23 ديسمبر، 2024 12:17 ص

الموضوع الذي يفرض نفسه

الموضوع الذي يفرض نفسه

ليس هناك من موضوع مهم وخطير وحساس متعلق بالعراق ويطرح نفسه بصورة مستمرة کما هو مع موضوع”دور ونفوذ النظام الايراني في العراق”، ذلك إن العراق ومنذ إستقلاله في العشرينيات، قد مر بظروف وأوضاع مختلفة شهد فيها دورا ونفوذا لبلدان أجنبية فيه، ولکن لم يسبق له وإن واجه حالة غريبة وفريدة من نوعها کما هو الحال مع الدور والنفوذ غير العادي للنظام الايراني في العراق، ذلك إننا لو قمنا على سبيل المثال بالمقارنة بين أيام الدور والنفوذ البريطاني في العراق ولاسيما في فترة الانتداب وبين الدور والنفوذ للنظام الايراني في العراق منذ عام 2003 ولحد الان، لوجدنا إن هناك فرقا شاسعا بينهما وإن الدور والنفوذ البريطاني لم يصل ويرقى أبدا الى مستوى الخطورة والتهديد الذي مثله ويمثله الدور والنفوذ الايراني في العراق.
بريطانيا التي کانت تعمل بکل جهدها من أجل ضمان مصالحها ونفوذها في العراق وکانت تعمل ضمن أطر ومسارات محددة، لکن النظام الايراني لايعمل فقط من أجل ضمان مصالحه ونفوذه في العراق فقط وإنما يريد ربط مصير العراق بمصيره وجعله تابعا وخاضعا لنفوذه طالما کان باق على دست الحکم، وإن إستغلاله وتوظيفه للعامل الديني ببعده الطائفي السلبي لم يعد بخاف على أحد خصوصا وإن منظمة مجاهدي خلق قد أکدت على ذلك مرارا وتکرارا وحذرت منه کثيرا بل وحتى إنها قد کشفت عن قوائم رواتب للحرس الثوري يوجد فيه إسم قادة ووجوه بارزة للميليشيات والاحزاب التابعة له وفي مقدمتهم”هادي العامري”، والامر اللفت للنظر هنا، هو إن الوجوه السياسية العراقية التي کانت تابعة أو خاضعة للنفوذ البريطاني، لم تکن قادرة على أن تتصرف بصورة غير طبيعية وأن تقف بکل وقاحة ضد المتظاهرين أو المنتفضين من العراقيين ضد الدور والنفوذ البريطاني في العراق ولکن وفي الحالة الايرانية فإننا نجد إن العملاء والتابعين للنظام الايراني إضافة الى إنهم يتمادون کثيرا في ولائهم ويقفون ضد کل التظاهرات والانتفاضات الرافضة للدور والنفوذ المشبوه للنظام الايراني، فإنهم يعلنون في وسائل إعلامية بأنهم سيقفون الى آخر قطرة من دمائهم مع النظام الايراني ويوالونه ولائا مطلقا وحتى إنهم لو صارت أوضاعا غير طبيعية بين العراق وإيران فإنهم سيقفون الى جانب النظام الايراني کما صرح بذلك البعض منهم في لقاءات متلفزة.
الخطورة التي مثلها ويمثلها الدور والنفوذ الايراني في العراق والذي لايصل أي أي دور ونفوذ أجنبي آخر الى مستواه بما فيه الامريکي نفسه، يأتي من کون إن النظام الايراني قد قام وبطرق مختلفة بربط العراق سياسيا وفکريا وإقتصاديا وإجتماعيا بنفسه وجعله مجرد وسيلة من أجل بلوغ غاياته وتحقيق أهدافه، ولذلك فإن العراق الذي مر بفترة الاستعمار البريطاني يمر اليوم بفترة أسوأ من ذلك بکثير ولايمکن أبدا أن يسترد عافيته ويعود الى أوضاعه الطبيعية مع بقاء وإستمرار هذا الدور والنفوذ الذي صار الشعب العراقي کله يدرك ويعي مدى سلبيته وتداعياته السامة على العراق والعراقيين.