22 ديسمبر، 2024 7:29 م

الموصل بين الاحتلال والتحرير

الموصل بين الاحتلال والتحرير

في هذه الأَيَّام تَحِلُّ علينا ذكرى سُقوط المَوّْصِلّْ . ذكرى سوداء في تاريخ العراق السياسي الحديث. لقد سمع الشعب العراقي، نبأَ سقوط المَوّْصِل من وسائل الاعلام، قبل إِعلان الحكومة عن ذلك. فكان هذا الخبر بمثابة صدّمة كبيّْرة لكل العراقيين الغَيارى. و مَضت شهور حتى اجتمع مجلس النُّواب العراقي، و وافق على تسمية لجنة التَّحقيق باحداث المَوّْصِل، بتاريخ 8 كانون الثاني 2015. لكنّْ لحدِّ لحظة كتابة هذه السُطور، لمّْ يَعرف الشَّعب العراقي، الجهات المتورِّطة في تسليم مدينة المَوّْصِل الى عصابات داعش. و إِذا كان هذا الموقف المتلكئ، من الحكومة و مجلس النُّواب، بسبب المساومات السياسيَّة المعروفة للجميع، فما هو موقف أَبناء محافظة المَوّْصِل، من احتلال داعش لمدينتهم؟.

إِنَّ التاريخ يُحدثنا عن كفاح المجتمعات و الشُّعوب، و ردود أَفعالها عندما تَّتعرض لاحتلال خارجي. حيث يَبدأ أَبناء الأَرض المحتلّة، بشنِّ حرب المقاومة المسلحة، لقتال المحتلين. فالشعب الجزائري قدم مليون شهيد، في حرب التحرير الجزائرية، التي بدأت بعد الاحتلال الفرنسي للجزائر عام 1832م، و انتهت بتحرير الجزائر من الاحتلال الفرنسي في آذار 1962م، و تكاد لا تغيب عن أَذهاننا (نحن الذين عشنا حقبة الستيّنيات من القرن الماضي)، صورة المناضلة الجزائرية (جميلة بوحيرد).

إِنَّ جميع صُور الكفاح و النِّضال ضدَّ الاحتلال، التي نجدها في صفحات تاريخ الشُّعوب، لا نجد من بيّنها حتى صورة باهتة او مصغّرة، لنضال المجتمع المَوّْصِليّ، ضدَّ عصابات داعش الاجراميَّة. و من الأَحرى و الأَجدر، أَنّْ تكون مقاومة داعش من قبل المَوّْصِلييّْن، في أَعلى مستوياتها، مقارنةً بحركات التحرر و المقاومة الشعبيَّة، التي تجري في العالم. لأَنَّ داعش عصابات اجراميَّة متخلّفة، لاهدف لها غير قتل الأَبرياء، و

اغتصاب النِّساء و سبيهنّْ، و التمثيل بالأَطفال، و تدمير المعالم الحضاريَّة. فأَعمال داعش صورة بشعة، لأَعمال اجراميَّة موغلة في التَّوحش. حتى أَنَّها تختلف في بشاعتها، و اجرامها، عن صورة أَيّ احتلال عسكري لمناطق مدنيَّة، حصلت في الحرّْب العالميَّة الثَّانية، التي تعتبر أَبشع حرب في تاريخ البشريَّة.

فهلّْ سكوت أَهالي المَوّْصِل عن جرائم داعش، يَعني رضاهم بهذه الاعمال الداعشيَّة؟.

و هلّْ ما تقوم به داعش من جرائم قتل، و اغتصاب و تدمير للصروح الحضاريّة، و غيّرها من الجرائم المقزّزة، جاءت ملبيَّة لطموحات المَوّْصِلييّْن، حيث يُعلَّل (السكوت من الرِّضا)؟.

و الأَمر المحيّْر، لَمّْ نسمع اطلاقاً، بأَنَّ مجموعة مَّا من المَوّْصِلييّن (باستثناء مجموعة ريّان الآشوري)، قاومت عصابات داعش. و إِذا طُرح التَّبرير، بأنَّ المَوّْصِلييّْن لا يملكون المال و السلاح، لمقاتلة داعش. فالجواب على التبرير الأوَّل؛ المتعلّق بالمال:

فانَّ الحكومة المركزيَّة، لمّْ تقطع رواتب الموظّفين، المستأْنسين في ظلّ الدَّواعش. و الحكومة المركزية تعلم علم اليقين، بأَنَّ داعش تستقطع لنفسها نسبة 30% من رواتب موظفي المَوّْصِل . و أَقولها بمرارة: إِنَّ الحكومة المركزية، تساهم بشكل مباشر و منذ سَنة من الآن، بتمويل داعش بصورة رسميَّة، و بطريقة مباشرة أَيضاً.

و أَما الجواب على التبرير الثاني؛ المتعلّق بالسلاح:

فإِنَّ المَوّْصِلييّْن أَكثر من غيرهم من العراقييّْن، اقتناءً للسلاح. فأَكبر سوقيّن لبيّع الأَسلحة في العراق، هما المَوّْصِل و الأَنبار، بسبب موقعهما الجغرافي المتاخم لدول أُخرى. إِضافة للطَّبيعة العشائريّة، التي تَعتَبر السلاح جزءً من مقوّمات الرِّجولة، كما أَنَّ حيازة الاسلحة، حسب الأَعراف العشائريّة، يُعبّر عن المنَعَة و القوّة للعشيرة، في الدفاع عن ممتلكاتها و مصالحها.

وهناك أَمر ثالث يختصُّ به المَوّْصِليّْون، و ابناء المناطق الغربيَّة من العراق، و مناطق شمال بغداد، أَكثر من غيرهم من العراقيين هو:

أَنَّ أَبناء هذه المناطق، كانوا على طول خطّهم التَّاريخي، من المناصرين للأَنظمة التي حكمت العراق، منّْذ عهد الاحتلال العثماني للعراق عام 1543م، حتى سقوط نظام صدام عام 2003، فالسلطة هي المرجعيَّة التي تجمع كلمتهم. لقد ذكر الاستاذ الباحث (حنا بطاطو) في الجزء الأول من كتابه (العراق)(ص/40)ما يلي:

(كيف يمكن للمرء أنّْ يعلل هذه الاستمرارية الشيعيّة، و خصوصاً في مواجهة قرون طويلة من السيطرة السُنيَّة الظاهرة، التي تمثلت في سيطرة الأَتراك العثمانيين (1534- 1622)(1638- 1917)، و اقطاعييهم التابعين، المماليك و الموالي (1749- 1831)؟.(انتهى).

كما قدَّم الاستاذ (حنا بطاطو) في نفس المصدر(ص/69)، جدولاً قارن فيه بيّْن عدد المناصب الوزاريَّة، التي أُنيّْطت بالسُنَّة، و بيّْن نفس المناصب التي أُسندت للشّيْعة، للفترة المحصورة بيّْن الأَعوام (1921- 1958). فمجموع هذه المناصب الوزارَّية، بلغ (575) منصباً. شغل منها السنة (416) وزيراً، بيّنما شغل الشّيْعة في الفترة نفسها (159) منصباً وزاريّاً.

هذه الحَظْوَة في المناصب المهمَّة، التي كانت من حصَّة سُنَّة العراق، جعلتهم يتصدرون الأَولوية العدديَّة، في الانتساب لقوَّات الجيّْش و الشرطة و الأَمن و الاستخبارات، و المخابرات، و الوظائف المدنيَّة في الحكومات العراقيَّة المتعاقبة، للفترة المذكورة أَعلاه. هذه الميزة جعلتهم يعشقون اقتناء السلاح، بدافع غريزي او نفسي. فكلُّ شخص منهم يحرص على اقتناء قطعة سلاح، حتى يَشعر بالأَمن، و السيطرة على العدو المخالف لسلطة النظام الحاكم. و كلّ شخص منهم مستعدٌّ أَتمَّ الاستعداد، للدفاع عن سلطة النِّظام إذا ما تعرضَ وجودها للخطر.

و خير مثال أَسوقه لاثبات ذلك، عندما حصلت الانتفاضة الشعبانيّة في آذار من عام 1991م، خرج أَبناء هذه المناطق، بحملة عسكريَّة من عدّة محاور، بقيادة المقبورين (عزّت الدّوري، و علي حسن المجيد) و غيرهم من القيادات البعثيَّة، لقمع (صفحة الغدر و الخيانة)، التي أَطلقها نظام صدّام المقبور، للقضاء على ثوَّار الانتفاضة

الشعبانيَّة. و بعد القضاء على (الغوغائييّن)، أَطلق صدّام المقبور، مصطلح المحافظات البيّضاء، و التي تضمّ كل من المحافظات؛ صلاح الدين و الأَنبار و المَوّْصِل .

فيا تُرى؛ هلّْ يُفضِّل المَوّْصِليّْون البقاء على ماهمّ عليه؟. على اعتبار أَنَّ نظام الحكم الحالي، غالبيَّته من الشِّيْعة، لذا سقطَ عنهم واجب الدِّفاع عن مرجعيّة السلطة؟.

أَمّْ أَنَّهم ينتظرون قدوم (الغوغائييّن) إِليهم، ليحرّورهم من داعش. لأَنَّ دماء المَوّْصِلييّْن غالية، و دماء (الغوغائييّن) لا ثمن لها؟.

وإِذا أَضفنا الى ذلك، فشل مشروع (الحشّد الوطني)، الذي كان يُعِدُّ له (النُّجيّفيّان)، حيّث تبيّن أَنَّه مشروع، أَعدَّه تحالف محور السعوديّة- تركيا. فما الذي بقى أَمامَ المَوّْصِلييّْن، ليراهنوا عليه في تحرير مدينتهم؟.