18 ديسمبر، 2024 6:08 م

الموصل في مهب الرِيح …!!!

الموصل في مهب الرِيح …!!!

يذكر التاريخ أن مدينة الموصل خضعت للسيطرة العثمانية عام 1534 م في عهد السُلطان سليمان القانوني ، وإستمر الحال حتى الحرب العالمية الأولى ، حيث أعلنت الدولة العثمانية إنضمامها للحرب الكونية إلى جانب ألمانيا في 29 تشرين الأول 1914م ، لِيُصبِح العِراق مذاك الحين ساحة حَربٍ دولية لصراع الدول العظمى ، حيث نزلت القوات البريطانية ميناء البصرة في 11 تشرين الثاني 1914م ، لِيستَمِر تَقدُم القطعات البريطانية صوب ولاية بغداد “العاصمة” التي إحتلتها في 11 آذار 1917م بعد عدة معارك مع القوات العثمانية حيثُ دخلت القوات الغازِية باب المعظم في الرابعة مساءً ، واصل الإنكَليز تقدمهم شمالاً فإحتلوا كفري ووصلوا إلى مشارف كركوك في آب 1918م .

بتأريخ 30 تشرين الأول 1918م ومع إقتراب الحرب العالمية الأولى على نهاياتها وقّعت الإمبراطورية العثمانية ” معاهدة مودروس” مع البريطانيين دعت الهُدنة إلى وقف جميع أعمال القتال بين البريطانيين والعثمانيين ، وبعد مضي ثلاثة أيام فقط شَرَعَ الجنرال البريطاني السير وليام مارشال بغزو ولاية الموصل بتأريخ 2 تشرين الثاني 1918م ، حيث نجح في هزيمة القوات العثمانية وأجبرهم على الإستسلام بتأريخ 15 كانون الأول 1918م ، وفي ذات اليوم غادر القائد التركي ” علي إحسان باشا ” مدينة الموصل تاركاً وراءه وكيلاً لإدارة الشؤون المدنية الذي ما لبث أن غادر هذا الوكيل نهائياً المدينة ، وكان هذا آخر تواجد عثماني في الموصل التي تركوها إلى غير رجعة منذ ما يقاربُ مائة عام ، نُشير هنا إلى القرار السادس عشر من معاهدة “مودروس” والذي يُحتم إستسلام الجيش العثماني في دول المشرق واليمن والحجاز ، لكن المعاهدة لم تحدد الحدود الجنوبية للدولة العثمانية ، لذا فإنَّ حكومة الأستانة طالبت بالموصل كجزء من أراضيها ، أضف إلى ذلك أن الموصل لم يدخلها الجيش البريطاني إلى 15 تشرين الثاني 1918 م، أي بعد 16 يوم من المعاهدة وهذا يُعتَبَر خرقاً للقانون الدولي ، تعتبر هذه بداية مشكلة الموصل أو قضية الموصل كونها أزمة دبلوماسية نشبت بين المملكة العراقية وجمهورية تركيا بعد الحرب العالمية الأولى حول مصير ولاية الموصل التي تَضُم الألوية التالية (لواء الموصل ، لواء أربيل ، لواء كركوك ، والسليمانية أمّا دهوك فقد كانت قضاء صغير يتبع إلى لواء الموصل).
وبعد مضي قرابة عامين وتحديداً بتأريخ 10 آب 1920م تَمَّ التوقيع على “معاهدة سيفر” لإنهاء الحرب ، لكنَّ حكومة أنقرة فَسَرَت هذه المعاهدة بِكونها “مُذِلَة” لا يمكن القبول بها ، خاصةً وأنَّ العثمانيين إحتجّوا على بريطانيا بسببِ سيطرتهم على الموصل وأخذها بشكل غير قانوني بعد ” معاهدة مودروس” التي تنص على وقف العمليات القِتالية ، وهكذا لم تحصل اتفاقية “سيفر” على إعترافٍ دولي سوى من قبل اليونان .

طالب الملك فيصل الأول الحاكم الهاشمي الذي أصبح ملكاً على الدولة الناشئة حديثاً ” العراق” في عام 1921م بولاية الموصل ، وقد كان فيصل دبلوماسياً محنّكاً قادراً على تحقيق التوازن بين ما يريده البريطانيون وبين ما يتطلبه الموقف مِنْ توحيد العراق وذلك غيرُ ممكن بدون السيطرة على ولاية الموصل ؛ أحب البريطانيون الملك فيصل الأول وإحترموه بسبب مساعداته التي منحها لهم ، ورأى البريطانيون أيضاً أنهم بإمكانهم أن يثقوا به لتحقيق مصالحهم ، قدّم فيصل الأول عدة إلتماسات للحكومة البريطانية لإعطاءه ملكية الموصل ليتمكن من النجاح وتحقيق هَدَفِه في التوحيد .
بتأريخ 24 تموز 1923م وُقعت معاهدة لوزان للسلام في مدينة لوزان السويسرية بين تركيا من جهةٍ وبين بريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان واليونان ورومانيا والبرتغال وبلغاريا وبلجيكا ويوغسلافيا من جهةٍ أخرى ، وقد تم توقيعها من قبل حكومة أنقرة التي كانت منافسة لحكومة إسطنبول بقيادة الصدر الأعظم المسؤول أمام السلطان العثماني ، والذي عَزَّزَ موقف حكومة أنقرة هو إستمرار حرب التحرير في تركيا وتحقيقها لإنتصاراتٍ ملموسة الأمر الذي جعلها تحظى بالإعتراف الدولي الذي أهلها لتمثيل تركيا في مؤتمر توقيع معاهدة لوزان للسلام ؛ لابد من الإشارة إلى أنَّ تركيا ظلّت تحتج على بريطانيا كونها سيطرت على ولاية الموصل بشكل غير قانوني ، وفي مؤتمر لوزان قدمت تركيا سببين لضرورة ضم الموصل لتركيا :
السبب الأول :
بتأريخ 30 أكتوبر 1918 يوم توقيع هدنة مودروس كانت الموصل تحت سيطرة الجيش التركي/العثماني وضمن الحدود السياسية للدولة العثمانية .
السبب الثاني :
سكان سنجقي الموصل والسليمانية غالبيتهم من الأتراك .
وإزاء هذا الإعتراض ظل المسؤولون البريطانيون في لندن وبغداد يُصِرّونَ على أن مرجعية الموصل لازمة لبقاء العراق لما تَتَمَتَعُ بِهِ من موارد إقتصادية عظيمة ولما لها مِن تأثيرٍ على أمن حدودها الجبلية ، فضلاً عن أن بريطانيا قدمت إحصائيات تَتَعَارَضُ مع الإحصائيات التركية ؛ توترت العلاقات بين تركيا وبريطانيا لحدوث إضطرابات في منطقة حدود الإنتداب البريطاني على العراق (الذي أصبح مملكة العراق) مع تركيا ، ولذلك إتفق الطرفان على رفع القضية حسب معاهدة لوزان إلى عصبة الأمم إلا أن تركيا لم تكن راضية بهذا الترتيب كونها لم تكن عضواً في عصبة الأمم ، ولِما لبريطانيا مِنْ تأثير ونفوذ في العصبة .
ومن أجل التوصل إلى قرار بشأن النزاعات المتضاربة لأحقية الموصل ، أرسلت عصبة الأمم لجنة من أجل تحديد صاحب الحق ، أصدرت اللجنة قرارها بأن تركيا ليس لديها الحق بالمطالبة بالموصل وأنها تنتمي إلى البريطانيين ، وليس لأي أحد آخر في المنطقة الحق للمطالبة بها ؛ جاء هذا القرار بسبب النفوذ الكبير الذي كانت تتمتع به بريطانيا في عصبة الأمم ، وهناك جانب آخر من تأثير بريطانيا على عصبة الأمم بقرار وزير المجلس الحربي “موريس هانكي” أن بريطانيا تحتاج إلى السيطرة على المنطقة كلها بسبب مخاوفهم النفطية لصالح البحرية الملكية قبل قرار لجنة التحقيق لذا لم يكُ قرار اللجنة مستغرباً …
أوصت لجنة تحقيق مجلس عصبة الأمم بأن العراق ينبغي أن يحتفظ بالموصل ، فأُجبرت تركيا على قبول القرار على مضض بتوقيعها معاهدة أنقرة مع الحكومة العراقية في 1926م ؛ ونصت الإتفاقية على أن تتبع ولاية الموصل للعراق ويكون خط بروكسل هو الخط الفاصل الذي يتفق عليه العراق وتركيا ، كما نصت على أن يعطي العراق 10٪ من عائدات نفط الموصل لتركيا لمدة 25 سنة ؛ تمنح الاتفاقية تركيا حق التدخل العسكري في الموصل لحماية الأقلية التركمانية لدى تعرضها لأي إعتداء ، وبناءاً على ما تقدم تقول تركيا : أنَّ الإتفاقية ضمنت حق أنقرة في التدخل العسكري في الموصل ومناطق في شمال العراق من أجل ” حماية التركمان ” ؛ وقد وافق العراق على أن يعطي 10% من عوائد نفط الموصل لتركيا لمدة 25 عاماً حيث شاركت تركيا العراق في نفطه حتى عام 1954 م وتوقف الدفع تماماً بعد ثورة 1958م ومجيء عبد الكريم قاسم للحكم ، ووافقت الحكومة البريطانية على السماح لفيصل بالسيطرة السياسية على الموصل مقابل تنازلات عن موارد هامة للبريطانيين الذين أسّسوا شركة البترول التي أصبحت تعرف لاحقاً بــــ(شركة نفط العراق) وهكذا تم إلحاق ولاية الموصل رسمياً بالعراق .
عقب حرب الاستقلال إعتبرت الجمهورية التركية الحديثة الموصل واحدة من القضايا المحددة في الميثاق الوطني ، وقال ” مصطفى كمال أتاتورك ” في إجتماع مجلس الأمة عام 1920م :
“حدود أمتنا ، من الإسكندرون جنوباً ، وفي الجنوب الشرقي تضم الموصل ، السليمانية وكركوك ”
يقول البروفيسور التركي المتخصص في العلاقات الدولية مصطفى صدقي بيلجين :
” عندما تخلت تركيا عن الموصل للعراق كان الأمر مشروطاً بعدم تغيير حدودها أو وضعها آنذاك ، وهو ما تغير خلال العقود الماضية “.
وأشار البروفيسور أوميد أوزداغ أستاذ شؤون الشرق الأوسط إلى رغبة تركيا في إستعادة مدينة الموصل قائِلاً :
” انفصال الموصل عن العراق وخروجها عن سيطرة الحكومة العراقية ينعش آمال أنقرة في إسترداد حقها التاريخي في السيطرة على المدينة ”
هذا وقد أعدت وكالة الأناضول الرسمية تقريراً باللغة التركية نشرته معظم وسائل الإعلام التركية أوردت فيه أنَّ الأرشيف الرسمي في تركيا يحتفظ بأكثر من 77 ألف و63 وثيقة تسجيل أملاك أصلية ” طابو ” تعود لفترة الحكم العثماني في مدينتي الموصل وكركوك العراقيتين في 45 مجلداً ، كما قامت وسائل الإعلام التركية بالتركيز على إعادة نشر وترويج ” إتفاقية لوزان ” التأريخية التي تتيح للجيش التركي التدخل لحماية التركمان في مدينة الموصل ، في مشهد يوحي بتسويق الغطاء القانوني للتدخل العسكري المحتمل ؛ وتعتبر الموصل آخر المناطق التي تخلت عنها تركيا ؛ ومع قرب إنتهاء السقف الزمني لإتفاقية لوزان في حزيران 2023م نستعرض الجوانب الإيجابية لتركيا :
1 . سيكون لتركيا الحق بالتحكم في الممرات المائية وتحصيل الرسوم من السفن المارة فيها ، علماً أن عديد السفن التي تعبر مضيق البوسفور لوحده يتجاوز 70000 سفينة سنوياً .
2 . الحق في إستخراج الثروات الطبيعية من باطن الأرض والتنقيب عنها .
3 . من الآثار الإيجابية لإنتهاء معاهدة لوزان عام 2023م إرتفاع قيمة الليرة التركية .
4 . إنتعاش إقتصادي كبير وخاصة في سوق العقارات ، علماً أنَّ القيمة الحالية للحصول على الجنسية التُركية 250000$ مقابل الإستثمار العقاري ، وهناك بعض الأخبار تتحدث عن إحتمالية عودتها إلى 400000 $
ونشير هنا إلى العمليات العسكرية التركية في ليبيا وفي العراق وسوريا ، فعقب إنطلاق عملية ” درع الفرات ” في سوريا تم تداول صورة لخريطة جديدة لتركيا تَضُم مناطق من شمال سوريا وخاصة محافظة حلب إلى جانب مناطق شمال العراق ” الموصل وكركوك دهوك وأربيل وجبال قنديل” التي يتمركز فيها مسلحو حزب العمال الكردستاني .
نختم هنا بالإشارة إلى دخول القطعات العسكرية التركية إلى محافظة دهوك وإستهداف الطيران التركي لتجمعات حزب العمال الكردستاني التركي (بي كا كا) في قضائي مخمور وسنجار ، وإلى التوغل العسكري التُركي لمسافة 110كم منذ سنة 2014م في محافظة نينوى ليكون على مقربةٍ من ناحية بعشيقة القريبة من مركز مدينة الموصل ؛ فضلاً عن تأمين الجانب التركي تدريب وتمويل قوات حرس نينوى البالغ تعدادها 6000 (سِتة الآف مقاتل) جُل قياداتهم من قادة وآمري وضُبّاط الجيش العِراقي السابق الّذين يُشار لهم بالبنان بِسببِ تراكم الخِبرات ، ونرى أنَّ إقحام ضباط الجيش العراقي السابق في هذا المُعتَرَك لم يأتي عَن فَراغ بل نتيجة طبيعية بعد أن تَقطعت بهمُ الأسباب وأدارت الحكومات التي تعاقبت على حكم العِراق وتصدرت المشهد السياسي عقب سنة 2003م فَلم يك أمامهم مِنْ خَيار ….
السؤال أو التساؤل الآن : أي الخيارات سيكون الأرجح بالنسبة لمحافظة نينوى ؟
1 . هل ستبقى نينوى التأريخ والحضارة ، نينوى الآشوريين بمثابة الرأس من الجسد من خارطة العِراق وتبقى محافظةً عربية عراقية ؟
2 . أم أنها ستكون تبعاً لإقليم كردستان خاصةً وأن كُل ساسة نينوى أصبحوا تجاراً ولهم مصالحهم وإرتباطاتهم التي تدور في فلك الأحزاب الكردية ؟
3 . أم أنَّ نينوى ومحافظات شمال العِراق (دهوك ، أربيل ، كركوك ، سليمانية ) ستكون تِبعاً للدولة التركية بعد أن يتم إعادَتِها وضمها قسراً بالقوة العسكرية إلى تُركيا ، أو وفقاً وطِبقاً للقانون الدولي عَقِبَ إنتهاء السَقف الزمني لإتفاقيةِ لوزان ، أو وربما سيتم حَسم الأمر بالإستفتاء كما كان الأمر قبل 100 عام ؟