 1957) وهو كاتب مرموق نشر عديد من الكتب التعليمية والأدبية والتاريخية باللغة (الآشورية)، و (يوخنا موشي) الذي كان يصدر (جريدة النجم) للفترة ( 1906 – 1914( و أيضا نذكر المفكر الشهيد (يوسف مالك 1899– 1959 م) و( مالك خوشابا ) و(آشور يوسف 1858– 1915 م) الذي اصدر مجلة (مرشد أثوريون – مهديانا آثورايا) للفترة (1909 – 1915) وكانت تطبع بعدة لغات منها (الارمنية) و(التركية) في مدينة (خربوت التركية) حيث اعتقل واعدم من قبل السلطات (التركية) لنشره مقالات قومية والمطالبة بحقوق (الآشوريين) القومية والتاريخية والإنسانية، ونذكر أيضا المفكر( بشار حلمي) و(مالك ياقو 1894 – 1974 م) والبطريرك الشهيد (مار شمعون بنيامين 1887 – 1918) والشهيد المطران (مار توما اودو) والشهيد المطران (مار ادي شير) و ( اغا بطرس 1880 – 1932 م) و (سرما غانم) والبطريرك الشهيد (مار إيشاي شمعون 1908 – 1975 ) وغيرهم الكثير– الكثير من اللذين ساهموا مساهمة فعلية في إحياء الفكر القومي (الآشوري) سواء عبر نشر وتأليف الكتب والجرائد والمجلات لتوعية أبناء الشعب (الآشوري) أو عن طريق الكفاح والنضال وحمل السلاح لتحقيق أهدف الأمة في الحرية وحق تقرير المصير .

وقد تنوعت الدراسات والاتجاهات في تناول الفهم القومي نتيجة للظروف التاريخية التي كانت الأمة (الآشورية) تمر بها؛ فربطوا هؤلاء المفكرين القوميين من الجيل الأول؛ الكثير من مقومات الفكر الإنساني لفهم القومية بعد ربطها بـ(التراث) و(اللغة الآشورية) ودورهما في بناء القيم القومية و أهميتها في بناء شخصية الأمة؛ انطلاقا بكون (التراث) و(اللغة) من أهم مقومات أحياء وضمان لاستمرارية وجود الأمة بهويتها وخصوصيتها المميزة باعتبار أهميتهما تكمن في حجم التعبير عن ذات الأمة (الآشورية) بوجهها السليم والأساسي والصحيح؛ لكي تفهم القومية بحجم دورها في مواجهة الأخر والسعي إلى تحقيق أهداف الفكر القومي في الحرية.. وحق الوجود وتقرير المصير؛ لينتقل الوعي القومي إلى منطلق مجابهة الواقع بكل عوائقه وتحدياته الكثيرة؛ ورغم الإحباط المتوالي التي واجهتها الأمة (الآشورية)؛ إلا إن الوعي القومي عند أبناء الأمة أصبح بمرور الزمن أكثر عمقا ونضجا ومتعزز بمنطقات فكرية رصينة تمكنوا التعبير عن ذات الأمة وهويتها القومية؛ لان إيمانهم بالمنطلقات الفكر القومي لم يكن مرحليا يزول بزوال المرحلة وظروفها، بل أن الفكر القومي (الآشوري) أصبح جزءا من الفكر الوطني لأبناء الأمة في العصر الحديث والمعاصر؛ بل وأصبح السبيل الوحيد للخلاص من واقع التشتت (الآشوريين) الراهن.

التراث واللغة تجذير للهوية القومية الآشورية

وفي خضم ما تمر الأمة (الآشورية) اليوم من حالة التشتت والتمزق والتهجير والنزوح والاستهداف؛ فلا محال فان تشبث بالفكر القومي يكون من اجل البحث عن الهوية والذات وصولا لتحقيق تكامل الأمة بتكامل قوتها ووحدتها من اجل تحقيق أهدافها في المحافظة على الوجود القومي للأمة وكيانها بشكل متكامل بعيدا عن أي تعصب مهما كان نوعه وشكله؛ ولابد من استيعاب الواقع وتغيراته والمراحل التي مرت بالأمة حتى بلغت في بلورة وجودها القومي واكتماله، وهذا الجانب يأخذنا للوصول إلى حقائق أساسية تكمن في أهمية (التراث) و(اللغة) باعتبارهما جزء لا يتجزأ من هذا التكامل في الوجود القومي للأمة (الآشورية)، وهو ما يدفع لاستمرار وجودها في الحاضر والمستقبل، وهما من عوامل لترسيخ سيادة وجودها على نفسها وعلى أرضها؛ وان ما تصيب الأمة اليوم وما تمر بالمحن والأزمات سواء في تلك المراحل أو في هذه المرحلة؛ إلا من مخلفات انعدام الوعي بالهوية القومية وبمبررات وجودها وتميزها عن غيرها من الأمم .

فان مسالة (اللغة) و(التراث) من أهم محاور في حياة الأمة بكونهما محاور يرسخان وحدة الأمة ووعيها القومي، لأنهما من مقومات تشكيلهما؛ وهناك عاملين يرتبط في تكوينهما وهو العامل النفسي والمادي اللذان يرتبطان بقدرة العقل القومي على التفاعل والابتكار أسباب وجوده وتطوره مع البيئة والتي هي ضمن الطبيعة السلوكية والنفسية للإنسان والتي لها دور كبير في تشكيل الثقافة القومية للأمة (الآشورية) وتحصينها، لنصل إلى حقيقة بكون (الإدراك) له أهميته في تعزيز الوعي الإنسان (الآشوري) لحقيقة المظاهر التراثية التي نحافظ عليها والتي نحيها في حياتنا لندرك قيمتها لتجذير حقيقتها لمواصلة إنعاش الحياة في الحاضر والمستقبل؛ لأن التراث يعبد الطريق إمامنا نحو معرفة حقيقة القومية والهوية (الآشورية) ليتم التفاعل بين الأمة وتراثها .

فالأمة (الآشورية) من خلال تفاعلها مع واقعها تقدم تجاربها الفكرية والمادية التي أخذته وطورته حسب قيم الحضارية التي واكبت وتواكب الحداثة والمعاصرة الفكرية والإيديولوجية من اجل مواكبة متطلبات الوجود وإثباته واستمرار كينونتها لنقلها للأجيال المتعاقبة بشكل حضاري متفاعل مع حاضر الأجيال؛ ليتم من خلال هذا (التراث) وهذه (اللغة، اللغة الآشورية) يقظة أبناء الأمة بهويتهم القومية وبوحدتهم، ومن هنا لابد للأمة (الآشورية) إن تستمد حضورها وقوتها من خلال ترسيخ قيم (التراث) و(اللغة) المتشكلة عبر حقب تاريخية طويلة من اجل سيادة حاضرها ومستقبلها عبر ترسيخ هذا الحضور بمرور الزمن، لان استلهامه يعني استمرارا وتجديدا لحياة الأمة .

ومن هنا نقول بان (التراث) مرتبط ارتباطا وثيقا بطبيعة الحياة للمجتمعات أيا كانت، كون التراث – سواد كان ماديا أو روحيا – ليس فحسب على انه ما تم تقديمه في ماضي الامة؛ بل كونه ما زال فاعلا ومؤثرا في سلوكيات الحاضر والمستقبل، فالمادي في التراث هي المنجزات المقدمة في مختلف أنواع الفنون، والروحي تتمثل في أنماط التفكير في العادات والتقاليد الاجتماعية أو التي تدور حول طبيعة الحياة والكون التي كان لها شديدة التأثير والتفاعل؛ نظرا لقوة هذه الأفكار وحضورها المؤثر في حياة تلك المجتمعات، إما عن دور(اللغة الآشورية) في تطوير وعي الانتماء القومي؛ فقد تحدثنا عنها في مقالة سابقة وهي موجودة على مواقع (كوكل – الانترنيت) يمكن الاطلاع عليها؛ وقد جاءت تحت عنوان: (( اللغة الأشورية.. الهوية.. والانتماء.. ودورها في نهضة الأمة ووحدتها، بقلم.. فواد الكنجي )) .

فحينما اتجه (الآشوريين) في بناء أفكارهم لتحليل ظروف الطبيعية بما كانت تشكل مواسم الفيضانات والقحط من تهديد لحياتهم؛ اتجهوا نحو تحليل لتفسير تلك الظواهر عبر خلق أساطير التي تشكل نقطة تحول كبير في طبيعة العلم والمعرفة وكيفية بناء المنهج الفكري الذي تبنوه (الآشوريين) في حضارة (وادي الرافدين – العراق) التي أثرت تأثيرا بالغا في توسيع دائرة المعارف للحضارة البشرية في العالم اجمع، فأخذت كل المجتمعات منهاجهم في تبني معارفهم الأدبية والعلمية لما كان للأساطير (الآشورية) من دور عظيم في تحليل والتفسير وتغير سلوك الإنسان الأخلاقية كأسطورة (كلكامش) وملحمة الخلق ( إينوما إيليش) وغيرها من الأساطير في بلاد الرافدين؛ التي كانت لهذه الأساطير دورا رئيسا في تشكيل الهوية القومية والاجتماعية للأمة (الآشورية)، لذا فان (التراث الآشوري) في مجمله يحمل في طياته مفتاح لفهم طبيعة الفكر والعقلية التي يتبناها ويحملها الشعب (الآشوري)؛ ومن خلال ذلك يمكننا إن نتابع تاريخ (الحضارة الآشورية) تحليلا وتفسيرا وما جسدته من قيم اجتماعية ذات ارتباط وثيق بمجتمعها من حيث التطور والرقي أثرت على تطور قدرات المجتمعات الأخرى؛ وبالتالي أدت إلى تأثر المجتمعات البشرية بعلومها وآدابها، ليصبح التراث (الآشوري) مفهوما محوريا لتوسيع دائرة المعارف للمجتمع (الآشوري) وللمجتمعات البشرية بصورة عامة؛ بل يصبح هذا (التراث) بمثابة الذاكرة النابضة والمستدامة تدعم تأثيراتها على الهوية القومية والحفاظ عليها لتتبنى هذه الهوية من قبل الشعب (الآشوري) وعبر الأجيال؛ لان منطق (التاريخ) يؤكد على حقيقية مفادها بان لا امة بدون تراث ولا تراث بلا امة، بكون (التراث) لا يبنى ولا يفهم إلا وفق مفهومها .

ومن هنا فان هذا (التراث) هو ركيزة أساسية من ركائز الهوية الثقافية وهو الذي يؤطر ويحدد مفهوم الهوية القومية باعتباره عاملا من عوامل تشكيلها؛ مهما كان اتجاه التفاسير لأفكار هذا (التراث)، لان التفسير يحمل جوانب متعدد ويمكن سفسطتها وفق تجاذبات أيديولوجية تحمل أبعاد طائفية وعرقية وحتى سلوكية؛ ولذلك نجد بان الشعوب تتجه باتجاهات مختلفة في طريقة التعامل مع تراثها ووفقا لبنائها المعرفي، ولهذا فان أسلوب التعامل مع (التراث) يأتي وفق مدركات الوعي والتفكير والثقافة لأي مجتمع من مجتمعات البشرية؛ والتي تفرز لها خارطة وفق إبداعات مثقفيها اخذين من تراثهم منبعا لإلهامهم في إبداعات معاصرة ينهل الأدباء والفنانين والمفكرين اتجاهاتهم في رسم التراث الثقافي بربط الحاضر بالماضي والاتجاه لمواصلة مستقبلهم وفق أسس علمية رصينة يعزز حضورهم بمعطيات عصرهم في الساحة الثقافية العالمية .

فالحفاظ على (التراث) من التقاليد.. والعادات.. والمعتقدات.. والطقوس.. واللغة.. وغيرها هما عناصر أساسية للحفاظ على الهوية القومية لأمة وذاكرتها، والتي تقدمها لشعوب الأرض لتبيان عن مستوى الرقي الحضارة لهذه الأمة وعبر هويتها الثقافية والحضارية، فالأمة (الآشورية) تتميز حضارتها بهذه السمات عن غيرها من الحضارات والتي تجعل لها شخصية قومية تتميز بطابعها الخاص عن الشخصيات الوطنية والقومية الأخرى، بما تحمله من دلالات التكامل.. والتنوع.. والاختلاف.. والإحساس بانتماء الذات لها، لتغدو منطلقا وهدفا؛ تعزز شعورها الغريزي بالانتماء لحامل للهوية الجماعية، لان الإنسان (الآشوري) ينتمي إلى تراثه انتماءا روحيا ونفسيا وهو المتنفس الذي يشهق من خلاله نسمات الانتماء القومي لارتباط وعيه بأبعاد تاريخية.. وحضارية.. وسياسية.. وحتى دينية؛ وهذه الخصائص هي دعائم لضمانة استمرارية الإنسان (الآشوري) و وجود الأمة بهويتها، وخصوصيتها المميزة بين الأمم وشعوب الأرض قاطبة .

ومن خلال هذا الفهم انطلق المفكرين من أبناء الأمة (الآشورية) بعد إن شاع الفهم القومي بين الأمم؛ خاصة في نهاية قرن الثامن عشر ومطلع القرن العشرين – كما ذكرنا سابقا – لبلورة مفاهيم حديثة لتكون مرتكزات أساسية للمشروع القومي للأمة (الآشورية) تتبنى اتجاهات فكرية مختلفة مرتكزين على التراث واللغة (الآشورية) والدين المسيحي والثقافة الإنسانية بكل علومها وآدابها ورسالتها الحضارية؛ و وفق أيدلوجية ثورية لتنشيط الحركة الوطنية والقومية بين أبناء الأمة (الآشورية) من اجل بناء تطلعاتهم في الأمن.. والحرية.. والكرامة الإنسانة.. والعدالة.. وحق تقرير المصير؛ ضمن نطاق أهدافهم القومية، وفعلا قاد نخب من المفكرين (الآشوريين) وزعماء الثوريين مسيرتهم بحنكة واستراتيجيه لتحقيق مشروعهم القومي في الحرية والاستقلال؛ رغم تحديات التي جوبهوا بها من قبل القوى الامبريالية والاستعمار الغربي وأعدائهم في المنطقة؛ بما كانت تطلعات الأمة (الآشورية) تتعرض إلى هجمات شرسة في عام 1848 و 1915 و1933 لم يشهد التاريخ مثيلا لها، كونها كانت ترتكز في استهدافهم على هوية الأمة وبنيانها وحضارتها وتاريخها وحاضرها ومستقبلها، ومع هذا التحدي قدمت الأمة مواقف قومية نضالية متميزة؛ كونهم أدركوا بان استهدافهم آت لإفشال مشروعهم القومي و تطلعاتهم الفكرية والقومية الهادفة إلى الحرية والاستقلال وحق تقرير المصير .

ومع كل ما أصاب الأمة من استهداف وقتل وجرائم الإبادة الجماعية كما حدثت في تركيا عام 1848 و 1915 والعراق 1933 واستمر ويستمر لغاية يومنا هذا ونحن في عام 2020 م، حيث التهجير ألقسري والتغير الديمغرافي على مناطقهم التاريخية جرت وتجري على قدم وساق وبدون توقف؛ فان الحركة القومية (الآشورية) ظلت تواجه تحديات ولم تفشل ولم تتراجع – وان لاقت هزائم على الأرض هنا وهناك – لان (المشروع القومي للأمة الآشورية) ظل فكرا حيويا ينشط في وعي المواطن (الآشوري) وظل على طول مسيرته ينهض بمشروعة القومي بخط متكامل لبناء نهضة الأمة؛ رغم كل الإرهاصات التي واجهة الأمة؛ لان وعي الفكري عن الإنسان (الآشوري) ظل يعالج قضايا المجتمع دون تراجع؛ وسعى عبر كل مراحل التاريخ الحديث والمعاصر إلى تحقيق أهدافهم القومية في وحدة الأمة وقرارها الوطني والحفاظ على هويتهم والدفاع عن وجودهم بكل الوسائل والعمل لضمان تحقيق مشروعهم القومي وتعزيز طاقت الأمة من اجل نهضة حضارية تواكب المعاصرة والتحضر وتتحدى ظروف الواقع القاسية والمريرة التي تواجهه مسيرة الأمة وتعترض فكرهم القومي .

لذلك سعى أحرار الأمة (الآشورية) ومفكريهم في كل مرحلة من مراحل التاريخ إلى تجديد الفكر القومي بإعادة بناءه بعيدا عن أية ايدولوجيا أو تسييس ليكون فكرا حرا يمكنه أن يقدم كل جديد ليؤسس المشروع الناجح بأفكاره وبأبعاد القومية والإنسانية وفق تحديات العصر ومتغيرات الواقع ليكون الفكر القومي (الآشوري) متكافئ مع هذه الإبعاد والمتغيرات، لان التفاعل الفكري وتياراته والتأثر وانتقال وتبادل الأفكار؛ ظواهر لا يمكن الحيلولة دونها؛ لأنه هو السياق الطبيعي للفهم الإنساني فالتراث.. واللغة.. والتاريخ.. والثقافة.. والأدب.. والفن.. والعلم.. والمعرفة.. والمشاعر المشتركة.. هي مشتركات في تكوين الشعور القومي الذي يسبق أي تنظير لارتقاء بأفكار إلى مستوى الواقع والاهتمام بشؤون الأمة والإنسان عبر النقد والتأثير والتأثر لتغيير واقع الأمة نحو الأفضل؛ ليس فكريا فحسب بل ثقافيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا لكي يتحول الفكر القومي إلى تيار فكري و ثورة سياسية، باعتبار إن الفكر لا يمكن فصله عن الشعور بالانتماء؛ لان هذه الحقائق لا تنكشف للإنسان مرة واحدة لأن الحياة تتطور على الدوام بفعل قدرات العقل البشري، لذلك يتحتم كما ونوعا توسيع النشاط الثقافي القومي باتجاه التحدث والحداثة ومخاطبتهم بلغة العصر .

