7 أبريل، 2024 1:19 ص
Search
Close this search box.

الموصل بين اليوم وغد

Facebook
Twitter
LinkedIn

الحديث الذي نسمعه ونقرأه ليل نهار حول العراق ومستقبله ، نسمعه عبر الفضائيات ، ونقرأه على المدونات ، كله ينهال علينا من غير رحمة ، لتقول لنا تلك الاحاديث ان غد العراق غير يومه. وتقول ما نحن عليه اليوم لن يكون مشابها لما سنكون عليه يوم غد. والاكثر من ذلك كله ، انها تقول ان شكل العراق يوم غد سيكون مغايرا لشكله اليوم. وربما ما يلفت الانتباه والنظر ، ان هذه المقاربات ، المظللة والصحيحة ، اصبحت الان مقرونة بما يدور وينتظر الموصل ، في ظل داعش الارهابي ، وكذلك ما بعد داعش. المتحدثون والكتاب جميعا لا يعطونا المزيد من التفاصيل عن هذه السيناريوهات ، بل يقفون عند العناوين من غير تفاصيل. وعلى الارجح ان الجميع ، من المتحدثين وكذلك الكتاب ، هم انفسهم يجهلون شكل الغد بعد داعش ، وكيف ستصير الامور ، ولكن يتسترون على الجهل الذي هم فيه بهذه العناوين.
شبح تقسيم او تفتيت العراق هو سيد الموقف الان والمسيطر على الاذهان ، لاسيما وان معاهدة سايكس بيكو لسنة 1916 ، التي قسمت التركة العثمانية من الارض العربية بين بريطانيا وفرنسا قد مضى عليها مائة عام ، وان المستجدات التي طرأت على المنطقة ، وحتى على العالم ، جديرة لان ترسم خارطة جديدة لدول هذه المنطقة ، واولها الدول العربية. وكما كان العرب لا رأي لهم في التقسيم الاول ، فهم كذلك اليوم لا رأي لهم. ومرة اخرى نجد انفسنا امام المجهول. اذ لا تعطينا المصادر تفاصيل وافية عن شكل هذا التقسيم وابعاده ، وقد تكون هذه المصادر هي نفسها تجهل ما سيؤل عليه الحال في النهاية ، وتتستر على هذا الجهل مرة اخرى بأبراز العناوين عسى ان تعفي نفسها من الخوض بالتفاصيل.
في المرة الاولى تم التقاسم للاراضي العربية بين فرنسا وبريطانيا حسب وجودهما على ارض الواقع ، فمن ينافس الولايات المتحدة اليوم على ارض الواقع لكي يفرض وجوده ويطالب بحصته وفق الصورة المزعومة الجديدة؟ شاركت دول كثيرة في حرب الخليج الاولى تحت مظلة الولايات المتحدة ، ومنها دول مؤثرة عسكريا واقتصاديا ، ولكن حرمتها الولايات المتحدة من الفوز بعقود تجارية ذات شأن كانت قد وقعتها بالاحرف الاولى مع الكويت. فلا احد يعطي مالم يجبر على ان يعطي او يتنازل ، فمن ذا الذي يستطيع ان يجبر او يقنع الولايات المتحدة لان تفعل ذلك؟ ان نظام او انظمة الفدرالية المبهمة التي تقترحها الولايات المتحدة لا تعني التقسيم ، وكما يتصوره البعض ، بل هو نظام مبتكر محرف عن صورته الحقيقية ، يساعد الولايات المتحدة في السيطرة على مجريات الامور ، ومن ذلك فأن الفدراليات المقترحة ليس بداية لما يفهمه البعض لان يذهب كل طرف لغايته المنشودة. وان كان هذا او ذاك يعتقد بأن اغماض عيني الولايات المتحدة عن التمادي الكردي وكذلك الايراني في المجريات العراقية ، وبهذا الشكل الواسع ، يعتقد بأنه خطوة متقدمة بأتجاه التقسيم او التفتيت ، فأن ذلك البعض واهم ، اذ ليس ببال الولايات المتحدة ، منذ احتلال العراق وحتى الان ، غير تثبيت العملية السياسية التي ترعاها بشكلها الحالي ، فهي تعلم وتدرك انه لا يمكن تثبيتها من غير الدعم الكردي وكذلك الايراني ، وأنها (العملية السياسية) من غيرهما ستنهار في يوم واحد لا اكثر.
ولتوضيح هذا الشرح اكثر ان الولايات المتحدة قد اطلعت على الخارطة الجغرافية العراقية من قبل الان ، ورسمتها ضمن قرار مجلس الامن التابع للامم المتحدة لسنة 1991 ، الذي فرض حظر الطيران فوق المنطقة الشمالية من العراق ، وحصر الحظر بالمحافظات الكردية الثلاثة ، ولم يجعل محافظة التأميم من منطقة الحظر ، ولم يجعل كذلك المناطق التي يطلق عليها الان المناطق المتنازع عليها ضمن المناطق الخاضعة لحظر الطيران ، وهي بذلك تكون قد ثبتت الحدود الجغرافية للمحافظات الكردية الثلاث ، وكذلك حددت الحدود الجغرافية للمحافظات العراقية الاخرى المتاخمة للمحافظات الكردية. انها (الولايات المتحدة) غير مجبرة على شرح مخططاتها الانية والمستقبلية ، لما يتعلق بالعراق وغيره ، وعلى الاخرين ان يدركوها بأنفسهم ، لانه ليس هناك في الافق غيرها. وبعبارة اخرى ان ما يردده الاكراد عندما يقولون ان صورة العراق ما بعد داعش هي غير الصورة السائدة ما قبل ذلك ، وانه لا عودة للصورة القديمة ، يعني ضم الاراضي التي يزعمون انها اراضي متنازع عليها الى المحافظات الثلاثة ، او كما يسمونه كردستان العراق ، فالاكراد تارة يدعون الى تفاهمات وتارة اخرى يدعون الى التقسيم. ولا فرق بينهما ، وبذلك يبقى مشروع كردستان الذي ينشدوه عائم بين الحلم والحقيقة.
