23 ديسمبر، 2024 4:49 م

لدارسة الأسباب قبل معالجةَ النتائج
نينوى يا غصة الشفاه الأليمة وجرح القدر الدامي وآهات السنين السقيمة .. بعد ما يربو على الأشهر الثلاثة من تأريخ انضواء نينوى (ولاية لدولة العراق والشام الإسلامية) غادرتها بعينين مغرورقتين بالدمع الرقراق المسفوح على الوجنات ويكأن المآقي تجود بجمرٍ يترك أخاديد على قسمات مُحيَاي الذي أتعبته السنون ليداعب ذاك الدمع الحارق لحيتي التي اكتست واتشحت بشيبٍ يضاهي بياض الثلج … مودعاُ قلبي كطائرٍ يتنقـَل هائماَ بين أرجاء نينوى الحدباء محلقاَ فوق دجلتها وغاباتها حدائقها وشلالاتها جامعاتها وكلياتها مقامات أنبيائها وأوليائها عُبَادها وزُهَادها أرجائها وأزقَتها محلاتها وعوجاتها هضابها وسهولها جبالها ووهادها فيافيها ووديانها وفي أذني صدى كلمات الأغاني الموصلية التراثية ( تحبون الله ولا تقولون سُعاد وكِن ماتت أوي أوي دلال …يا سماق ويا سماق أكلي دهيني وما تنذاق … ليلى جننتيني بسحرك سبيتيني ومن درد عينيك للموت وصلتيني ) هائماَ على غير هدى تسوقني الأقدارُ في أرض الله الواسعة ترافقني دعوات أمي التي أجهشتُ باكياَ بين ذراعيها وأحضانها محاولاَ إقناعها بالسفر معي إلا أنها أصرت أن تحيى في الموصل لتموت ويوارى جثمانها في ثرى نينوى فسألتها هل إلى لقاءٍ من سبيل ؟
أجابت إن لم يكن اللقاء في هذه الدنيا التي أصبح كل فردٍ من العائلة تحت نجمة إنطلاقاً من العراق وحتى أوربا فسنجتمع بين يديَ الله أعدل الحاكمين لنشكو إليه ظُلم مَنْ شَتت شملنا وفرق جمعنا كما فعل بكل أهل العراق ومزقهم شر مُمزق فامضي يا بني حيث يشاء الله مصحوباً بدمع العين والدعوات التي تخترق عنان السماء ونستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه وهكذا انطلقت مع عائلتي تسوقنا الأقدار سَوقاً .
ما من طرفةُ عينٍ تمرُ بي حتى يشدني الشوقُ إلى الموصل ويسرح بي الخيال لأستفيق على سيلٍ عارمٍ من التساؤلات ذات اليمين وذات الشمال ولكن السؤال الذي استفزني هو الإستفهام الأكثر طرحاً : هل صحيح أن أهل الموصل التحقوا بتنظيم (داعش) أو لنقل آلاف من شباب نينوى التحق بهم ؟
فأجيب بعد تنهيدةٍ حبيسة : ما هكذا تُورد الإبل وما هكذا يكون السؤال الذي يطول شرح إجابته فلكل مَنْ سأل أو دار في خلده هذا السؤال أقول وأكتب :
أن الموصل خاصة ونينوى عموماً عانت الأَمَرين لأكثر من عقد من الزمن حيث ترنحت ما بين أطماعٍ قومية توسعية أملاً في إقامة (دولة كردستان الكبرى) حتى ولو كانت على أشلاء وجماجم أهل نينوى وصيحات الثكالى وأنين الأيامى وبكاء اليتامى أطماع راح ضحيتها آلاف من شباب وشيوخ وعلماء نينوى بين قتيلٍ مضرج بدمائه وبين معتقلٍ ومغيب لا يُعرف له مصير منذ أكثر من عشر سنين عجاف ، وبين تهميش وإذلال وإقصاء من قبل حكومة المركز فضلاً عن عدم الثقة بالمواطن الموصلي حتى أضحى مجرداً من كل شيء عساه أن يسهم في تمكين أهل نينوى من الدفاع عن أنفسهم إزاء ما قد يعصف بالمدينة وأهلها بحيث أصبح العثور على إطلاقة لبندقية أو مسدس في أي بيت موصلي تجعل صاحبه ضحيةً لقانون مكافحة الإرهاب وتنطبق عليه المادة 4/1 من القانون المشار إليه ، وقد كتبنا في ما مضى مقال لنا بعنوان (أسرار استهداف نينوى) نأمل أن تتم مطالعته ، لذا كانت عيون أهل نينوى ترنو صوب المُنقِذ أياً كان خاصة بعد تعسف العسكر وامتهانهم لكرامة المواطن الموصلي الأمر الذي انقلب وبالاً على المدينة وأهلها وانعكس سلباً على حكومة المركز مما أثار الحنق والإمتعاض الشديدين …حتى كان يوم الخميس 5 حزيران 2014 الذي اُعلن فيه حضر التجوال وإغلاق المدينة فلا دخول إليها ولا خروج منها فضلاً عن إغلاق الأحياء بالكامل !!؟؟ ليفاجئ الجميع في يوم السبت 7 حزيران 2014 باستيلاء مقاتلي (الدولة الإسلامية أو داعش أو القاعدة أو المسلحين أو الإرهابيين أو التكفيريين أو المتطرفين أو المتشددين سمهم كما يحلو لك ولكن ضع في حسابك أنهم يبسطون سيطرتهم اليوم على مساحةٍ تزيد على مساحة بريطانيا و فرنسا) سيطروا على حي 17 تموز في الجانب الأيمن من الموصل والغريب في الأمر أن أحياء الجانب الأيمن بدأت تتهاوى تباعاً أما ردة فعل القوات العسكرية كانت بقصف حمم المدفعية والهاونات التي أمطرت بها أحياء الجانب الأيسر الذي يشهد هدوءاً تاماً راح ضحيته العديد من العوائل بنسائها وأطفالها كما تناقلت وسائل الإعلام تصوير أشلاء الضحايا ، لم يَدُم الأمر طويلاً حيث حُسِم الأمر في غضون أربعةِ أيام لتصبح نينوى في تمام الساعة الثالثة والنصف فجر يوم الثلاثاء 10 حزيران 2014 بيد (داعش) في أجواء سادها الذهول والكثير من علامات الاستفهام والحيرة والتساؤلات التي تبحث عن إجابات ، فكنت أنا وعائلتي من بين النازحين إلى أربيل إذ ليس من المنطقي أن ينتهي الأمر بهذا الشكل خاصة مع وجود ما يقارب 200 ألف منتسب في القوات الحكومية بين جيش وشرطة اتحادية وسوات وشرطة محلية يضاف إليها القطعات الملحقة بها والمُفرزة معها فكانت توقعاتنا أن يتم إعادة التنظيم والبدء بالهجوم المقابل وستكون الموصل حينها  فلوجة ثانية أو سوريا جديدة ؟؟؟
غادرنا الموصل في تمام الثالثة والنصف فجراً ولكننا لم نتمكن من دخول أربيل حتى الساعة التاسعة والنصف ليلاً أي بعد 18 ساعة رغم أن الطريق لا يتجاوز 70 كم فقط لكن كرم الشعب الكردي الذي هب من كل حدبٍ وصوب لإغاثة النازحين وتوفير الماء البارد والفاكهة والصمون والخُضار ولم ينسى أهلنا في كردستان حتى حفاظات الأطفال وتوزيع كل هذه الخيرات مجاناً للنازحين فكانت هبَـَةً تبقى دَيناً في أعناقنا ما حيينا ، كرمٌ حاتمي لن تجده إلا عند أهلنا في العراق الحبيب فلطالما تمنينا أن يتأسى ساسة العراق بشعب العراق المتجانس الرائع بكل قومياته وأديانه ومذاهبه وأعراقه …. فكانت بيوت أهلنا في أربيل خاصةً السادة البرزنجية الحسينية موطن لنا فلنعم الأهل ونعم العشير، لكن لما لنينوى من عشقٍ يسري في خافقي آثرت العودة وليكن بعدها ما يكون فأنا والموصل الحدباء كما قال الشاعر :
وجدتُ الحُبَ نيراناً تَلَظى ……………….قلوبُ العاشقين لها وقودُ
ولو أنها إذا احترقت تفانت …………….. ولكنها إذا احترقت تزيدُ
كعشقِ أهل النار كلما نضُجت جلودٌ ……. اُعيدت للشقاء لهم جلودُ
لتبدأ بعدها صفحات الصراع التي يدفع ثمنها أهل الموصل شاؤا أم أبو وهو الهاجس المروع لأهل نينوى مما يجعل الإنطباع السائد في الشارع الموصلي أن (الدولة الإسلامية) تُمثل ُحبل النجاة أو الملاذ الذي يدفع عنهم شبح الموت والهلاك خاصة إذا ما أدركنا أن كل أطراف الصراع تنظر إلى (داعش) أنها تُمثل المسلمين العرب السُنَة حصراً ، وسنستعرض صفحات الصراع وأطرافه كي تتضح الصورة جلياً بلا غبش .
1.الصراع الأول (ردة الفعل) .
إنَ نينوى وأهلها يعيشون تحت وطأة هاجسٍ مروع وكابوس يقُض المضاجع وهو رد فعل حكومة المركز وتحميلها لأهل نينوى وزر هزيمة الجيش واندحاره في معركة لم تستمر لأكثر من أربعة أيام أمام 200 مقاتل فقط من (داعش) رغم كثرت تعداد القطعات العسكرية ففي نينوى ثلاث فرق عسكرية وقيادة عمليات ومدرعات ودبابات وهمرات تضاهي تعداد أهل الموصل ووجود قائد القوات البرية الفريق الركن علي غيدان والفريق  الركن عبود كنبر والفريق الركن مهدي الغراوي قائد العمليات الذين ولوا مدبرين تاركين الجيش في حالةٍ من التيه والضياع رغم ترسانة الأسلحة المتطورة ، فقد لمسنا نحن أهل الموصل خاصة ونينوى عامة جانب من ردة الفعل من خلال قصف الطائرات الحربية والمسَيرة التي كانت بيوتنا وأهلينا ومستشفياتنا أهدافاً لصواريخها وحمم مناياها ناهيك عن البراميل المتفجرة التي نشاهدها كيف تتهاوى على الأحياء السكنية ولا نملك سوى رفع أكف الضراعة إلى الله : يا رب سلم يا رب سلم  ناهيك عن القصف الذي طال مشاريع ضخ مياه الشرب وبشكل متكرر ومغذيات الكهرباء التي إستُهدفت ليعم الظلام الدامس المدينة وقصف كل ما من شأنه أن يسهم بديمومة الحياة إذن هي حرب إبادة لأهل نينوى هكذا ينظر أهل نينوى إلى الأمر ولكم أن تتصور التفكير الذي يساورهم إذا استعاد الجيش السيطرة فإنه لن يُبقي ولا يذر، كما وصف الأمر أحد ختيارية الموصل الذي تجاوز التسعين من العمر فقال : (ستكون رجعة الجيش إلى الموصل مثل رجعة الهندر) والهندر هو عتلة تستخدم لتشغيل ماكينات (ماطورات) سقي الزرع فإذا أفلت المشغل الهندر فإما أن يقتله أو يكسر أطرافه على أقل تقدير ….
2.الصراع الثاني (الصراع الديني).