الميثولوجيا الآشورية وتأثيراتها على الحضارات الأخرى

فـ(الحضارة الآشورية) في بلاد الرافدين بثرائها الفكر والأدبي والعلمي وأساطيرها المشبعة بالتحليلات لشتى ظواهر الطبيعة التي كان الإنسان (الآشوري) آنذاك يراقبها والتي كانت تؤثر على أوضاعه المعيشية؛ تركت على الحضارات الأخرى أثرا كبير؛ لنجد حجم تأثير الثقافة وتراث (الآشوري) في ميثولوجيا الشعوب الأخرى كـ(الإغريق) و(الرومان) و(الفينيقيين) و(الآراميين) و(الحضارة اليونانية)، فانتقلت شتى (ألأساطير الآشورية) إليهم، فالإله (تموز) في (الميثولوجيا الآشورية) أصبح عند (الغريق) آلهة (ادونيس) وتحولت الإلهة (عشتار) لدى (الإغريق) إلى الإلهة ( أفروديت) والى (عشتاروت) لدى (الفينيقيين) وملكة السموات عند (اليهود) وهذا بالنسبة إلى جميع الإلهة التي كان عند (الآشوريين) والتي تم تصنيفها وفق الظواهر الطبيعية، نحو إلهة الموت.. و إلهة الأعماق السفلى.. و إلهة الفيضانات.. و إلهة العواصف.. و إلهة الغصب.. إلى أخره من أنواع الإلهة، فان الحضارات الأخرى أخذت بنفس النمط والتصنيف ولكن بتسميات تلاءم لهجاتهم ولغتهم وطبيعة مجتمعاتهم، وهكذا تم محاكاة (الميثولوجيا الآشورية) من حيث الأفكار والتفسيرات والمدلولات الفلسفية وتلبيسها بثوب حضارات تلك الشعوب بل على الديانات التي تلت بعد سقوط الإمبراطورية (الآشورية – 612 ق.م ) كالديانة (اليهودية) و(المسيحية) و(الإسلامية) و(الزاردشتية) و(البوذية) و(الهندوسية ) وغيرها، وعلى سبيل المثال وليس الحصر؛ انتقلت فكرة الاحتفال بعيد ميلاد السنة الجديد عند (الآشوريين) إلى اغلب الحضارات التي احتكت بـ(الآشوريين)، فان كان (الآشوريون) قد اتخذوا من (الأول من نيسان) بداية لدخول السنة الجديدة (الآشورية) متخذين بعد مراقبتهم لظروف الطبيعية وكيفية تتجدد الطبيعة نفسها في أول ليلة (الاعتدال الربيعي) في نهاية شهر (آذار) وبداية شهر (نيسان) موعدا لدخول (العام الجديد الآشوري) فأنهم وضعوا مراسيم وطقوس خاصة للاحتفال بهذا اليوم وفق طقوس معينة؛ وكانوا يعرف باسم (عيد أكيتو) وكانت الاحتفالات تستمر لمدة أثنى عشر يوما بدءا من أول ليلة الاعتدال الربيعي في 21 آذار وينتهي في الأول من نيسان، لنجد فيما بعد بان الشعوب الأخرى أخذت نفس المنحى للاحتفال بالرأس السنة، كما نجد في (بلاد فارس – إيران ) حيث احتفل به (الزاردشتيين) و(الأكراد) وكانوا يسمونه (نوروز) بمعنى (اليوم الجديد)، كذلك عند (الفينيقيين) و(اليهودية) بل نجد تأثيراته وصلت إلى (بلاد الصين) .

الميثولوجيا الآشورية وتأثيراتها على الديانة اليهودية

وخلال بحوث استقصائية لثقافة الشعوب الأخرى؛ نجد تثير (الميثولوجيا الآشورية) في نصوصهم والكثير من الاقتباسات وانتحال الأفكار مأخوذة من (التراث الآشوري) سواء في الأساطير أو القصص والحكايات والعادات والتقاليد، فحين تم في القرن الثامن والتاسع عشر بدء عمليات التنقيب عن الآثار في بلاد (وادي الرافدين – العراق) وتم اكتشاف مكتبة (آشور بانيبال 626 – 667 ق.م)، في (بلاد آشور) في (نينوى) والتي تعتبر أقدم مكتبة على الإطلاق في تاريخ العالم، حيث وجد فيها أكثر من ( 25000 ) لوح من الرقم والألواح الطينية المدونة بالكتابة (المسمارية وباللغة الآشورية) تعود بعض منها إلى تاريخ بلاد (سومر) و(أكد) و(آشور)، حيث وجد – وبالبرهان والدليل القاطع – بعد إن استطاع علماء الآثار والباحثون تفكيك وفتح رموز (الخط المسمارية باللغة الآشورية) وقراءتها، بان اغلب نصوص (التوراة) مقتبسة من تراث والميثولوجيا (الآشورية) مثل (ملحمة كلكامش) في (قصة الطوفان) و(سفر الحكمة) و (الأمثال) و(ابن سيراخ) و قصة (طوبيا) و(أيوب) و(المزامير) و(نشيد الأناشيد)، كما أنهم وجدوا في نصوص ملحمة الخلق ( إينوما إيليش)، والتي تم تدوينها على سبعة ألواح تتناول الحديث عن سبعة أجيال حول (بداية الخلق والكون) والتي في أغلب نصوصها تتطابق تطابق تام مع الأيام السبعة في (سفر التكوين) التي وردت في كتاب ( التوراة) .

وباختصار، ففي مقدمة (إينوما إيليش) تتحدث في اللوحة الأولى، عن البدء في الجيل الأول حينما كانت الأرض معدومة لا أسم لها، حيث كان الكون يتألف من العنصر (الذكر) إله المياه العذبة (آبسو) والعنصر (الأنثى) إلهة المياه المالحة (تيامات)، و(ممو) إله السحاب الذي يرفرف بينهما، وهنا يمكنك البحث والاطلاع على حجم التطابق بين هذه النصوص والنص الوارد في (سفر التكوين في اليوم الأول 1: 1-2) .

ثم في الجيل السادس، الإله (مردوخ – آشور، عند الآشوريين ) الذي يخلق الإنسان (لالو) ليخدم الآلهة فتستريح في الجيل السابع وهو نفس النص الموجود في (التوراة) تماما والذي يتحدث عن خلق الله (الإنسان) في اليوم السادس واستراح في اليوم السابع ( سفر التكوين2:2-3).

وإذ أخذنا صور أخرى في التطابق بين قصة (الخلق الآشورية) و (التوراة)، ففي النص (الآشوري) يذكر بأن (الإلهة تيامات) التي على شكل التنين (هابور) السابح في البحار، كانت تنوي التخلص من أحفادها المزعجين لتنعم بالراحة مع زوجها (آبسو)، فأتت بالوحوش المخيفة استعدادا للمعركة، عندها يأتي الإله (مردوخ – آشور) ويتصارع معها و ينتهي ذلك بانتصار الإله (مردوخ – آشور) ليشطر المياه (تيامات) إلى قسمين، فيصنع من القسم الأول (السماء) حيث يخلق النجوم والكواكب، ومن القسم الثاني (الأرض) حيث يخلق الحيوانات والنباتات، وهذا النص هو نفسه وجد في النص (التوراتي) و كما ورد في (سفر تكوين:1: 6 حيث يفصل الله بين مياه العذبة ومياه المالحة ويصنع السماء والأرض) ، وبعد أن ينتهي الإله (مردوخ – آشور) من خلق كل ذلك يخلق زوجا من الإنسان بواسطة (الماء والطين).. ويبني بيتا له في (بابل) ليستريح فيه كلما نزل إلى الأرض في شهر (نيسان)، وهو أيضا نفس النص الموجود في (التوراة) حيث النص يذكر(سيبني رب الجنود فيما بعد، بيتا له في إسرائيل، انظر صموئيل الثاني: 1:7– 17) .

وكذلك نجد عبارة (خيمة الآلهة) التي ورد ذكرها في (ملحمة كلكامش) التي اقتبست منها (التوراة) نفس (قصة طوفان) بشخصية ( نوح) وعند النص (الآشوري) يذكر اسم (زيوسودرا) وفي النص (السومري) ورد باسم (أوتنابشتم) .

وهنا نستوضح للقاري بان في كتاب للباحث العراقي الدكتور( فاضل عبد الواحد علي ) الموسوم تحت عنوان (من ألواح سومر إلى التوراة) – الطبعة الثانية 1996 دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد – العراق ، فيه الكثير من تفاصيل عن هذه المقارنة بين الحضارة (الآشورية) وما ورد في نصوص إسفار (التوراة) .

ففي ملحمة (كلكامش) فإن الصور أكثر وضوحا، إذ نقرا في الكتاب المذكور سابقا، إن الطوفان والأعاصير استمرت تجتاح البلاد ستة أيام وست ليالي وانه ((..عندما حل اليوم السابع ، خفت وطأه الرياح الجنوبية في هجومها الذي شنه كالجيش في المعركة على حد تعبير الكاتب (الآشوري)، ثم هدءا البحر وسكـنت العواصف وانتهى الطوفان، ويقول رجل الطوفان (اوتنابشتم) انه تطلع إلى البر من السفينة بعد هدوء العواصف والمياه فوجد أن السكون يخيم في كل مكان وان البشر جميعا تحولوا إلي طين، ثم يصف مشاعره وقد زال عنه الخطر وأصبح قاب قوسين أو ادني من النجاة ، فيقول:

ثم فتحت نافذة ( في السفينة ) فسقط النور على وجهي

فسجدت وجلست باكيا

والدموع تجرى على وجهي

ثم أخذت أتطلع إلى سواحل البحر الواسع

فبانت الأرض من مسافة اثني عشر ميلا مضاعفا

وفى تلك الأثناء استقرت السفينة على جبل اسمه (نيسير) ومضت ستة أيام وجبل (نيسير) ممسك بالسفينة ولا يدعها تتحرك – على حد قول رجل الطوفان (اوتنابشتم) – وبتعبير أخر، أصبح أكيدا لرجل الطوفان أن السفينة قد بلغت مستقرها الأخير، وانه لا أمل في أن تتحرك من ذلك الموضع أبدا، وعندئذ إي في اليوم السابع من استقرارها على جبل (تيسير)، اخرج (أوتنابشتم) حمامة وأطلقها، وراحت الحمامة ولكنها لم تلبث إن رجعت، لقد رجعت الحمامة لأنها لم تجد محطا لها، وعندئذ اخرج السنونو وأطلقه؛ وراح السنونو ولكنه لم يلبث أن رجع؛ قد رجع السنونو لأنه لم يجد محطا له؛ ومن ثم أخرج الغراب وأطلقه؛ وراح الغراب ولكنه عندما رأى أن المياه انحسرت أكل وحام ونعق ولم يرجع، وعندما خرج رجل الطوفان لأول مرة من السفينة بعد أربعة عشر يومنا من دخولها، سكب الماء المقدس على قمة الجبل ونصب القدور ليعد الطعام قربانا للإلهة ، وسرعان ما فاحت رائحة الطعام الطيبة فشمتها الإلهة وتجمعوا حول مقدم القربان كالذباب، على حد تعبير النص (الآشوري) .

وفى هذا المقطع من قصة (الطوفان)، يجد القارئ نفسه أمام مشهد جديد ومثير، حيث تتجمع الإلهة العظام حول رجل الطوفان بعد إن انتهوا من التهام القربان ليستمع بعضهم من البعض الأخر عما حل بالناس من دمار وما لحق من خراب نتيجة لأحداث الطوفان، وليرفع بعضهم صوته احتجاجا على هذه الخطيئة التي اقترفها الإله (انليل) بحق الناس، وعندئذ شعر الإله (انليل) بجسامة الخطأ الذي ارتكبه ضد بني البشر، فصعد إلى ظهر السفينة منقذ الحياة، ووقف بين رجل الطوفان (أوتنابشتم) وزوجته ثم لمس جبينهما مباركا، ومنحهما الخلود قائلا:

ما كان (اوتنابشتم) قبل الآن لا بشرا

ولكن من الآن سيكون (أوتنابشتم) وزوجته مثلنا نحن الإلهة

وسيقيم (أوتنابشتم) بعيدا عند فم الأنهار.. )) .

إن قصة الطوفان في وادي الرافدين تركت أثارا واضحة في (التوراة) حيث نقرأ في (سفر التكوين 6 – 9 ) تفاصيل وافية عن (الطوفان) ، حيث إن التشابه بين (قصة الطوفان) في المراجع (المسمارية الآشورية) وبين (التوراة) واضحة كل الوضوح؛ ويكفي إن نقتبس للقارئ بعضا مما تذكره (التوراة) بهذا الصدد ليقف بنفسه على ذلك .

ففي (التكوين – 6 :9) في النص (التوراتي) يذكر بـ(( ..ان نوح كان رجلا بارا كاملا في أجياله . وسار نوح مع الله ، و ولد نوح ثلاثة بنين (سام و حام و يافث)، وفسدت الأرض أمام بشر وقد أفسد طريقه على الأرض، قال الله لنوح نهاية كل بشر قد أتت أمامي . لأن الأرض امتلأت ظلما منهم . فها انا مهلكهم مع الأرض، اصنع لنفسك فلكا من خشب جفر . تجعل الفلك مساكن وتطليه من داخل ومن خارج بالقار. وهكذا تصنعه : ثلاثمائة ذراع يكون طول الفلك وخمسين ذراعا ارتفاعه وتصنع كوى الفلك وتكمله إلى حد ذراع من فوق وتصفع باب الفلك في جانبه مساكن سفلية ومتوسطة وعلوية تجعله . فها أنا آت بطوفان الماء على الأرض لأهلك كل جسد فيه روح حياة من تحت السماء. كل ما في الأرض يموت . ولكن أقيم عهدي معك . فتدخل الفلك أنت لاستبقائها معك تكون ذكر وأنثى من الطيور كأجناسها ومن كل دبابات الأرض كأجناسها. اثنين من كل تدخل إليك لاستبقائها . وأنت فخذ لنفسك من كل طعام ما يؤكل واجمعه عندك . فيكون لك ولها طعاما . ففعل نوح حسب كل ما أمره به الله هكذا فعل.

وقال الرب لنوح ادخل أنت وجميع بيتك إلى الفلك. لأني اياك رأيت بارا لدي في هذا الجيل. من جميع البهائم الطاهرة تأخذ معك سبعة ذكرا وأنثى. ومن البهائم التي ليست بطاهرة اثنين ذكرا وأنثى . ومن طيور السماء أيضا سبعة سبعة . ذكرا وأنثى لاستبقاء نسل على وجه كل الأرض . لأني بعد سبعة أيام أيضا أمطر على الأرض أربعين يوما وأربعين ليلة. وأمحو عن وجه الأرض كل قائم عملته . ففعل نوح حسب كل ما أمر به الرب . ولما كان نوح ابن ستمائة سنة صار طوفان الماء على الأرض . فدخل نوح وبنوه وامرأته ونساء بنيه معه إلى الفلك من وجه مياه الطوفان ومن البهائم الطاهرة والبهائم التي ليست بطاهرة ومن الطيور وكل ما يدب علي الأرض دخلوا اثنين اثنين إلى نوح ، إلى الفلك ذكرا وأنثي . كما أمر الله نوحا. وحدث بعد السبعة الأيام أن مياه الطوفان صارت على الأرض في سنة ستمائة من حياة نوح ، في الشهر الثاني في اليوم السابع عشر من الشهر . في ذلك اليوم انفجرت كل ينابيع النهر العظيم وانفتحت طاقات السماء . وكان المطر على الأرض أربعين يوما وأربعين ليلة . في ذلك اليوم عينه، دخل نوح وسام وحام ويافث، بنو نوح وامرأة نوح وثلاث نساء بنيه معهم إلى الفلك . هم وكل الوحوش كأجناسها وكل البهائم كأجناسها وكل الدبابات التي تدب على الأرض كأجناسها ، وكل الطيور كأجناسها ، كل عصفور، كل ذي جناح ، ودخلت إلى نوح، إلى الفلك اثنين اثنين من كل جسد فيه روح حياة . والداخلات دخلت ذكرا وأنثى ، من كل ذي جسد ، كما أمره الله ، وأغلق الرب عليه.

وكان الطوفان أربعين يوما على الأرض. وتكاثرت المياه ورفعت الفلك فارتفع عن الأرض . وتعاظمت المياه وتكاثرت جدا على الأرض . فكان الفلك يسير على وجه الماء. وتعاظمت المياه. كثيرا جدا على الأرض . فتغطت جميع الجبال الشامخة التي تحت السماء خمسة عشر ذراعا في الارتفاع. تعاظمت المياه، فتغطت الجبال . فمات كل ذي جسد كان يدب على الأرض، من الطيور والبهائم والوحوش وكل الزاحفات التي كانت تزحف على الأرض وجميع الناس كل ما في انفه نسمة روح حياة، من كل ما في اليابسة مات. فمحا الله كل قائم كان على وجه الأرض. الناس والبهائم والدبابات طيور السماء، فانمحت من الأرض وتبقى نوح والذين معه في الفلك فقط، وتعاظمت المياه على الأرض مئة وخمسين يوما.

ثم ذكر الله نوحا وكل الوحوش وكل البهائم التي معه في الفلك ، وأجاز الله ريحا على الأرض فهدأت المياه . وانسدت ينابيع النهر وطاقات السماء، فامتنع المطر من السماء . ورجعت المياه عن الأرض رجوعا متواليا . يعد مئة وخمسين يوما نقصت المياه . واستقر الفلك في الشهر السابع . وفي اليوم السابع عشر من الشهر على جبال أرارات . وكانت المياه تنقص نقصا متواليا إلى الشهر العاشر . وفى العاشر، في أول الشهر ظهرت روس الجبال .

وحدث من بعد أربعين يوما إن نوحا فتح طاقة الفلك التي كان قد عملها وأرسل الغراب. فخرج مترددا حتى نشفت المياه على الأرض ثم أرسل الحمامة من عنده ليرى هل قلت المياه عن وجه الأرض فلم تجد الحمامة مقرا لرجلها فرجعت إليه إلى الفلك. لأن مياهها كانت على وجه كل الأرض ، فمد يده وأخذها عنده إلى الفلك . فلبث أيضا سبعة أيام أخر وعاد فأرسل الحمامة من الفلك. فاتت إليه الحمامة عند المساء. وإذا ورقة زيتون خضراء في فمها. فعلم أن المياه قد قلت عن الأرض. فلبث أيضا سبعة أيام أخر فأرسل الحمامة فلم تعد ترجع إليه أيضا.

وكان في السنة الواحد والستمائة في الشهر الأول في أول الشهر أن المياه نشفت عن الأرض فكشف نوح الغطاء عن الفلك ونظر فإذا وجه الأرض قد نشفت. وفى الشهر الثاني في اليوم السابع والعشرين من الشهر جفت الأرض .