ولمزيد من الايضاح ، انه مع اقتراب معركة الموصل الفاصلة ، نجد ان الاكراد يرددون ليل نهار ، وفي السر والجهر ، ان لا مشاركة للقوات العسكرية الكردية في الحرب المرتقبة لتحرير الموصل من قبضة داعش ، قبل الاتفاق مع الحكومة المركزية في بغداد ، وربما مع غيرها ايضا ، على تفاهمات لابد من وضعها نصب العين.
بينما تقول القيادة العامة للقوات العسلحة العراقية دون ان تتفوه ، وخير ما تفعل ، وكذلك تقول قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ، ان كل المشاركات مرحب بها ، بل وقد تكون مطلوبة ، ولكن تكون مشاركتها تحت قيادتها المباشرة ، اي بدون تفاهمات او شروط مسبقة ، وتقول ايضا ان لا ادوار ترسمها تلك المشاركات لنفسها في المعركة ، بل كل الخطط والادوار ترسمها القيادة العامة للقوات المسلحة بالاشتراك مع قوات التحالف الدولي.
وقد يسال من يسال اين موقف ودور الولايات المتحدة من كل ما يجري؟ والجواب ان الولايات المتحدة منغمسة بما ألت اليه الاوضاع في العراق وخاصة في الموصل ، ومن مدة ليست بالقصيرة ، فهي تضع الخطط العسكرية للسيطرة على الموصل وتهيأ الاستعدادات العسكرية واللوجستية المطلوبة. وبدون شك انها ترى لا خيار امامها غير تحقيق النصر الحاسم في المعركة المرتقبة. سواء شاركت هذه القوة العسكرية او امتنعت تلك ، ومما يزيد من ضرورة تحقيق خيار النصر المرسوم في الذهنية الامريكية في الوقت الراهن ، انفلات الطموح الروسي عن العقال الذي كان يحبسه منذ انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي سنة 1990 وحتى قبل فترة وجيزة ، لاسيما وان ابعاد الطموح الروسي الجديد بأتجاه انشاء تحالفات عسكرية ستراتيجية اقليمية جديدة في منطقة الشرق الاوسط واضحة تماما وتتقاطع مراميها كليا مع المصالح الامريكية. ان روسيا ، وكلما تقدم الوقت ، تدفع بالمشهد العسكري وبقوة نحو استرجاع عصر الحرب الباردة.
من يصون الاراضي العراقية ويصون مقدسات الشعب العراقي هو الجيش العراقي الباسل ، ولكن المؤسف ان مقدرات الجيش العراقي مازالت متواضعة وينقصها الكثير ، ومازال الجيش العراقي محكوم بضوابط غير منطقية توجهه نحو الانكفاء وليس الانفتاح ، ومع ذلك ، ورغم الصورة القاتمة التي تخيم فوق سماء العراق من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه ، ورغم المساعي غير الخفية التي تبذل سرا وعلانية للتقليل من شأن الجيش العراقي ، وتأسيس تكوينات عسكرية موازية له ، الا انه ورغم ذلك قد حقق ويحقق انتصارات مهمة تقربه من السير في الاتجاه الصحيح. نعم ان الاستعدادات الحربية المحلية الخاصة بنينوى دون المستوى المطلوب وربما الاضعف من حيث القدرات حين مقارنتها بالاستعدادات العسكرية الاخرى التي تهم بالمشاركة ، ولكنها هي الاوعى والانقى في المعادلة الحربية. انها الاوعى لانها منظوية تماما تحت امرة القيادة العامة للقوات المسلحة ، وانها من العراق وللعراق. وانها الانقى لانها تنشد مصلحة نينوى ككل دون تمييز على وفق اي شكل من الاشكال.
كل الشعوب ، ماضيا وحاضرا ، تتوحد مهما كانت الخلافات الناشئة بينها ، تتوحد بوجه الاخطار الخارجية التي تداهمها. بل حتى تتوحد بوجه الكوارث التي قد تصيبها. فقد توحد الشعب الروسي بوجه الغزو النازي لروسيا ابان الحرب العالمية الثانية ، وتصرفت قيادة الحزب الشيوعي الروسي بوصفها قيادة للشعب الروسي وليس بوصفها قيادة للحزب الشيوعي. وتوحد الشعب التركي مؤخرا وكذلك الاحزاب التركية كلها ، الموالية والمعارضة ، لتشجب وتستنكر محاولة الانقلاب العسكري. ولتقف خلف القيادة التركية القائمة ، ومن الأولى بنا ، مهما تأخر الوقت ، ان نتوحد كشعب ، وكتنظيات سياسية وطنية ، نتوحد بوجه تنظيم داعش الارهابي ، ونتوحد بوجه كل المخاطر الاخرى التي تحوط بنا ، وان تتصرف القيادة العراقية الحالية بوصفها قيادة وطنية لكل العراقيين وليس بوصفها قيادة تمثل فئة او تنظيم سياسي معين دون الفئات والتنظيمات السياسية الاخرى. ان رحلة الالف ميل نحو بر الامن والسلام التي نتمناها وننشدها قد بدأت من قبل الان ولم يبق امامنا غير مواصلة هذه الرحلة,

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب