5 نوفمبر، 2024 5:42 م
Search
Close this search box.

الموصل .. من يقطف ثمار الانتصار

الموصل .. من يقطف ثمار الانتصار

هنيئا للشعب هذا الانتصار ، فقد اعلنت الحكومة العراقية اليوم في 10  تموز 2017 تحرير مدينة الموصل ، بعد ان كانت قد اعلنت في 17/10/2016 على لسان رئيس وزراءها حيدر العبادي انطلاق العمليات العسكرية لتحرير الموصل من يد داعش التي استولت عليها خلال ساعات من يوم واحد فقط في عام 2014 وبسيناريو اثار الشكوك الدولية قبل المحلية عن السهولة التي تمت بها اسقاط فرقتين من وحدات الجيش العراقي اضافة الى قوى الامن الداخلي و الشرطة المحلية وحرس الحدود. وهذا هو السقوط الثاني والانهيار الثاني للجيش العراقي (السقوط الاول كان لبغداد في عام 2003) . وقد اعلن بدء عمليات تحرير الموصل بعد مضي ما يقارب السنتين من التحضيرات العسكرية بكل مستلزماتها من عتاد ومعدات وعناصر المتطوعين في تشكيلات داخل و خارج المؤسسة العسكرية للجيش العراقي من الحشود المليشياوية المدنية للاحزاب الدينية المهيمنة على السلطة وطبعا المقصود الاحزاب السياسية المذهبية ، خارج المؤسسات الدينية الفقهية بعد ان همشت بعض الاحزاب واتهمت بعدم الثقة وانها كانت بشكل او باخر متهمة في انها المسبب في انهيار المدينة وجمدت نشاطاتها المختلفة. وكل هذه الاخطاء و الهفوات الكارثية وانعدام الثقة وانعدام السلطة الحكومية على مؤسساتها كان نتاج تراكمات الاداء السلبي و الفاشل لفترة حكم المالكي الذي وضع اللوم في اسباب هذا الفشل على المحاصصة الطائفية التي اعتمدت و فرضت من مجلس النواب ابان استلامه الحكم بعد 2008 . وقد صاحب هذا الوضع السياسي المعقد ارباك وفشل وانهيار واضح في الاداء الحكومي في كل تفاصيله ولجميع الوزارات حيث انعكس ذلك على فقدان الشعب للخدمات العامة و عدم القدرة على ضبط الاداء الوظيفي وانتشار الفساد الذي تسبب بتهريب اموال وثروات الحكومة الى الخارج حتى باتت الدولة عاجزة عن تسديد الاجور و الرواتب للموظفين و المتقاعدين لولا القروض والمنح والمساعدات الدولية ومبيعات النفط العشوائية .
هذه الصورة المعتمة للوضع العراقي زادها عتما الفوضى الامنية وانتشار العصابات و المليشيات للتعويض عن الفراغ الامني الواضح في الشارع العراقي مع انتشار الجريمة والتزوير وعصابات تجار المخدرات والممنوعات ، كل هذه الصور المعتمة والمضلمة كان يرافقها حلم ازاحة داعش الذي ضل قائما لما يسببه من دمار للعراق و الخارج ، لذلك و بعد ان جمع شتات الجيش العراقي و الحشد الشعبي و الحشد العشائري اعلن حيدر العبادي في (17/10/2016) بدء عمليات تحرير الموصل وسط تأييد دولي كبير ودور عسكري قيادي ميداني ايراني مهم ودعم امريكي عسكري واضح مع توفير كل الدعم اللوجستي المطلوب لادامة زخم المعركة واستمرارها ، وساهمت تقريبا كل دول التحالف الامريكي على توفير الدعم للقوات العراقية بمختلف الوسائل لمواجهة تنظيم الدولة في الموصل باعتبارها من اضخم المواقع التي استولى عليها داعش مع الاخذ بنظر الاعتبار الوضع في سوريا التي كانت من حصة الدعم الروسي بعد الايراني .
انطلقت العمليات العسكرية واستمرت شهورا طويلة وتطلب نقل و ترحيل ما يقارب 3 مليون شخص الى معسكرات النازحين وبعد 9 شهور ثقيلة و مكلفة تحمل خلالها الجيش العراقي والقوات الامنية الوزر الاكبر في المواجهة مع لا ئحة شهداء ثقيلة على العراقيين ما بين ابطال مقاتلين او مدنيين قضو نتيجة القصف المتبادل مع داعش والضربات الجوية الامريكية . بالنتيجة ، اوشك فجر النصر في الموصل على التكامل بعد سقوط اخر المواقع التي يتحصن بها داعش و مسك المحيط العراقي الغربي للحدود العراقية السورية مع الموصل وخصوصا منطقة تلعفر وكالعادة كان هناك الكثير من الخروقات الانضباطية و اللااخلاقية وسلوكيات اجرامية بعيدة عن المهنية وبدوافع طائفية في التعامل مع المدنيين من قبل الحشد الشعبي مثلما حصل خلال معارك سابقة في الانبار و صلاح الدين والفلوجة وجرف الصخر تجاه المدنيين .
ومع ذلك فان كل هذه الضلاميات لا تلغي فرحة العراقيين بالنصر في اعادة الارض الى السلطة والسيطرة العراقية الحكومية ، و اصبح واقع الحال يفرض التعامل بواقعية مع :
– عدد القتلى من العراقيين من سكان الارض الاصليين (هؤلاء لا يصنفون شهداء لأنهم مشكوكي الذمة واحتمال ان يكونو حواضن او منتمين ، اذن هم متهمين الى ان يتمكنو من اثبات العكس).
– عدد القتلى من العراقيين من الجيش العراقي وهم شهداء ابتليت اهاليهم بمصاب استشهادهم .
– عدد القتلى من الحشد الشعبي وهم ايضا شهداء وعلى نفس قوانين الجيش العراقي ، رغم الخروقات .
– عدد النازحين الذين يسكنون معسكرات النزوح في اطراف الموصل وهؤلاء لا يمكن حصر اعدادهم بدقة الا من خلال الاحصائيات الدولية المسجلة رسميا مع المنظمات الدولية . اما الجهات العراقية فهي في فوضى عارمة . وكل هؤلاء لا يسمح لهم بالعودة الى محافظاتهم الا بعد الخضوع الى تحقيقات امنية مشددة قد تستغرق اعوام طويلة خوفا من انتمائاتهم المبطنة مع داعش .
– عدد المهاجرين الفارين ممن امتلكو القدرة على مغادرة مدنهم الى مناطق بعيدة امنه في بقية المحافظات او خارج العراق ، وهؤلاء ايضا يصعب حصر اعدادهم بدقة .
– نسبة الدمار في الموصل التي تتراوح تقديراتها بين (90 الى 100)% وغياب كل انواع الخدمات الانسانية واصبحت المدينة غير صالحة للسكن بسبب الجثث و الامراض و الضلام والطرق وعدم توفر المياه الصالحة للشرب والاستخدام البشري . فالمدينة كانت ساحة حرب مفتوحة.
بعد كل ما ورد نضيف اليه نفس الكوارث في محافظات صلاح الدين و الانبار و بعض المدن الكبيرة كما في الفلوجة و الحويجة واجزاء كبيرة من ديالى و اطراف بغداد والتي حاول من بقي فيها من سكان من اصلاح ما تمكنو من اصلاحه بامكاناتهم الذاتية.. وبخلاصة بشرية نستطيع ان نقول ان ما يعادل ثلث سكان العراق يعيشون الان في كارثة انسانية وتحت خط الفقر داخل او خارج العراق. ونظيف ايضا الوضع الاقتصادي المتدهور في الحكومة العراقية الى تقدر مديونيتها الى البنك الدولى و عقود مؤجلة الدفع للدعم العسكري بما يعادل مبيعات العراق النفطية ل25 سنة قادمة وقد لا تكفي لسداد الديون مع تراكم الفوائد و استمرار تهريب الاموال والثروات نتيجة الفساد المنتشر بابشع صورة شهدها التاريخ العالمي . كما يمكن اضافة الكارثة الاعظم وهي غياب القرار العراقي الوطني نتيجة ارتباط السياسيين العراقيين المكلفين بادارة الحكومة ومحلس النواب بالاملائات الايرانية بالدرجة الاولى وبالمقابل غياب الولاءات العراقية الوطنية لبقية المكونات السياسية المشاركة في الحالة السياسية والممثلين في مجلس النواب سواء بالنظر اليهم طائفيا او عرقيا فالكل لا يعمل لصالح عراق موحد بل تكتلات و تقسيمات فئوية واضحة وبدعم اجنبي مفضوح على رأسهم ايران و السعودية وتركيا وبتأثيرات من دول التحالف .
في الحصيلة يجب علينا ان نقول ان الانتصار على داعش (على المستوى الشعبي الخالي من الارتباطات السياسية المشبوهة او الملوثة ، والنابع من دوافع الحس الوطني الحقيقي النابع من فطرة الشعب النقية و الاصيلة المعروفة بالغيرة والنخوة و الشجاعة ) قد حقق اهداف عظيمة اعادت للعراقيين ما افتقدوه بعد سقوط النظام السابق الذي هوت و سقطت معه الكثير من قيم ومفاهيم السيادة الوطنية وضاع معها معان الانتصار و الفخر للجندي و المواطن على حد سواء . لقد حقق الجيش العراقي كمؤسسة مهنية عريقة انتصارا كبيرا على عدو شرس تمثل فيه كل قوى الشر و الارهاب وتجاوزت جرائمه اعتى ما قامت به قوى الشر في التاريخ الحدبث . لقد اعاد الجيش العراقي ثقة الشعب له وانه هو الحامي والحارس الامين وهو السور الذي يحتضن ابناء الشعب ويحميهم ، الجيش العراقي اليوم اعاد البسمة وسط الالم و الحزن اعاد الاحساس بالامان وسط الفساد و الخراب والدمار الذي عاناه الشعب وبالذات اهالي المناطق المحررة من يد داعش ، او ما لاقوه من اعتداءات طائفية بعد التحرير من داعش .
بلا مبالغة او تزييف ، لقد عاد حب الشعب للجيش العراقي ، وعاد معه الاحساس بالامان وسيعود الامان الاكثر و الاكثر عندما تجد ان المواطن اخذ يلجأ الى سيطرة الجيش العراقي ليحتمي بها عند الاحساس بالخطر .
والان من حقنا ان نتسائل لمن ستطلق الزغاريد واغان النصر ، لمن ستعلق لافتات الشكر و العرفان ، لمن ستخلد الشواهد والبطولات الحقيقية للانتصار وسط مأساة الشعب و احزانه الكبيرة . نريد فقط التنبيه الى ان قاطفي ثمار الحرب و الانتصار يهزون ذيولهم بشدة ويتهيئون ليقتنصو الفرص لتعلو اصواتهم ليسرقو حب الشعب وليسرقو جهود ابطال الجيش العراقي الباسل العائد الى احضان الشعب .
من جهة اخرى ، من حقنا ان نتسائل هل سيوجه العراقيين (السياسيين منهم) رسائل بجرأة كافية ليتقدمو بالشكر والامتنان الى القوى الساندة عسكريا و لوجستيا في الميدان وعلى وجه الخصوص الاميركان و حلفائهم من المدربين و الاستشاريين الميدانيين ناهيك عن النظم المتطورة للقيادة والسيطرة والاتصالات و الصور الجوية واخيرا السماءالحارقة بصقور قوات التحالف الامريكية التي دكت حصون داعش و مواقعهم المترسنة . او اعلان الشكر والامتنان الى ايران وقواتها وعددها و معداتها العسكرية والاستشارية والقيادات الميدانية التي قدمت ما لم يقدمه اقرب الجيران العرب الى العراق .
نعم ستقام الاحتفالات وتعلو الهتافات بحياة الجيش العراقي و القوى الامنية و حرس الحدود وكذلك الحشد الشعبي . والحشد العشائري . ولكن هل يملك احد الجرأة ليتقدم بالشكر الى الجنود المجهولين الذين فقدو حياتهم من اجل هذه اللحظة الحاسمة بالفرح و النصر . هل يستطيع السياسيين ان بوفرو ابسط المستلزمات الحياتية للنازحين او ان يمسحو دموع الايتام الذين ستتراكم صفحاتهم وتتكرر كلمات يتيم في سجلات نفوس العراقيين وغياب المدارس التي يتمنى الاطفال العودة اليها .
هل يستطيع السياسيين توفير وتعويض ما فقد من الشعب نتيجة اهمال المؤسسات المسؤولةعن امن وحماية المواطنين . الجيش العراقي كان له الثقل الاكبر في مواجهة داعش والتعامل ميدانيا بحكمة و تروي عند معالجة اهداف داعش وقد قدم تضحيات كبيرة لتحقيق هذا الانجاز الكبير ، لكن هل سيصدر الجيش كلمة شكر و امتنان بشكل رسمي معلن الى القوات الامريكية ، عرفانا بالجهود التي بذلتها قوى التحالف في مساندة العراق في حربه على الارهاب .
قد لا يمتلك العراق النظرة الشمولية للتعامل بسيادة وحزم مع شركاء صنعو له مستقبل جديد واضعين في حسابهم ان هذا الوطن يمتلك من العراقة والقدم في التاريخ ما يؤهله لأعادة بناء ما دمرته الحرب وان الشعب يمتلك الحس الوطني وله القدرة على التخطيط العلمي للمستقبل القادم . قد لا يمتلك العراق هذه النظرة الا اننا نأمل ذلك.

أحدث المقالات

أحدث المقالات