ما أن أعلنت السلطات العراقية عن قرب بدء معركة استعادة مدينة الموصل من قبضة تنظيم داعش الإرهابي، حتى بدأت أزمة دبلوماسية مع تركيا، على اثر تصريحات رئيسها رجب طيب اردوغان الذي أكد على وجوب مشاركة قوات بلاده في المعركة، فضلاً عن إعلان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي مشاركة مليشيا الحشد الشعبي في المعركة.
هذا التوتر بين البلدين أبرز مواقف محلية واقليمية ودولية، إذ حذرت السعودية من مشاركة مليشيا الحشد في معركة الموصل لما قد تسببه من كوارث، لإرتباط هذه الميليشيات بإيران وارتكابها جرائم بحق الأبرياء . وبينما اكتفت واشنطن بطلب التهدئة من قبل الطرفين، هدد قادة مليشيا الحشد الشعبي أنقرة، وتوعدوا بمهاجمة المصالح التركية والأتراك العاملين بالعراق . هذه التهديدات ترافقت مع حملة تصعيدية أطلقها عدد من السياسيين العراقيين في الأحزاب الحاكمة ضد تركيا، معتبرين أن قواتها في بعشيقة بمثابة قوات احتلال.ومع أن هذه المخاوف من مشاركة مليشيا الحشد تبدو واقعية، خشية تكرار الإنتهاكات التي ارتكبتها بحق المدنيين في الفلوجة وبيجي ومناطق أخرى، لكن ثمة قراءة اخرى تكمن خلف هذا التوتر .فتركيا تدرك أن مع بدء معارك تحرير الموصل، سيتعرض المدنيون للقصف، كما أنها تتوقع أن يتسبب ذلك بنزوح مليون عراقي صوب أراضيها، التي تتحمل أعباء أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوري ، فضلا عن مئات الآلاف من العراقيين، هذا على الصعيد الإنساني، أما على الصعيد الأمني والإستراتيجي، فأن أنقرة تعتبر بعشيقة بمثابة ضمان لأمنها القومي ضد أيّ هجمات إرهابية محتملة، كما أنها تعتقد أن مجئ مليشيات الحشد الى الموصل سيتسبب بكارثة بعد هزيمة داعش، وأنها لا تفرق بين الفصائل الإرهابية سواء أكانت داعش، أو حزب العمال الكردستاني “بي كا كا”، أو ذراعه في سوريا حزب الاتحاد الديمقراطي “بي واي دي”، أو الحشد الشعبي ، لذلك تهدف انقرة من اصرارها على المشاركة في معركة الموصل الى منع ارتكاب انتهاكات، وتأمين حدودها من التنظيمات الإرهابية بكل أشكالها.
وهذا ليس بمعزل عن المشروع الإستراتيجي الإيراني ، الذي يهدف الى إتمام الممر البري الذي يخترق العراق من الجهتين الغريبة والشمالية، وصولا الى سوريا ومن ثم البحر المتوسط من خلال ميناء اللاذقية، ومن شأن هذا الممر البري أن يوطد أقدام ايران بالمنطقة، وأن يعطيها مساحة أوسع للتواجد في أراضٍ عربية جديدة غير المتواجدة فيها أصلاً .
وبحسب تقارير غربية فأن الممر البري هذا، عملت عليه طهران طيلة اثني عشر عاما، تحت سمع وبصر الأصدقاء والأعداء، ويبدو أن تركيا استشعرت خطورة هذا المشروع قبل أسابيع، بعد أن لمست أن هناك علاقة بين إيران والأكراد ومليشيا الحشد الذين يعتمد عليهم في تنفيذ جزء كبير من الممر وتأمينه، كونه يمثل تهديداً لأمنها القومي، لذلك تحركت بشمال شرق سوريا مؤخراً عبر عملية “درع الفرات”، وتريد أن يكون لها دور مماثل في الموصل .