20 مايو، 2024 7:05 ص
Search
Close this search box.

المياه لا تعود إلى مجاريها!

Facebook
Twitter
LinkedIn

لعلّ الشاعر متمم بن نويرة ما كان بمقدوره أن يتنبأ بما تؤول إليه حال بلاد السواد حين دعا الله أن يسقي قبر أخاه بالمطر:
    أَقولُ وقدْ طارَ السَّنَا في رَبَابِهِ
                              وَجَوْنٌ يَسُحُّ الماءَ حتى تَرَيَّعَا
    سَقَى اللهُ أَرْضاً حَلَّها قَبْرُ مَالِكٍ
                             ذِهَابَ الغَوَادِي المُدْجِنَاتِ فَأَمْرَعَا
ما كان لمتمم أن يدرك أنّ دعوته، التي قصد منها أن تبعث الحياة في جسد ميت، يمكن أن تتحول إلى نقمة ومصيبة تنافس المفخخات والكواتم في سلب حياة حيناً، وتشريد مَنْ قَصُرَت يد الإرهاب عن الوصول إليهم، وإضافة عبء وهمّ إلى آخرين. لم يكن أحد يتخيّل، وهو يؤدي صلاة الاستسقاء، أنّ في المطر لوناً آخر من ألوان التعاسة والشقاء في بلاد يكون نعيمها سبباً للبؤس والموت والخراب!
    دول الجوار متهم رئيسي ـ دائماً ـ فيما تشهده البلاد من موت ودمار وتشظٍ. ومع يقيننا أنّ الجيران ليسوا أبرياء من دمنا وخراب بلادنا، إلاّ أننا لم نرَِ موقفاً حكومياً حاول أن يمنع الإرهاب العابر للحدود. ومثما أنّ دول الجوار سبب في عقمنا السياسيّ المزمن، فإنّها حبست الماء عن حقولنا وأحالت الرافدين وإخوتهما إلى حُفرٍ ينقصها خرير المياه العذبة كتجاعيد كهلٍ سُلبت منه نضارة الحياة.. ولولا بعض الحياء لقال مسؤولونا إنّ الغيوم التي أغرقت بيوتنا وشوارعنا جاءت من خلف الحدود لإفشال العملية السياسية!
    غياب التخطيط وضعف الجهاز الإداري وتوزيع المناصب وفق نظام المحاصصة لا الكفاءة أدى إلى كلّ الخراب والفساد الذي عمّ مفاصل الحياة، وسيؤدي ـ بالضرورة ـ إلى كوارث يصعب تخيلها وإصلاحها. بمتابعة بسيطة لمشروع الخنساء، الذي قيل إنّه سيكون حلاً لمشكلات العاصمة مع الفيضانات التي تسببها الأمطار، سنجدّ حجم الفساد الذي رافق سير العمل فيه، فضلاً عن البطء الشديد في تنفيذه بسبب مروره في أحياء عشوائية لم يرغب أحد بترحيلهم خشية التأثير على فرصة كتلته السياسية في الانتخابات.. مشروع الخنساء الذي ابتدأ العمل فيه عام 2008 بكلفة 105 مليار دينار وبسقف زمني مدته 3 سنوات، ما زال متعثراً بعد أن تجاوز مدة انجازه وتكلفته اقتربت من المائتي مليار دينار بحسب بعض المصادر.
    اعتاد المؤمنون والفقراء الطيبون اللجوء إلى صلاة الاستسقاء في سنوات الجدب واحتباس المطر.. عليهم أنّ يرفعوا أكفّهم إلى السماء لعلّها تحبس مطراً يأتينا من خلف الحدود، فغيومه التي تصبّ الماء تغرقنا من دون أن تذهب إلى (مجاريها). وإنْ كانت سفينة نوح قد استوت على الجودي بعد أن بلعت الأرض ماءها، فإنّ المركب الذي يقوده ساستنا بشراع ممزقة تتقاذفه الرياح وليس في الأفق من جبلٍ يمكن أن يعصمنا من الماء!
[email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب