سؤال بريء: لماذا لا يلجأ الملايين من المسلمين الى مكة الى البيت الحرام الذي من دخله كان امناً؟ ولماذا يلجأؤون الى دول الصليب التي طردها صلاح الدين من القدس قبل الف سنة؟ بل السؤال الاهم لماذا يلجأ المسلمون الى ملك الحبشة بعد اربعة عشر قرناً مرة ثانية بحثا عن الامن والسلام.
اسمحوي لي بتبسيط الصورة متخذا من فلم الرسالة مرجعاً للتذكير بالوقائع التاريخية, المسلمون بعد البعثة المحمدية هربوا من مكة وضواحيها التي كانت تحت سطوة قريش الى الحبشة للتخلص من ظلمها التي قتلت ابنائهم وسبت نسائهم وهدمت بيوتهم وصادرت اموالهم, فلجأوا الى ملك لا يظلم عنده احد لانه كان يطبق قيم المسيح في المحبة والتسامح.
السؤال اليوم لماذا يتكرر المشهد مرة ثانية؟؟ انه لامرُ عجيبُ حقاً! السعودية تنفق المليارات في العالم لبناء مساجد ولنشر الفكر السلفي ولها ابواق اعلامية كبرى ولها شبكات من المؤسسات الاقتصادية في العالم تؤثر حتى على اصحاب القرار السياسي في دول مهمة فلماذا لا تحل مشكلة اللاجئين؟ لماذا لا تحتضن الملايين منهم وتشغلهم بدلا من ان تاتي بعمالة من اقاصي الارض تختلف لغتهم وثقافتهم وحضارتهم؟
والاعجب من هذا انه رغم ان السعودية وقطر المجهرية هم من اشعلوا هذه الحرب ولو جزئياً ضمن مخطط كبير في المنطقة وارادوا اسقاط نظام بشار تنكيلا بايران واعوانها في العراق, ومدوا الارهابيين بالمال والسلاح وخلقوا اجنحة مسلحة مهدت لظهور داعش وارسلوا الانتحاريين ودعموهم بالفكر التكفيري من خلال خطب الضلالة التي تحث على الجهاد وهم بذلك المتسبب الاول في قتل السوريين وتهديم بيوتهم ومصادرة اموالهم وسبي نسائهم, ورغم ان معظم المشردين والمهجرين هم من السنة والسعودية فعلت ما فعلت بحجة الدفاع عن حقوقهم في سوريا العلوية فهي ترفض ان تحتضنهم وهم اخوان في المذهب والدين واللغة والثقافة!
كنا نتصور ان تذهب سفن سعودية وخليجية الى تركيا لانتشال اللاجئين من النساء والاطفال والشيوخ الذين ثكلوا بابنائهم في مغامرة الخليجيين العبثية في سوريا اراحة للضمير, كنا نتصور ان تثور الغيرة العربية الاسلامية لديهم على شرف واعراض النساء السوريات والعراقيات ولكن الذي حدث ان ثارت اعضاء اخرى من اجسام بعض الرجال السعوديين والخليجيين فذهب هذا البعض بدناءة الذي في قلبه مرض بحثأ عن فتيات في مخيمات السبي في الاردن ولبنان لاشباع غرائزهم الحيوانية بدلا من سترهن ورعاية ايتامهن وربما ذهبوا لشراء بعض الإماء من داعش لتكتمل منظومة العبودية القائمة في هذه الدويلات.
السؤال هنا لماذا يتصرف السعوديون والخليجيون على هذا النحو المشين؟ واقصد هنا بالتحديد حكوماتهم وليست الشعوب, فهناك الشرفاء في كل مكان ولو خليت لقلبت كما يقال.