هذا الصراع يتضح كالشمس في رابعة النهار من خلال ما جرى للطائفة اليزيدية التي أصبح اسمها بعد 2003 الطائفة الأيزيدية فقد أخبرنا من خدم معنا في الخدمة العسكرية من اليزيديين أنهم قبائل عربية أموية قرشية يمتد نسبها إلى يزيد بن معاوية ولعل هذا ما يفسر أن أسم أمير الطائفة في العالم هو الشيخ أنور معاوية الذي تحدث عبر الفضائيات وحَمل حكومة كردستان مسؤولية ما حَل باليزيديين ووعد بتزويد قناة العربية بأفلام تثبت تورط البيشمركة في ما جرى لطائفته ، ولكن بعد احتلال العراق في العام 2003 أصبح أسم الطائفة (الأيزيدية) وأدعى البعض أن الأيزيدية جزء من الأكراد … ثقل هذه الطائفة في قضاء سنجار الذي أصبح حديثاً قضاء شنكال !!؟؟؟
لعل ما جرى وحَلَ باليزيديين أو الأيزيدية يعلمه القاصي والداني الأمر الذي جعل أبناء الطائفة ينظرون إلى كل المسلمين العرب من أهل نينوى هم الخصم والعدو ، وجدير بالذكر أن الموقف البطولي والدفاع المستميت للنائبة فيان دخيل التي حركت الرأي العام العالمي جعل أهل نينوى خصوصاً وأهل السنة عموماً يتمنوا لو أنهم استبدلوا كل وزرائهم ونوابهم ونائباتهم وسياسييهم من أولهم إلى آخرهم (شلع) بنائب أو نائبة تتحلى بالإخلاص لدينها وشعبها كما فعلت فيان دخيل لا كما فعل رامبو الموصل (أثيل النجيفي) الذي وجدته أمامي أول الهاربين على أسوار (الساتر الترابي) الذي أنشأته البيشمركة لتطويق وعزل قضاء الحمدانية (قره قوش) في تمام الرابعة فجراً حيث سمحت له قطعات البيشمركة بالدخول لوحده راجلاً تاركاً خلفه حماياته وعجلات الحرس المرافق له خلف الساتر ألا فتعساً وبئساً لمن يمثل نينوى وساسة السنة الذين أسلموا أهل نينوى وعموم أهل السُنَة إلى مصارعهم وتاجروا بدمائهم ومصيرهم بِعَرضٍ من الدنيا قليل وقد باؤا بعارها وشنارها ….
ثم تلا الأمر ما حلَ بالمسيحيين أو النصارى بعد أن هربوا من الموصل إثر رفض المطارنة والقساوسة شروط (داعش) بعد أن خيَروهم إحدى ثلاث أما الدخول في الإسلام أو دفع الجزية أو الحرب فآثروا الهروب من الموصل صوب قره قوش وتلكيف والشيخان  وتلسقف وبرطلة وعينكاوه مُحَملين تبعات ذلك وعواقبه على أهل الموصل ، ولكن هل تخلت الكنيسة وبابا الفاتيكان وفرنسا وباقي دول أوربا عنهم ؟ بالطبع لا فقد فتحت لهم أوربا أبواب اللجوء على مصراعيها وكان ثمار ذلك تشكيل التحالف العالمي لإستهداف داعش وواقع الأمر لإستهداف نينوى وأهلها وهكذا انتفض ضمير العالم واهتز وجدانه لما حاق بالطائفة اليزيدية والطائفة المسيحية أما سُنَة العراق المغلوبين على أمرهم  فلا بواكي لهم) .
3.الصراع الثالث (الصراع المذهبي)
إن المتابع لما يحدث وخاصة أهل العراق ينظر إلى ما جرى على أنه حرب أهليه (شيعية سُنية) شيعيةٌ متمثلة بالقوات الحكومية ومن إلتحق بها وسُنيةٌ باعتبار أن (داعش) تـُمثل سُنَة العراق والتنظيم المدافع عن مظلومية أهل السُنَة والجماعة وما حصل في تلعفر تجسيدٌ لما ذهبنا إليه علماً أننا كتبنا مقالاً بعنوان (تلعفر بذرة الطائفية وغرسها الأول) نأمل أن يتم الرجوع إليه لمن أراد أن يستزيد ، وما جرى في تلعفر جرحٌ غائر لن تمحوه السنين وما أظنه يندمل وهذا ما حذرنا منه فالويل الويل والثبور لنينوى وأهلها (الذين لا حول لهم ولا قوة ) بعد أن تقطعت بهم السُبل وأصبح حالهم كحال أهل غزَة البحر من ورائهم والخصم أمامهم وقد غُلِقـَت الأبواب وأوصدت بوجوههم وضاقت عليهم الأرض بما رحبت …..
4.الصراع الرابع (الصراع القومي)
نقول ونكتب لمن لا يعلم أن محافظة نينوى لوحدها تضم بين جنباتها 52 حقل نفطي 11 حقل نفطي منتج مصدر و17 حقل منتج وباقي الحقول مختلطة مكتشفة ويُسأل عن هذه المُسيمات أهل الاختصاص وأصحاب الشأن وجميع هذه الحقول تخضع لهيمنة إقليم كردستان بذريعة ( المناطق المتنازع عليها) وهذه المفردة الدخيلة التي أقحمت في الدستور العراقي (الذي كتبه الشاب اليهودي نوح فيلدمان) ما كنا لنسمع بها لولا الإحتلال البغيض إذن لم يبقى لنينوى من حقول النفط إلا ما ندر وأظن أن الحقل الوحيد الخاضع لنينوى هو حقل القيارة جنوب الموصل ، (فما من باكيةٍ أو نائحةٍ على الحسين بل البكاء على الهريسة) ، إحتواء نينوى على عدة معامل للإسمنت (معمل إسمنت سنجار الواقع غرب الموصل ، معمل اسمنت بادوش ، معمل إسمنت بادوش / التوسيع  وكلا المعملين شمال الموصل ، معمل إسمنت العريج في ناحية حمام العليل الواقع جنوب الموصل ) ومن ثروات نينوى حقل كبريت المشراق الذي يُعد الأضخم والأنقى قي الشرق الأوسط ويقع جنوب الموصل بالقرب من ناحية الشورة  ، في نينوى الشركة العامة للأدوية شمال الموصل علماً أن الشركة حاصلة على شهادة الآيزو العالمية وكالمعتاد تخضع شركة الأدوية لهيمنة إقليم كردستان ، في نينوى يدخل نهر دجلة الخير والذي أحكم الإقليم السيطرة عليه من منطقة دخوله منطقة فيشخابور العراقية شمال غرب العراق والتابعة لناحية زمار التي شهدت معارك طاحنة خلفت إثرها في كل بيتٍ نائحة ثكلى حيث لا مجال لإستعراض الأمر هنا ، ما يعنينا أن منابع ومسار ومقتربات دجلة أحكمت السيطرة عليها من قبل الإقليم  لمسافة تربو على 100 كم في بعض المناطق ثم ينحسر النفوذ حتى يتلاشى مع دخول دجلة إلى مدينة الموصل ليشطرها إلى نصفين .
تضم نينوى سد الموصل الذي يُعَد من أضخم السدود ويقع شمال الموصل وفيه مدينة سياحية كانت متنفس لأهل نينوى والسياح فيما مضى حتى خضع السد لسيطرة الإقليم منذ العام 2003 جدير بالذكر أن مدينة الموصل لا يصلها أمبير واحد من التيار الكهربائي المتولد من السد ليكون لسان حال الموصل كما يقول المثل والقياس مع الفارق (كالبعير يحمل الذهب ويأكل الشوك) ولكن مع استعادة (داعش) سد الموصل من قطعات البيشمركة تم تزويد أحياء المدينة بساعات تجهيز للتيار الوطني تتراوح ما بين 2 إلى 4 ساعات يومياً لكن الأمر لم يدم طويلاً حيث استعانت قطعات البيشمركة وإقليم كردستان بالقوة الجوية الأمريكية لتأمين غطاء جوي وبكلفة 7 ونصف مليون دولار يومياً أو للطلعة الواحدة التي تنفذ فيها ضربات على (داعش) .
مشروعي ري الجزيرة الممتد من شمال نينوى ويتجه غرباً بإتجاه ناحية زمار ثم ناحية ربيعة التي تغطي مساحات واسعة من الأراضي الخصبة التي بإمكانها تغطية احتياجات العراق من الخضار في موسم الصيف .             
ولكن الذي أثار حفيضة الرأي الموصلي أن إقليم كردستان قضم وأبتلع الموصل بذريعة محاربة الإرهاب وقتال (داعش) وحبذا لو تم الإطلاع على (خارطة كردستان الكبرى) والتي ما أرها إلاَ وستمتد إن كُتب لها ذلك على دماء وأرواح وأشلاء أهل نينوى ، لذا فأهل نينوى تنظر إلى الأمر بأنه حربٌ قومية عربيةٌ كُردية تجسدت في معارك ناحية  وانة القريبة من السد ومعارك زُمَار شمال الموصل وناحية ربيعة وقضاء سنجار غرب الموصل  ومعارك قضاء مخمور وناحية الكوير جنوب شرقي الموصل وما رافقها من تهجير للعرب الذين عاشوا مئات السنين متعايشين مع إخوانهم الكورد فضلاً عن هدم بيوت العرب وإحراق للعوائل وهم أحياء في بيوتهم وحلق لرؤوس النساء نمرة صفر كما حدث في قرى سد الموصل و هدم وتجريف وتفجير بيوت شيوخ العشائر العربية في زُمَار وبرزان واليوم رحى القتال تدور شمال شرق الموصل في نواحي وقرى الخازر كناحية حسن شامي التي شهدت خراباً وتدمير كبيرين إذن هي حربٌ قومية يخوضها الإقليم للإستيلاء على نينوى وخيراتها وتغيير ديموغرافيتها ، وفي موقف آخر أستقبل رئيس إقليم كُردستان الرئيس الفرنسي هولاند وكان في استقباله كوكبة من الكورد بملابس تمثل كل أطياف العراق وقومياته وأعراقه فكانت إلتفاته لطيفة فأن كانت للتسويق الإعلامي فلا قيمة لها وإن كانت نابعة عن إيمان بذلك فثمة إستفهام كبير إزاء هذين الموقفين المتناقضين ليبرز السؤال التالي : إن كنت لا تدري فتلك مصيبةٌ وإن كنت تدري فالمُصيبةُ أعظم ….
لسوء حظي حاولت السفر برفقة عائلتي من الموصل إلى كركوك ومعلوم أن الطريق يمر عبر الأراضي التابعة للإقليم أوقفني أحد منتسبي سيطرة الجبل في قضاء مخمور(التابع إدارياً  وبالإسم فقط إلى نينوى) وأنا متوجه إلى ناحية ديبكة لأواصل مشواري إلى كركوك  فطلب هويتي فأبرزت له الهوية الجامعية عساه إن قرأ الدرجة العلمية لا يعرقل سفرنا إلا أنه ابتدرني بالسؤال التالي : عرب !!!؟؟؟
أجبته : نعم عرب
ـ ارجع فإن ويل تاير سيارة العرب حرامٌ يمر على أرض كُردستان
ـ  فغرتُ فاهي مندهشاً من وطأة وهول ما أسمع فقلت يا بُني أريد الذهاب إلى كركوك ومنها إلى بغداد 
ـ ليبجيبني : شنو أنت ما تفتهم (ولا زالت هويتي بيده) !!!؟؟؟
ـ فقلت إن كنتُ أنا الحاصل على ثلاث شهادات جامعية من كليات عراقية وعربية وعالمية وحاصل على أعلى الدرجات العلمية لا يفتهم فماذا بقي فالموت وباطن الأرض خير لي من ظاهرها ، سحبت الهوية وعدت أدراجي صوب الموت حيث كانت طبول الحرب بدأت تُقرع …وما أن مشيت بثانية واحدة فإذا به يصرخ (بيس عرب) التي تعني قذرين العرب !!!؟؟؟ فإن كان حملة الرسالة وخير أمةٍ وصفها الله تُنعت بالدرن والأوساخ والقذارة فالحكم متروك لمن يقرأ كلماتي مع كُل المحبة والإحترام والتقدير للشعب الكردي المهم رجعت والمعركة تدور رحاها ولكن رحمة الله كانت أقرب فنجوت وعائلتي بإعجوبة أسأل الله أن لا يُري ذلك الموقف لأحدٍ من عباده وهذا غيضٌ من فيض وأستميح الجميع العذر في هذا الإسترستال ولكن خشيتي من قابل الأيام خاصة وأن العرب إقتتلوا 40 عام بسبب بعيرٍ أجرب كما حدثنا التأريخ عن (حرب البسوس) ثم حربُ الأوس والخرج التي إمتدت لقرون …. يُضاف الى ما ذكرت حربُ العرب مع التركمان كما هو الحال في تلعفر ، وحرب العرب من (الجرجرية) كما هو الأمر في قرى زمار (الحُكنة ، تلموس ، كرّفّر ، كّركافر….) وهذه القبيلة كما حدثنا أصدقاؤنا من الجرجرية أيام الدراسة الثانوية في زمار قبائل عربية قرشية من بني مخزوم والجد الجامع لهذه القبائل القائد العربي المخزومي القرشي أبو سليمان خالد بين الوليد ، والناس مأمونون على أنسابهم ولكن الغريب في الأمر بعد العام 2003 حيث الإحتلال الأمريكي للعراقي تم اعتبار الجرجرية من القبائل الكردية  فهل يا ترى تغيرت الأنساب أم تغبرت موازين القِوى أم نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيبٌ سوانا  !!! فضلاً عن حرب قومية أخرى هي حرب العرب مع الشبك كما هو الأمر في كوكجلي والخزنة وتيس خراب وبايبوخ ونوران و…. وهذه المناطق تمتد من شمال شرق نينوى بإتجاه الشمال …. كنت قد كتبت مقال قبل عام بعنوان (نينوى بين هواجس التقسيم والإنضواء كولاية لداعش ) أتمنى أن تتم مطالعته علما أن الأمر قد حدث كما كتبت .
5.الصراع الخامس (الصراع الإثني)
يتجلى هذا الصراع في صور عِدّة وأوجه متعددة منها ضمن القومية الواحدة وأخرى ضمن الطائفة و….مما لا يخفى أن محافظة نينوى ومدينة الموصل التوجه السائد حتى زمن قريب هو توجه صُوفّي نشط التيار السلفي في تسعينات القرن العشرين وهناك خلافٌ آيدلوجي بين كِلا الطرفين خاصةً فيما يتعلق بالأمور العقدية لذا فالتقاطعات موجودة والصراع قائم واستفحل الأمر بين تفجير مرقد النّبي يونس والنّبي شيت والنّبي جرجيس عليهم السلام سبقه تفجير مرقد الشيخ فتح الموصلي ومرقد قضيب البان وقبر البنت ومرقد شيخ الشط و….ثم الصراع بين الفصائل المُسلحة  السُنية وتنظيم الدولة الإسلامية وهو صراعٌ سُنّيٌ سُنّي ، ثم الصراع بين الشبك السُنّة والشبك الشيعة والصراع الدموي بين التركمان الشيعة والتركمان السُنة ….
6.الصراع السادس (الصراعُ من أجل البقاء)
نقول لمن لا يعلم أن الموصل تعيش بل تكافح لتعيش في شظفٍ وكفاف وتعاني من إنعدام لكل مقومات الحياة من الكهرباء أو التيار الوطني الذي يراه أهل نينوى في الأحلام وخيالات اليقظة وانعدام للسيولة المادية خاصةً إذا ما علمنا أن رواتب الموظفين لم تُصرف أو تُوزع منذ أربعةٍ أشهرٍ وهذا الشهر الخامس في ظل انعدام لفرص العمل وهجرة أصحاب رؤوس الأموال والتجار وأصحاب المعامل والشركات والمصانع وعزوف أصحاب الأسواق والمحلات عن البيع بالآجل (الدَين) وعزوف الصاغة عن شراء الذهب ، مع ارتفاع كارثي للأسعار فقنينة الغاز يتراوح سعرها بين 30 الى 40 ألف دينار ولتر البنزين الواحد 1750 دينار في ظل انعدام للتيار الكهربائي وانقطاع الماء بسبب القصف الجوي المتكرر لمحطات الإسالة ، والحصار المُطبق الخانق على الموصل  ونينوى وأهلها وهذا ما يُذكرنا بحصار المسلمين الأوائل في شِعب أبي طالب .
والآن أهلُ نينوى هم مَنّ يسأل المنصفون : مَنْ لنينوى الحدباء والموصل الغّراء إلاّ الله ، فأيُ أرضٍ تقلّهم وأي سماءٍ تظلهم في خِضّم هذا المعترك الذي يعصفُ بهم ؟
نتركُ الإجابة لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد .
مما يحزّ في نفسي بعد كل هذه الأهوال والصبر والمصابرة يأتي بعض الأشخاص كأن على رؤوسهم الطير والشر يتطاير من أعينهم ليسألوا عَنّي فانبرى لهم الجيران متذرعين بأن من تسألون عنه قد سافر مصطحباً عائلته وغادر الموصل الحدباء ،    فما كان منهم إلا أن قذفوا حمم غضبهم بإطلاق التهديد والوعيد مختتمين مقولتهم للجيران : أبلغوه أن الموصل قد حَرُمت عليه …!!!؟؟؟
فأقول : إن لم أعُد اسكن الموصل الحدباء فإن نينوى وحدبائها تسكن في قلبي وتسري في دمي ، وأن لم أعد اسكن العراق فالعراق يسكن في خافقي وحدقات عيوني وسأبقى وفياً لأهلي ومدينتي وبلدي وقضيتي وهويتي شاء من شاء وأبى من أبى .
اللهم احفظ نينوى وأهلها
اللهم احفظ العراق وأهله