23 ديسمبر، 2024 4:16 ص

المولود الملكي والطفل العراقي

المولود الملكي والطفل العراقي

ذكر احد الاصدقاء ممن يعيشون في لندن خبر الاحتفالات بقدوم المولود الملكي للأمير وليام وزوجته الحامل كيت حيث  أن البريطانيين يتمنون للمرة الأولى أن يكون المولود الملكي انثى بعدما أعلنت الملكة إليزابيث ملكة بريطانيا، أنه اذا رُزق حفيدها الأمير وليام  بمولودة  فإنها ستحمل رسمياً لقب “أميرة”، في تغيير لقواعد ملكية مطبقة منذ نحو 100 عام  .
وذكر صديقي أن الاحتفالات ستعم البلاد سواء كان المولود المنتظر ذكراً أم أنثى ولكن التعديل الذي أمرت به الملكة إليزابيث الثانية جاء خصيصاً من أجل جنس مولودٍ  بعينه وهو أن يكون أنثى وحسب معلومات صديقي  كان من المُفترض بموجب مرسومٍ أصدره الملك جورج الخامس في ديسمبر عام 1917 أن يحمل الابن الأكبر فقط لوليام وكيت لقب أمير، أما الابنة، فكانت ستحمل لقب “ليدي” ولن تخاطب بعبارة “صاحبة السمو الملكي . لكن الملكة إليزابيث أصدرت مرسوماً يغيّر هذا ، بحيث تكون المعاملة متساوية بين البنين والبنات من أبناء وليام ابن ولي العهد الأمير تشارلز ،
 وترى أنه لا يوجد شيءٌ معيبٌ في أن يكون ولي العهد مستقبلاً ومَن يجلس على العرش أنثى فها هي الملكة إليزابيث الثانية قد فعلت ما كان يمكن لملك أن يفعله على كرسي العرش . فيا له من مولود محظوظ ملك ابن ملك ابن ملكة .
 تقول الاخبار ان الشعب البريطاني اشترى جميع لعب الاطفال كهدايا للمولود الجديد وقد نفذ جميعها من الاسواق الامر الذي جعل الشعب البريطاني يتذمر من الحكومة فلم تبقى ولا لعبة تخص طفل رضيع الا وذهب بها الناس الى (الهايد بارك) واضعيها متأملين المولود الملكي الامر الذي جعل الحكومة تبتكر هدية تليق بهذا الكائن القادم فاقترح احد اللوردات ان يصمموا قطعة نقدية تحمل اسم وسنة ميلاد المولود الملكي .
لا ادري لماذا هذه الاستعدادات جعلتني اتذكر الطفل العراقي الذي ياتي الى الدنيا وهو مهدد بالانقراض فمخالب الموت هي الوحيدة التي تنال منه بشتى الوسائل .  امراض اللوكيميا والتهاب الكبد الفيروسي والالتهاب الرئوي وغيرها من الهدايا التي منحتها لأطفالنا  الحروب المتكررة على هذا الشعب المسكين  في حين نرى الاعلاميون يتمركزون منذ بداية الشهر الجاري  امام مستشفى سانت ماري اللندني ، الذي من المقرر أن تضع فيه دوقة كامبريدج   كايت  ميدلتون  زوجة الأمير وليام  مولودها  مما يعكس الاهتمام البالغ الذي يحظى به في الاوساط الاعلامية نفس الحالة التي يقف فيها الاعلاميون في العراق لتصوير اقدام الاطفال وهي تتطاير من هول الانفجارات وصرخات الامهات والعويل  الذي جعلني اتامل عمق الحزن المرسوم على شفاه  اطفالنا حينما تقفز اكفهم منفصلة  وبين اصابعها قلم ..
تقول وزارة التخطيط العراقية ان عدد الاطفال المحرومين  يصل الى خمسة ملايين وثلاثمائة الف اي ما يقارب ثلث عدد اطفال العراق . وبرغم ان الدستور العراقي ينص على حماية الاطفال ويمنع استغلالهم اقتصادياً فإن هناك خمسمائة الف طفل تتراوح اعمارهم بين الخامسة والرابعة عشر عاماً منخرطون في العمل وغالبيتهم في الريف ويكفي في هذا المجال ان نقتبس ارقاماً اخرى مما نشرته وزارة التخطيط ، حيث ورد فيها ان ثلث الاطفال يتعرضون للعنف كالضرب والحرق، جراء جهل اولياء امورهم بما تتطلبه التربية السليمة لأطفالهم. كما ان 56 % من النساء بعمر 14 – 49 يتعرضن للعنف الجسدي على يد الزوج او الاب او الاخ او غيرهم من اولياء الامور. كما ان تزويج الفتيات القاصرات ما يزال امراً منتشراً بين الفئات الفقيرة والمتخلفة وخصوصاً في الريف.
ونعود الى المولود المرتقب في بريطانيا حيث توقع صديقي الذي في بريطانيا ان ينفق البريطانيون نحو 100 مليون دولار على اقتناء المشروبات الكحولية احتفاء بميلاد الامير او الاميرة الجديدة ، في حين سيتوزع الانفاق الباقي على الهدايا التذكارية وكتب الاطفال والاقراص المدمجة وملابس الرضع ومنتجات اخرى سعى عدد  من الشركات الى توفيرها بهذه المناسبة
وفي الوطن العربي يتوقع مزيد من الضحايا بين صفوف الاطفال من خلال الارقام والاحصائيات التي اوردتها استناداً الى الوثائق الرسمية والتي هي قاصرة عن اعطاء الصورة الحقيقية لحال الطفولة في الوطن العربي . ويكفي التعرف على هذه الصورة ملاحظة الاعداد الكبيرة من الاطفال الذين يملئون شوارع المدن بحثاً عن الحصول على ما يسد رمقهم عن طريق بيع العلكة او ورق الكلينكس او مسح زجاج السيارات او التسوّل او غيرها من الاعمال التي تؤمن لهم ولعوائلهم التي تضطر الى دفعهم صحبة امهاتهم او بمفردهم الى المزابل ومكبات النفايات بحثاً عن العلب المعدنية والبلاستيكية لجمعها وبيعها.  وبرغم الواقع المأساوي لوضع الطفولة في العراق والوطن العربي  والحاجة الماسة الى بذل جهود كبيرة جداً لانتشالها من هذا الوضع يواصل المسؤولون عدم ايلاء الاهتمام الجدي لإنهاء هذا الوضع الامر الذي يظهر بوضوح في قلة التخصيصات المالية للتعليم وبناء المدارس والصحة والضمان الاجتماعي . واستمرار الفساد الذي يستمر في نهب المال العام ويعيق حتى الاستفادة من التخصيصات غير الكافية للقطاعات المذكورة   .