للجواب لا بد من وضع صورة المسلمين امام ملك الحبشة الى جانب صورة اللاجئين امام العمة ميركل ومحاولة قراءة الصورتين لنستنتج ان الامور لم تتغير منذ ذلك الحين! فقريش وبنو أمية لازالوا في الحكم في الجزيرة العربية وهم يتحكمون بالاموال والتجارة والعبيد وسطوتهم امتدت الى خارج الجزيرة العربية في العراق والشام باموال النفط ولا يروق لهم ان يروا الناس احرارا, بل الناس لديهم سادة وعبيد ففي السعودية يسمون السعودي مواطن وغير السعودي عمالة وافدة وفي الكويت مواطن وغيره بدون وفي الامارات مواطن ومقيم والحال اسوء في قطر فالسيد والعبد ليسا مصطلحان مجردان بل واقع يومي يعيشه الوافد الاجنبي للعمل في هذه الدويلة المجهرية. في كل الاحوال المواطن في هذه الدول هو من ابناء “قريش” وساداتها, والاجنبي المسلم تحديدا هو العبد الذي يجب ان ينحي لسيده, اما سيدهم الاعلى فهو الاوروبي الاشقر ذو العيون الزرقاء حيث سيادتهم تتوقف امامه بسبب عقدة الدونية المستفحلة لديهم. الاسيوين وبسبب ثقافتهم ووضعهم الاقتصادي العصيب يقبلون العبودية مختارين ليؤمنوا لقمة العيش لابنائهم.. لكن السوريون والعراقيون هم اصحاب حضارة عظيمة يرفضون الذل والهوان والخضوع, لذلك يشعر الخليجيون بالدونية امام العراقيين والسوريين واللبنانيين بشكل عام وما محاولات بناء اكبر فندق واعلى برج وتنظيم فعاليات دولية ولو بالرشوة كما هو الحال مع قطر الا محاولة للتخلص من عقدة الدونية هذه.
يخطي من يتصور ان السعودية هي حامية الاسلام بل هي هدامة هذا الدين الحنيف, فما زالوا يمحون كل اثر للنبي بحجة منع الناس من الشرك وعليهم والحال هذه ان يزيلوا الكعبة لان الله امر الناس ان يسجدوا باتجاه الكعبة فالامر في الظاهر هو سجود للحجر! والناس تقبّل وتتبرك بالحجر الاسود وهو حجر مجرد ولولا انه من السنن المؤكدة لازالوه بحجة الشرك.. واضافة الى ذلك فهم يشعلون الحروب بين المسلمين ويمولون الارهاب فثلثي الارهابيين والانتحاريين هم سعوديون ومعظم اموال الارهاب هي سعودية وقطرية, والامارات تدفع الاتاوات لداعش والقاعدة كي لا ينغّصوا عليها عيشها الرغيد, والسعودية تشن الحرب في اليمن بحجة الدفاع عن الحكومة فيها وتقصف المعارضة والمدن بالطائرات
وتهدم البيوت وتشرد الامنيين فيها في حين تريد في سوريا اسقاط “الحكومة” وتدافع عن المعارضة في تناقض صارخ في المواقف السياسية. سيقول قائل الحكومة اليمنية منتخبة والسورية دكتاتورية ووراثية والسؤال هنا: من انتخب نظام الحكم في السعودية وقطر والكويت وبقية دول الخليج؟ ليس دفاعا عن الطاغوت بشار الاسد اطلاقاً بل هم ليسوا افضل منه فهناك حكم وراثي وهنا حكم وراثي مالفرق؟ الم ياتي حاكم قطر السابق بانقلاب على ابيه الشيخ الذي نصبته بريطانيا حارسا مؤقتا على منابع النفط والغاز مع تاريخ صلاحية؟ الم يقم الحاكم الحالي الشاب بانقلاب اخر على ابيه رغم انه اخرج الفلم بشكل افضل من الانقلاب السابق؟ الم تنصب القوى الاستعمارية الحكام على هذه الدول لتامن منابع الطاقة فاذا نضبت كان مصيرهم مصير صدام والقذافي او ربما مصير الملك فاروق وهو المنفى مع سفن محملة بالاموال والذهب. لست هنا في معرض الجدل حول الشرعية في هذا البلدان فشعوبها اولى بها ولكن الكيل بمكيالين هي المشكلة التي اوصلت المنطقة الى ما هي عليه.
الوضع مع ايران لا يختلف فايران في حرب الخليج الاولى كان تحث الشيعة للاصطفاف معها للدفاع عن جمهوريتها المزعومة وفي نفس الوقت كانت تذيق ذويهم الذل والهوان في مخيمات اللجوء وكانت تمنعهم من العمل والتعليم, وعندما انتهت الحرب عاد من نجى منهم ليستجدي ورقة خضراء تدعى الكارت الاخضر تسمح له السلطات الاقامة في جمهوريتهم المنخورة مع منعهم من العمل ومنع ابنائهم من الدراسة في الجامعات. وما ان سقط نظام صدام حتى فتحت صفحة الانتقام القديمة من العراق وبدأت بتفتيت هذه الدولة وقضمها شيئاً فشيئأ فاصبح العراق بين سندانة ايران ومطرقة الارهاب السعودي الخليجي. لازالت ايران تذيق العراقيين الذل من اجل الحصول على فيزا ولا تسمح لاحد بالاقامة لديها, ولولا رغبتها في الحصول على الدولار القادم من العراق لمنعت العراقيين من دخول اراضيها الا من باع نفسه لها خادماً مطيعاً مستعدا للتضحية بنفسه من اجل مصالحها كما هو الحال مع الميليشيات الشيعية المختلفة. فهل قدر العراق وسوريا ان يكونا ساحة لصراعات تاريخية في المنطقة؟
ان مايسئمنا حقا ان نسمع مشايخ الفتنة من نجوم الفضائيات الى جانب الولي الفقيه الايراني وهم يجلدوننا بمناسبة وبدون مناسبة ويحثوننا على الجهاد والبذل والانفاق في سبيل الله ولم نسمع خطبة واحدة تحث حكوماتهم على احتضان المسلمين وحماية عرضهم واطفالهم, لم نسمع خطبة لشيخ الفتنة القرضاوي وهو يحذر حكومة قطر من مخاطر هجرة المسلمين الى دول “الكفر” الا يخشى على المهاجرين من التنصر وهم يرون سماحة المسيحية وعنف المسلمين وجفائهم وبخلهم معهم. وهل الاسلام سوى دين العمل والتطبيق؟ أليس الاسلام دين المساواة؟ الناس سواسية كاسنان المشط. الم يقل عمر: “متى استعبدتم الناس وقد خلقتهم امهاتهم احراراً” فلماذا تصرون على استعباد الناس فاما الخضوع الكامل والعبودية كالاسيويين او اذهبوا الى النصارى وغيروا دينكم.
الستم تفتخرون بالمعتصم اذا نادته امراة سبية وامعتصماه فجيش جيشاُ وحررها؟ كم مليون امراة سورية وعراقية تنادي وااسلاماه! واعروبتاه! وانسانيتاه! وليس من مجيب سوى ميركل وهولاند. هل اصبحتم صم بكم عمي فانم لاتبصرون.
انه من العار الابدي ان تتبرع قطر بمئة مليون دولار لضحايا اعصار كاترينا قبل عشرة سنوات ولم يتجاوز عددهم الف ضحية في حين تتلذ في رؤية المعذبين والمضطهدين السوريين والعراقيين وهم يركبون البحار بحثا عن مأوى لابنائهم ولاتحرك ساكنا وكأن الامر لا يعنيها سوى المزيد من الدعم للارهاب الداعشي في الوقت الذي تستقدم فيه مئات الالاف من العمال الاسيويين لبناء مدن لرياضة لاستضافة كاس العالم 2022, اليست الفرضة مناسبة لاستقدام السوريين وعوائلهم وتوظيفهم حتى يحين موعد عودتهم الى بلدهم؟
انه من العار ان يدعي ملياردير سعودي معروف انه سيتبرع بكل امواله وملياراته للاعمال الخيرية في العالم ولا يحرك ساكنا في قضية اللاجئين الماساوية.
الحقيقة المرة هي ان داعش ليس الخطر على المنطقة وماكان لها وجود لولا حكام هذه الدول المنبطحة التي تمول الارهاب بالمال والسلاح فتنفذ صاغرة اجندات تقسيم المنطقة وهناك مصالح متقاطعة لقوى اقليمية تصطاد في الماء العكر كتركيا الاوردوغانية وايران الوليفقيهية وهي تستغل عجز وجبن دول الخليج وانبطاحها وعمالة حكام العراق لها وانشغالهم بالفوضى الامنية لتفرض واقعا على الارض يخدم مصالحها في المنطقة.
يا دول الخليج التاريخ لا ينسى وستلعنكم الاجيال القادمة وشعوب هذه المنطقة على هذا الموقف المشين وسيصلكم الربيع العربي مهما انبطحتم وسنتقلب عليكم كما انقلبت على الذين ظلموا من قبل, وسيعلم الذي ظلموا اي منقلب ينقلبون, فاستدركوا الامر وصححوا الموقف قبل فوات الاوان واحتضنوا اخوتكم في الله واللغة والدين. احموا اعراض المسلمين لكي تحمى اعراضكم وآووهم لكي يؤويكم اهل الكرم عندما تحن الساعة ويحل الدور عليكم. انها سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا.
ملاحظة: لكل من سينبريء للدفاع عن السعودية او أيران ويكيل الشتائم والتهم, وفر على نفسك الجهد والوقت وسخره في انقاذ وانتشال عائلة او ايتام سوريين في تركيا ولبنان والاردن بدلا من ان يركبوا البحر ويلجأوا الى “الصليبيين”.
[email protected]