وكلم الله نوحا قائلا : اخرج من الفلك أنت وامرأتك وبنوك ونساء بنيك معك. وكل الحيوانات التي معك، من كل ذي جسد، الطيور والبهائم وكل الدبابات التي تدب على الأرض أخرمها معك. ولتتوالد في الأرض وتثمر وتكثر على الأرض . فخرج نوح وبنوه وأمرائه ونساء بنيه معه ، وكل الحيوانات. كل الدبابات وكل الطيور. كل ما يدب على الأرض كأنواعها خرجت من الفلك وبني نوح مذبحا للرب و اتخذ من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة واصعد محرقات على المذابح. فتنسم الرب رائحة الرضا . وقال الرب في قلبه لا أعود العن الأرض أيضا من أجل الإنسان لأن تصور قلب الإنسان شرير منذ حداثته ولا أعود أيضا أميت كل حي كما فعلت مدة كل أيام الأرض زرع وحصاد وبرد وحر وصيف وشتاء ونهار وليل ما زالت . انظر (التكوين 6 – 9) ..)) .

الآشوريون و سبي اليهود

فهذا تأثير بالعادات والتقاليد وميثولوجيا (الآشورية) من قبل (اليهود) الذين تواجد في (بلاد آشور) نتيجة الأسر ولفترة ليست بالقصيرة؛ فلا محال بأننا سنجد في كل أدبياتهم وعلومهم وثقافتهم هذا التأثر وبشكل ملحوظ كما نلتمسه في كتاب (التوراة) وربما في اغلب كتبهم الفكرية الأخرى لا وبل سنجد هذا التأثر في طبيعة العادات والتقاليد مجتمعهم، لان وجودهم في (بلاد آشور) نتيجة الأسر وإخضاعهم ألقسري للسلطة ملوك (آشور) فهذا الأمر لابد إن يترك له أثار في طبيعة السلوك لمن يقع في الأسر لفترة طويلة ولأكثر من مرة سواء بإرادة أو بغير إرادة كما يؤكد ذلك بحوث (علم النفس)، فخضوع (اليهود) لملوك (آشور) هو بذاته يعكس سلبا في نفسية الإنسان (اليهودي) ويجعله تحت انقياد الأخر بفعل إرادي أو غير إرادي، ولتوضيح أمر هذا الخضوع فإننا نجده بصورة مجسدة مما تم اكتشافه اثر عمليات التنقيب التي كان يجريها الاثاري (هنري لايارد) عام 1849 لمدينة (النمرود – كالح) في مدينة (نينوى)، حيث عثر على مسلة حجرية سميت باسم (المسلة السوداء) كونها كانت من الحجر المرمر الأسود تعود إلى الملك (الآشوري – شلما نصر الثالث 858 – 824 ق.م ) التي اليوم تتواجد في (المتحف البريطاني) ويبلغ ارتفاعها ستة أقدام وهي منحوتة على هيئة برج مدرج نقشت بكتابة مطولة تؤرخ حملات الملك (شلمانصر)، وقد زينت هذه المسلة بخمسة انطقه من المنحوتات البارزة، في كل جانب من جوانبها تمثل مشاهد تقديم الخضوع والجزية من جانب الملوك والحكام والأمراء من مختلف الأقطار التي كانت تخضع للملك العظيم (شلمانصر) ومن ضمنهم كان ملك (إسرائيل – ياهو) .

وفي زمن الملك (الآشوري تجلات بليزر الثالث 744 – 727 ق.م) تم
ضم نصف مملكة (إسرائيل) إلى (الدولة الآشورية) وعين (هوشع) ملكا على (ألسامره) بصفته تابعا له.

وفي زمن الملك (الآشوري سركون الثاني 721 – 705 ق.م) وفي عام (710 ق.م) خضعت له (بلاد الشام) وأزال دولة (إسرائيل) من الوجود ونقل جميع اليهود أسرى وأسكنهم في (بلاد آشور) .

وفي زمن الملك (الآشوري سنحاريب 704 – 681 ق.م) حيث قام الملك في عام (701 ق.م) حملة عسكرية طوق مملكة (يهوذا) وحاصر عاصمتها (اورشليم) ولكن الجيش (الآشوري) لم يتمكن دخولها بسبب تفشي وباء بين أفراد الجيش فقرر الملك (سنحاريب) رفع الحصار عن (أورشليم) مقابل دفع جزية كبيرة من الفضة والذهب والنساء من بينهن بنات الملك كما جاء في حوليات الملك (سنحاريب) . ولكن الأمر لم ينتهي إلى هذا الوضع؛ فقد وصلت معلومات إلى الملك (سنحاريب)؛ بان (اليهود) في المملكة الشمالية التي كانت اسمها (مملكة إسرائيل) تقف وتساند وتدعم (الفراعنة) ضد مملكته مما أثار حفيظة الملك فقرر إخضاع تلك المنطقة إلى إمبراطوريته؛ فقام بحملة على (المملكة اليهودية الشمالية) في عام (697 ق.م) فحطم هيكلها وسبي أهلها وأخذهم سبيا إلى (بلاد آشور) وانتهى بذلك ذكر المملكة اليهودية الشمالية .

وفي زمن الملك ( نبوخذ نصر الثاني 604 – 562 ق. م) قام الملك باحتلال مملكة (يهوذا) وسبي أهلها وكان (السبي البابلي الأول لليهود) عام (597 ق. م) وتم قتل ملك مملكة يهوذا (يهوياكيم)، ثم حدث (السبي البابلي الثاني) عام( 568 ق . م) بعد محاصرة (أورشليم) وذبح أولاد ملك (يهوذا – صدقيا) أمام عينيه ثم فقأت عيناه وأخذ مكبلا مع الأسرى (اليهود) الذين قدر عددهم بنحو أربعين ألف أسير إلى (بابل) ودمرت (أورشليم) ودكت معالم (هيكل سليمان) .

وهكذا كان سبي (آشوري) لـ(ليهود) يجرى بسبب مساندتهم للثورات والعصيان ونكث العهد الذي يعطونه للملوك الإمبراطورية (الآشورية)، وقد مكث اليهود في بلاد (بابل الآشورية) بعد السبي البابلي لهم إلى زمن (الدولة الفارسية الأخمينية) وعلى يد (قورش الأكبر) التي أسقطت (بابل) وقد خيروا (اليهود) الأسرى بين البقاء أو الرجوع إلى موطنهم في (أورشليم) وبذلك سمح لـهم بالعودة إلي (أورشليم) مرة أخرى .

ومن هنا نستطيع القول بان وجود (اليهود) أنفسهم في(بلاد آشور) إثناء الأسر كان له الأثر الأعظم في تعرف (اليهود) عن حضارة بلاد (وادي الرافدين – العراق)، ومن هنا فان الباحثون يجمعون بان (الديانة اليهودية) كما هي اليوم ولدت إثناء وجودهم في الأسر في مدينة (بابل الآشورية) وان (الإسفار الأولى) الموجودة في (التوراة) اخذ طابعها من خلال وجود (اليهود) في الأسر، الذي استمر قرابة نصف قرن انتهى بحدود 538 ق. م ، فان تأثير البيئة التي عاشوها في مدينة (بابل الآشورية) تركت آثارها في هذه (الأسفار) بعد إن أصبح لهؤلاء (اليهود) وخاصة كهنتهم الاطلاع الواسع على العلوم والمعارف السائدة في حضارة الإمبراطورية (الآشورية) آنذاك؛ فتعلموا منها وحصلوا على علومهم ومعرفتهم وآدابهم الواسعة بما كان يتداول في الحياة الثقافية والفكرية والأدبية وبالمدونات وبالنصوص (السومرية) و(الآشورية)، وعلى هذا النحو كان (الأسر البابلي لليهود) فرصة ثمينة لرجال الدين (اليهود) المتواجدين على ارض (الإمبراطورية الآشورية) مكنتهم من الإطلاع المباشر علي الوثائق (المسمارية) وبالمدونات (السومرية) و(الآشورية) وخاصة بما يتعلق بالإنسان.. والموت.. والحياة.. والثواب.. والعقاب.. وبالشعائر العبادة وطقوسها.. والمفاهيم والقيم والقوانين الاجتماعية الساندة في مدينة (بابل الآشورية)، وهذا ما أدى إلى دخول كثير من المفاهيم إلى (الأسفار التوراتية) التي تركتها حضارة (وادي الرافدين – العراق) على معتقدات اليهود؛ سواء بما كانت يتعلق بنشأة الكون والميراث والى غيرها من المفاهيم المتعلقة بالحياة والإنسان والموت؛ والتي فيما بعد انتقلت إلى (الديانة الإسلامية) من خلال محاكاة قصص التي وردت في (التوراة) .

ليتم للباحثين وخبراء اللغة إقرار في دائرة البحوث والدراسات الأكاديمية العلمية بان محتويات مكتبة (آشور بانيبال – الآشورية ) هي المفتاح الرئيسي لكل العلوم؛ والتي أطلق على مضامين هذه العلوم الجامعة بـ(علم الآشوريات) والتي من خلال ما تم اكتشافه في هذه المدونات والألواح الطينية (الآشورية) بان كل ما ورد من الفكر البشري خلال أكثر من إلف عام مقتبس من علوم وآداب (آشورية).

فبعد إن توصل العالم (هنري رولنسون) و(جورج سميث) قراءة الأحرف المسمارية وما ورد في الألواح (الآشورية) اعتبر ما وجد في المكتبة (الآشورية) مصدرا رئيسيا ووحيد لكل المراجع؛ بعد إن كان كتاب (التوراة) هو المرجع التاريخي لتاريخ المنطقة واعتبروا اغلب النصوص التي وردت في (التوراة) مقتبس من ميثولوجيا وآداب وعلوم (الآشورية)؛ لدرجة التي سمي (التوراة) بـ(توراة بلاد النهرين) .

وفي هذا الصدد ألقى الباحث (فريدريك ديلليتش) محاضرة في غاية الأهمية حول (توراة بلاد آشور) وذلك بتاريخ 13/12/1902 في مدينة (برلين الالمانية) بحضور القيصر (فيلهيلم الثاني) الذي طلب من (فريدريك ديلليتش) إعادة هذه المحاضرة في القصر الملَكي، فألقى المحاضرة تحت عنوان (بابل والكتاب المقدس)، حيث أوضح بأن قصص (التوراة) مأخوذة من (بلاد آشور)، الأمر الذي أثار ضجة في الأوساط الأكاديمية والإعلام الأوروبي، وهذا ما أثار حفيظة (اليهود) والكنائس الغربية اللذين مارسوا كل وسائل لعدم البحث في هذا الشأن؛ ليتم طمس هذه الحقائق، وفعلا تمكن اللوبي (اليهودي) في العالم إلى إخفاء العديد من الألواح (الآشورية) الهامة وبهذه التحاليل والبحوث والدراسات الأكاديمية في التراث والميثولوجيا (الآشورية) وما تم استكشافه من الذخيرة الثقافية والأدبية لعوم وآداب (الآشورية).

ليستوضح لدى الباحثين والدارسين والمفكرين مدى عمق ما تأثرت (التوراة) وما أخذته من الميثولوجيا والتراث (الآشوري)، فقدموا في ذلك الكثير من الدراسات والبحوث بهذا الخصوص والتي تؤكد عن تأثير ثقافة وادي الرافدين على آداب (اليهود)، ولم يقتصر هذا التأثير للفكر الميثولوجي (الآشوري) على آداب (اليهودية) فحسب بل امتد التأثير إلى على الشعوب المجاورة؛ نحو (الآراميين) و(الفينيقيين) و(الإغريق) و(الحضارة اليونانية) وظل هذا التأثير قائم رغم سقوط الدول (الآشورية) في 612 قبل الميلاد، لان (الآشوريين) ظلوا محافظين على تراثهم الفكري والأدبي واستمر ذلك إلى عهد (اسكندر 331 – 126 ق.م) وخلال عهد حكمه وسيطرته على بلاد الرافدين برز المؤرخ (بيروسوس – برعشا) من مدينة (بابل الآشورية) الذي جمع تاريخ (بابل) في كتابه اسماه (بابيلونياكا) وقد كتبه باللغة (اليونانية) في ثلاث مجلدات؛ أرخ فيه وقائع التي حدثت من سنة 3600ق.م حتى حكم (اسكندر)، وقد جاء كتابه هذا بناءا على طلب الملك (أنطيوخس الثاني 261- 247 ق.م) الذي حكم مدينة (بابل)؛ علما بان (بيروسوس) كان كاهن (الإيساغيلا) في معبد (مردوخ – آشور) في أيامه؛ وفيما بعد؛ ولوجوده في (اليونان) وامتهانه التدريس في مدينة (أثينا) ألف هناك كتاب (الحكمة)، وكانوا (اليونانيون) يكنون له احترام كبير لدرجة التي نصبوا له تمثالا فخريا له، وقد أصبح كتاب الذي إلفه بعنوان (بابيلونياكا) مصدرا مهما من مصادر العلوم في (اليونان)، بعد رسائل (هيرودوتس) و(الإسكندر) وقد أخذوا الأدباء والمثقفين وفلاسفة (اليونان) الكثير من علوم (الآشورية) في مجال الفلك والدين والرياضيات وخاصة مبدأ (إقليدس) في الرياضيات الهندسية وقياس الوقت والحساب الذي ما زال يدرس في مدارس وجامعات العالم باعتباره من أسس علوم الرياضيات.

الميثولوجيا الآشورية وتأثيراتها على الديانة المسيحية

كما إن (الميثولوجيا الآشورية) كانت لها صداها الواسعة في أوساط الثقافة الغربية ومعتقداتهم الخاصة التي كانت تمارس وفق طقوس العبادة في احتفالات (رأس السنة الآشورية) التي كانت تسمى احتفالات (أكيتو) والتي وجدت تأثيراتها في معطيات (الديانة المسيحية) وذلك بتخصيص يوم للاحتفال بـ(رأس السنة الميلادية) الذي يصادف في (الأول من كانون الثاني) كبداية لدخول العام الميلادي الجديد على غرار ما كان سائدا في أيام (الإمبراطورية الآشورية) باعتبار (الأول من نيسان) هو أول أيام لدخل العام (الآشوري) الجديد، ومن معطيات أخرى التي أخذتها (الديانة المسيحية) من (المثيولوجيا الآشورية) هو وجود الإله الغير المنظور (الله) في (الديانة المسيحية)؛ حيث كانت مفردة (الله) تقابل (آشور) وهو اله غير منظور عند (الآشوريين) وعلى عظمة قدسيته عندهم كنيت اسم مواقع وجودهم بـ(بلاد آشور) وكني ملوكها باسمه؛ بل وجرت العادات والتقاليد في عرف المجتمع (الآشوري) آنذاك وما زال هذا العرف إلى يومنا قائم عند العوائل (الآشورية) بتسمية واحد من أبنائهم باسم (آشور) تيمننا بعظمة الإله (آشور) الذي هو عندهم (الله ) الذي هو في العلى والمعروف اليوم عند اغلب شعوب الأرض ولكن بتسميات وفق الألسن واللغات المتعددة عند شعوب الأرض، ومن مضامين النص (الميثولوجيا الآشورية) للاحتفالات برأس السنة (الآشورية – أكيتو) والتي تقام وفق طقوس معينه حيث نجد لها صداها في طقوس (الديانة المسيحية)؛ ومن ذلك إن الإله (مردوخ – آشور) ينزل إلى الأرض ويتصارع مع الشر فيؤسر في اليوم الخامس من مراسم الاحتفال بيوم (أكيتو) ليحرر من قوة العاصفة (نينورتا – إله العاصفة) بعد ثلاثة أيام ؛ أي بعد اليوم السابع من – هذه الاحتفالات – بعد أسره وتبدأ الحياة، وهذا الحدث يورد في ( العهد الجديد – الإنجيل)، بان السيد (المسيح) يحرر من الموت بعد ثلاثة أيام خلال هبوب عاصفة عاتية؛ وخلال فصل اعتدال الربيعي تكون (قيامة المسيح)، كما في بداية الربيع تبدأ الاحتفالات (أكيتو) بعد تحرر الإله (مردوخ – آشور) من الظلمة، ومن ثم إن (الميثولوجيا الآشورية) تذهب بالذكر صعود (مردوخ – آشور) إلى بيته العلوي (السماء) بعد تحرره واجتماعه بالآلهة (أي في اليوم الحادي عشر من بدا احتفالات أكيتو) ويمثل هذا الحدث في المسيحية صعود (المسيح) إلى السماء بعد قيامته في اليوم الثالث من بعد موته واجتماعه بتلاميذه، وإذ ما تعمقنا أكثر في ألاهوت المسيحي وتحديدا في فكرة (الثالوث الأقدس – باسم الأب والابن والروح القدس) فان في (الميثولوجيا الآشورية) يقابل ( أيا – إله البحار والد مردوخ – آشور) و( آنو – إله السماء) و( إنليل – إله الجو والأرض )، ومن ثم لو أخذنا فكرة (المعمودية) في المسيحية والتي مغزاها هو غسل الخطايا الموروثة عن طريق رش الماء على الجسد؛ وهذا الطقس المسيحي هو موجود ضمن طقوس الاحتفالات بعيد (أكيتو) حيث يقوم الشعب برش الماء على طريق الإله (مردوخ – آشور) ، كم يقوموا برش الماء على بعضهم لغسل خطاياهم قبل استقبال الإله (مردوخ – آشور) بعد أسره من قبل إلهة الموت (أرشكيغال)، وفي المقابل نجد بان القديس (يوحنا المعمدان) أثناء غسل الخطاة بماء نهر (الأردن) يقول: (( توبوا فقد اقترب ملكوت السماوات – متى:2:3)) وما يزال (الآشوريون) يحتفلون بهذا العيد إلى يومنا هذا؛ وذلك برش الماء على بعضهم وعلى الطرقات، وله أيضا طقوس خاصة في الكنائس الشرقية وتحديدا في طقوس (كنيسة المشرق الآشورية) ويعرف بعيد (نوسرديل) .

وبكل هذه التشابهات في الطقوس بين (الميثولوجيا الآشورية) و(الديانة المسيحية) وغيرها من المعتقدات – يصعب حصرها في اسطر هنا – هو الأمر الذي جعل (الآشوريون) إن يكونوا من أوائل الشعوب التي اعتنقت (الديانة المسيحية) بعد ظهورها؛ وذلك بعد إن وجدوا الكثير من أوجه التشابه بين معتقداتهم الدينية القديمة وبين الدين الجديد الذي اخذ القديس (بطرس) بالتبشير بتعاليمه المسيحية اثر زيارته لمدينة بابل (الآشورية) كما ورد في الكتاب المقدس رسالة القديس (بطرس الأولى – 5:13) .

وبعد دخول (الآشوريون) في (الديانة المسيحية) تخلوا عن طقوس (أكيتو) ولكن ظلوا محتفظين بالكثير من تلك العادات والتقاليد التي أورثوها جيلا بعد جيل وبقوا يعتبرون الأول من شهر (نيسان) شهر الانبعاث والتجدد بالمعنى الذي كان قائم قبل المسيحية ولكن بشكل الذي يواكب متطلبات الحياة المعاصرة؛ ولذلك فان الكثير من هذا الموروث الحضاري ما زال (الآشوريون) يحافظون عليه ويزاولونه، فنرى في الأول من كل شهر (نيسان) يجمعون باقات من الزهور والأعشاب الخضراء ليتم تعليقه على مدخل أبواب بيوتهم في مطلع الصباح؛ كرمز لقدوم الربيع وانتعاش الحياة وتجدد الطبيعة ؛ وتسمى هذه الباقات بـ( دقنا دنيسان – لحية نيسان) .

طقوس الاحتفال بيوم (أكيتو)

ولأهمية مضامين طقوس الاحتفال بيوم (أكيتو) في تطوير الفكر البشري وبما تركته (الميثولوجيا الآشورية) من تأثير كبير في ثقافات الشعوب الأخرى؛ لابد هنا إن نقدم استعراضا ملخصا لبعض من مجريات الاحتفال بعيد (أكيتو) وبشكل موجز .

كانت الاحتفالات بعيد رأس السنة (الآشورية – أكيتو) تقام ابتداء من أول ليلة الاعتدال الربيعي في (21 آذار ) وتستمر لغاية (الأول من نيسان ) حيث يختتم الاحتفال بطقوس احتفالية مهيبة يقيمها الشعب (الآشوري) وتشارك فيه كافة طبقاته، وابتداء من اليوم الأول ولغاية اليوم الأخير تقام في كل يوم طقوس معينه تتخللها فعاليات ضخمة على شكل مهرجانات شعبية يشارك فيها الشعب من كافة الطبقات، حيث يواكب الجماهير المحتشدة خلف مسيرة الكهنة الذين يحملون نماذج تمثل الآلهة، كوسيلة لتعبير .

ففي اليوم الأول والثاني والثالث

هي أيام تخصص لتطهير النفس من الخطايا حيث يقوم كاهن (الإيساغيلا) الذي هو يشرف على معبد الإله ( مردوخ – آشور) بتلاوة طقوس ذات طابع حزين و يشاركه كهنة المعبد وكذلك الشعب بهذه الترانيم التي تعبر عن خوف الإنسان من المجهول متضرعين لطلب الغفران وحماية مدن (آشور) في بلاد النهرين عبر توجه الكاهن الأكبر إلى (الإيساغيلا) في كل صباح لنقل هذه الرسالة إلى الإله (مردوخ – آشور) .

اما في اليوم الرابع

حيث في مطلع الفجر تقام طقس على نحو الأيام السابقة لغاية المساء حيث يقرءا النص الكامل المتعلق بـ(يوم الخلق) كما ورد في ملحمة (إينوما إيليش) الذي يأتي بمعنى (عندما في العلى) وقصتها تدور حول بدء الكون وتكوين الفصول الأربع و إتحاد قوة كافة الآلهة في الإله (مردوخ – آشور) بعد انتصاره على التنين (تيامات – عشتار) وتعتبر تلاوة هذه الملحمة تحضيرا لطقوس خضوع (ملك الإمبراطورية الآشورية) أمام الإله (مردوخ – آشور) .

اما في اليوم الخامس

هو يوم لخضوع (ملك الإمبراطورية الآشورية) أمام الإله (مردوخ – آشور) حيث يدخل (ملك الإمبراطورية الآشورية) إلى (الإيساغيلا) برفقة الكهنة، ويتجهون نحو المذبح فيتقدم الكاهن الأعلى (الإيساغيلا) من الملك آخذا دور الإله (مردوخ – آشور)، ويبدأ بتجريده من حليه وصولجانه وحتى تاجه وبعدها يقوم الكاهن الأعلى (الإيساغيلا) بصفع الملك بقوة حيث يركع الأخير ويبدأ بتلاوة الغفران وإعلان خضوعه الإله (مردوخ – آشور) قائلا :

– (( أنا لم أخطئ يا سيد الكون، ولم أهمل أبدا جبروتك السماوي…)) ويرد عليه الكاهن الذي يقوم بتمثيل دور الإله (مردوخ – آشور):

– ((.. لا تخف مما يقوله الإله (مردوخ – آشور) فسوف يسمع صلواتك ويوسع سلطانك ويزيد عظمة ملكك…)) .

وبعدها يقف (ملك الإمبراطورية الآشورية) فيعيد إليه الكاهن حليه وتاجه ثم يصفعه مرة أخرى بقوة على أمل أن يذرف الملك دموعه؛ لأن ذلك سيعبر عن المزيد من الخشوع الإله (مردوخ – آشور) والإجلال لسلطانه، وبعد ذلك يقوم الكاهن بإعادة التاج إلى الملك، كتعبير بان الإله (مردوخ – آشور) يجدد السلطة على الدولة (الآشورية)، كما إن الأول من نيسان يجدد الحياة في بداية موسم الربيع؛ ومن هنا يكون رمز ( الأول من نيسان) ليس لتجديد الطبيعة والحياة فحسب بل في تجديد نظام الدولة .

لنستشف من هذه المراسيم بان أعظم شخصيات التي تحكم (بلاد آشور) تخضع لسلطة للإله الأعظم – الغير المنظور – الذي عندهم كان يسمى(مردوخ او آشور) فتعيش هذه الشخصيات لحظات تواضع مع عامة الشعب في المدن (الآشورية)، متضرعين جميعا بالصلوات وطلب المغفرة من الإله (مردوخ – آشور) وبعد إن يثبت الجميع إيمانهم بسلطة الإله الغير المنظور الذي يوكل للملك حكمه وينزل الملك من بيت الإله (مردوخ – آشور) ليبقى الإله في (جبل العالم السفلي) الذي هو بمثابة برج مؤلف من سبع طوابق قائم تحت السماء لذلك يسمى (برج العالم السفلي)، وهكذا يكون الإله (مردوخ – آشور) قد دخل بيته ويفاجئ بالآلهة التي سيتعارك معها ويؤسر في هذا الجبل؛ بانتظار وصول أبنه الإله (نابو) الذي سينقذه من (العدم) ويعيد مجده .

وهنا لتوضيح نقف قليلا لنستدرج في الحديث بذكر ما جاء بـ(التوراة) وما تم اقتباسه من مجريات هذا الحدث الذي يدور في احتفاليات بأيام (اكيتو)، حيث يذكر في (التوراة) (برج بابل)، وهذا البرج هو (برج العالم السفلي) فيه بيت (مردوخ – آشور) فيأتي القول كما ورد في (التوراة) في نص الأتي : – ((كما سيسكن الله في جبل…. حسب التوراة، مزامير:74 : 2)) .

اما في اليوم السادس من احتفالات (أكيتو)

ففي هذا اليوم تجري أحداثه بوصول الإله (نابو) برفقة أعوانه من الآلهة الشجعان القادمون من (نيبور) و(أوروك) و(كيش) و(أريدو) – وهي مدن الإمبراطورية (الآشورية) تقع حاليا في جنوب العراق – بواسطة المراكب كانت الآلهة المرافقة لـ(نابو) متمثلة بتماثيل توضع في مراكب وكانت تصنع لهذه الاحتفالات، وهنا يبدأ الشعب بالسير وراء (ملك الإمبراطورية الآشورية) باتجاه (الإيساغيلا) حيث الإله (مردوخ – آشور) أسير وهم ينشدون ترتيلا مطلعها: ((..هو ذا القادم من بعيد ليعيد المجد إلى أبينا الأسير..)) .

اما في اليوم السابع من احتفالات (أكيتو)

ففي هذا اليوم يتم لـ(نابو) تحرير الإله (مردوخ – آشور) في اليوم الثالث من الأسر، بعد إن أغلقت الآلهة الشريرة بابا كبيرا وراء الإله (مردوخ – آشور) بعد إن تم دخوله في بيته، ويتصارع الإله (مردوخ – آشور) معها، لحين مجيء (نابو) الذي يكسر الباب وتبدأ معركة بين الفريقين ينتهي الأمر إلى انتصار الإله (نابو) وتحرير الإله (مردوخ – آشور) .

اما في اليوم الثامن من احتفالات (أكيتو)

ففي هذا اليوم تجري طقوسها بعد تحرير الإله (مردوخ – آشور) تجميع جميع تماثيل الآلهة في غرفة الأقدار التي تسمى (أوبشو أوككينا) فتجتمع الآلهة لتقرر مصير الإله (مردوخ – آشور)، لينتهي الأمر بتجميع قوى جميع هذه الآلهة لتوهب مجدداً إلى الإله (مردوخ – آشور) وهنا يأتي (ملك الإمبراطورية الآشورية) راجيا جميع الآلهة للسير مع الإله (مردوخ – آشور) إكراما له؛ وهذا التقليد يرمز على خضوع كافة الآلهة إلى سيدها الإله (مردوخ – آشور) الإله العظيم في عظمته؛ وهنا وكما ورد في إحدى مدونات (الملك الآشوري – سركون الثاني) عن زياراته لبابل يقول :

_ ((.. في بابل، بيت سيد الآلهة، بكل فرح دخلت (الإيساغيلا) ووجهي يشع بهجة؛ حيث أمسكت بشدة يدي سيدي الإله (مردوخ – آشور) العظيم وسرنا سوية إلى (بيت أكيتو)، كذلك جاءت عدة آلهة من أقطار مختلفة، شاركتنا في موكب عظيم مع الإلهة (عشتار) وخدامها الذين أبهجوا بابل بعزفهم الفرح على الناي..)) .

اما في اليوم التاسع من احتفالات (أكيتو)

ففي هذا اليوم تسير موكب النصر إلى بيت (أكيتو) و(أكيتو) هو المكان الذي فيه (بيت الصلاة) حيث يجتمع هناك الشعب ويبدأ الاحتفال بانتصار الإله (مردوخ – آشور)، وهذا البيت يقع خارج سور المدينة حيث هناك توجد حديقة واسعة مرتبة بعناية فائقة لتليق بمستوى الإله الذي يعتبر واهب الحياة في الطبيعة ويعبر هذا التقليد (موكب النصر) عن مشاركة عامة الشعب بالفرحة بتجديد الحب والطاعة إلى الإلهة (مردوخ – آشور) وتدمير قوى الشر التي كانت تتحكم بالحياة منذ البدء .

اما في اليوم العاشر من احتفالات (أكيتو)

ففي هذا اليوم يكون الاحتفال بتجمهر الشعب بعد وصوله في موقع (أكيتو) موقع بيت الصلاة حيث يبدأ الإله (مردوخ – آشور) بالاحتفال مع آلهة العالمين العلوي والسفلي وتوضع تماثيل الآلهة حول طاولة كبيرة بشبه وليمة؛ وبعدها يعود إلى قلب المدينة للاحتفال بزواجه من الآلهة (عشتار) في السماء، حيث تتحد الأرض مع السماء ومع زواج الإلهة في (السماء) يتزوج (ملك الإمبراطورية الآشورية) على (الأرض)، فيقوم الملك بتمثيل هذا الزواج مع كبرى كاهنات (الإيساغيلا) حيث يجلسان سوية على العرش أمام الشعب ويبدآن بتبادل الأشعار الخاصة بهذه المناسبة، على أن هذا الحب هو الذي سيولد الحياة في الربيع .

اما في اليوم الحادي عشر من احتفالات (أكيتو)

ففي هذا اليوم تعود الآلهة برفقة سيدها الإله (مردوخ – آشور) لتجتمع في بيت الأقدار (أوبشو أوككينا) الذي اجتمعت فيه في اليوم الثامن للمرة الأولى، ولكن في هذه المرة تجتمع لتقرير مصير الشعب حيث يتم التعهد بين (الأرض) و(السماء) على أن يخدم الإنسان الآلهة حتى مماته، وبالتالي لا تكمل سعادة الآلهة إلاّ بسعادة الإنسان الذي يخدمها؛ لذا سيكون مصير الإنسان السعادة ولكن شرط أن يخدم الآلهة، وبعد هذا العهد يصعد الإله (مردوخ – آشور) عائدا إلى بيته العلوي في السماء .

اما في اليوم الثاني عشر من احتفالات (أكيتو)

فهو اليوم الأخير من احتفالات بيوم (أكيتو) حيث تعود الآلهة إلى معبد سيدها الإله (مردوخ – آشور) وتعاد تماثيل الآلهة إلى المعبد وتعود الحياة اليومية إلى كل المدن (الآشورية) .

الهوية القومية والدلالات الفكرية والفلسفية عند الآشوريين
ومن خلال صور هذه الملحمة نستشف جملة من الدلالات الفكرية والفلسفية لهذه الطقوس والاحتفالات التي كانت تمارس قبل سبعة ألاف سنة في المدن (الآشورية) في (بلاد الرافدين – العراق)، فان (الآشوريون) اليوم ما زالوا يحتفظون بالموروث الحضاري وعلى الكثير من الأعياد التي ورثوها عن أجدادهم ولكن بشكل حضاري يواكب متطلبات المعاصرة والحداثة، فهم اتخذوا من تلك الأعياد على سبيل المثال وليس الحصر عيد (الأول من نيسان) واعتبروه عيدا قوميا سمي بعيد (أكيتو)، ففي هذا اليوم يحتفلون بهذه المناسبة باعتباره عيد (رأس السنة الآشورية) في (الأول من نيسان) الذي يصادف وفق (الميثولوجيا الآشورية) بين اليوم العاشر والثاني عشر من بدا احتفالات (أكيتو) وحسب ليلة الاستواء النهار مع الليل في يوم الاعتدال الربيعي؛ وعليه يكون وفق حساب السنين هذه السنة سنة ( 6770 آشورية) والتي تقابل سنة (2020 ميلادية)، وعن كيفية تحديد بدايات التاريخ (الأشوري) وتحديد بداية (السنة الأولى الآشورية) راجع مقالتنا وهي منشورة على مواقع (كوكل – الانترنيت) والتي جاءت تحت عنوان (( أعياد (اكيتو) والدلائل التاريخية لميثولوجيا الأشورية ؛ بقلم.. فواد الكنجي )) وكذلك لنا مقالة أخرى جاءت تحت عنوان ((رأس السنة الأشورية الهوية والانتماء؛ بقلم.. فواد الكنجي )) .

حيث في هذا اليوم تنظيم مسيرات شعبية ومهرجانات وكرنفالات شعبية وتقدم أغاني وطنية وتراثية؛ إذ يتجمع المحتفلون بأعداد هائلة في أحضان الطبيعة لتتحول هذه المناسبة مناسبة (رأس السنة الآشورية) إلى علامة تواصل لتجذير الهوية القومية (الآشورية) في قلوب ابنا الأمة (الآشورية) أينما وجدوا .

لتشكل هذه الروابط بين معطيات الفكر القومي كجزء من أيديولوجية لارتقاء الوعي المعرفي إلى مستوى المسؤولية كرؤية فكرية استمدت أصالتها في التماثل بين الوعي والتاريخ؛ أي بين الفكر والواقع لوجود الأمة (الأشورية)، ومن خلال هذه الرؤية استطاع الفكر القومي للأمة تشكيل مواقفه السياسية والمعرفية والتاريخية وبرؤية واضحة المعالم عكسها الفكر القومي بواقعية وبأيديولوجية بين متطلبات الواقع والفكر ليواكب طموحات المجتمع (الآشوري) لهذه الرؤية لرفعها إلى حيز الصيرورة والفعل والى مستوى الطموح والمطالب، لتتنامى هذه الرؤية القومية عبر كل مرحل الزمن وحقب التاريخ، لتكون التجربة القومية للأمة (الآشورية) على طول مسارها التاريخي تجربة ثرية نابضة بالحياة مع متطلباتها وتطلعاتها وأهدافها ومضامينها الثقافية والسياسية والاجتماعية والنهضوية، فان تاريخ الأمة (الأشورية) هو تاريخ عريق ومشرف ومؤثر وله هويته في تاريخ الحضارات، فان التاريخ هو عنصر من أهم عناصر الهوية القومية؛ إضافة إلى (اللغة) و(التراث).

نعم إن الأمة واجهت تحديات وإخفاقات ولكن تبقى الجهود الكفاحية والنضالية والمساعي الخيرة والنبيلة متواصلة في العطاء وفق إمكانياتها وهي مدار فخر واعتزاز لكل (آشوري)، لأننا على علم اليقين؛ بان الفكر القومي للأمة (الآشورية) يواجه منتقدي وخصوم وأعداء، ولكن منطلقات الفكر في كل مراحل التاريخ تبقى نظرية قابلة للتطور والنقد والمراجعة والتحليل للوصول إلى تجديد الرؤية وتحديثها ومعاصرتها بأفكار العصر والحداثة والمعاصرة وبالتوازي مع الأوضاع السياسية وتطورها مع مفاهيم العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان والحريات العامة بما تلبي تطلعات الإنسان (الآشوري) في الحرية وحق تقرير المصير .

ومن هنا تأتي أهمية استعادة ذاكرة التاريخ في كل مراحل من مراحل حياة الأمة؛ للوقوف على تاريخ هذه الحضارة (حضارة الأمة الآشورية) بكل ارثها وتراثها ولغتها وتاريخها وفكرها وعومها وأحداثها السياسية والثقافية والعلمية والأدبية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية؛ لان ذلك هو جزء من الموروث ومن التراث واللغة والتاريخ؛ وكل ذلك يعتبر عناصر مهمة من عناصر الهوية القومية (الآشورية) وهي مقومات لارتقاء بالمشروع القومي (الآشوري)؛ وهي عناصر التي جعلت الفكر القومي يرتقي ويحقق انجازات هامة في العمل الفكري والسياسي لنشره وفق رؤية معاصرة لإثارة الوعي للأمة (الآشورية) بحضارتها وبهويتها ورفع قدرتها لمواجهة لتحديات.