في مقالته الاخيرة في صحيفة الواشنطن بوست ،أرسل الجنرال المتقاعد ديفيد بترايوس بعض الوصايا الهامة، الى حكومة العبادي ورموز العملية السياسية في العراق،لما بعد معركة تحرير الموصل،التي أوشكت على الانطلاق ، بقيادة امريكية وجهود ودعم دولي واضح،وبترايوس كان قائدا للفرقة المجوقلة التي دخلت الى الموصل في بداية الغزو الامريكي للعراق، وبقي فيها حتى رحيل قواته في نهاية عام 2011، هنا قراءة لوصاياه في حكم مدينة الموصل بعد داعش، لاسيما وان بترايوس يمتلك تجربة حية وواقع عاشه في الموصل وعرف الكثير عنها وعن اهلها ،وخبر تجربة كيفية قيادة اهلها ،ومن مزايا قيادته ونجاحها في الموصل كما يصفها هو ، انه كان يؤكد على ضرورة ان تكون القيادة جماعية واشراك كل طوائف ومذاهب وقوميات المدينة في الحكم ،وعدم تهميش اية قومية او طائفة، والتوازن في السلطات والمناصب المهمة ،والعفو عن البعثيين واشراكهم في الوظائف وعدم اقصاؤهم ودمجهم في الحياة الجديدة (حسب رؤيته)، وهو ما فعله في الموصل ، وعارضته الاحزاب الطائفية واصدرت قانون اجتثاث البعث، الذي شهد العراق بعده حربا اهلية طائفية قادها ابراهيم الجعفري عندما كان رئيسا للوزراء والاحزاب وميليشياتها وجيش المهدي حتى ظهور تنظيم داعش الاجرامي بسببها ونتيجة ردة فعل لها ،ومازال نزيفها قائما الى يومنا هذا، ولكن اليوم اختلفت المسميات واصبحت اكثر خطورة وتهدد العالم ونقصد بها الارهاب الذي يقوده تنظيم داعش (السني) وميليشيات ايران(الشيعية )، بعد تم تهجير الملايين وقتل الملايين ونزوح الملايين بسبب تطرف وارهاب هذه الميليشيات الداعشية المتبرقعة باسم الاسلام ،وتقف خلفها دول اقليمية ودولية ، وصار ماصار من سقوط محافظات كبيرة ،كانت سياسة نوري المالكي الطائفية ورعونته وحقده الطائفي وشعاراته الطائفية الكريهة ،التي يطلقها يوميا ضد المكون السني، (حرب يزيد والحسين ،وبيننا وبينهم بحر من الدم ،ومظاهراتكم نتنة وفقاعة وووو)،
وبعدها قتل مئات المعتصمين السلميين في ساحات العز والكرمة ممن حمل مطالب مشروعة وشرعية،قبل ان تختطف الساحات داعش وتقودها الى غير غاياتها ،وحصل ما حصل ،من تمدد تنظيم داعش وسيطرته على الموصل، كبرى المدن العراقية واهمها استراتيجيا،بعد ان سلمه نوري المالكي وقادته وهروب جيشه، كل اسلحة الجيش ومركباته وصواريخه ودباباته ومدفعياته ومعسكراته،وهرب تحت جنح الظلام بدشاديش مدنية ،البسها له اهل الموصل وهربوهم بليلة خارج الموصل ،ولم يمس او يقتل جندي واحد منهم على يد اهل الموصل ، والان ونحن على ابواب استعادة مدينة الموصل ،آخر معاقل داعش في العراق، تواجه مدينة الموصل بعد تحريرها المؤكد قريبا،مرحلة معقة وصعبة جدا، وهي كيفية ادارة المدينة، واعادة تأهيل المجتمع الموصلي ودمجه في المجتمع العراقي، والعالمي،بعد انقطاع قسري مارسه تنظيم داعش معه، وقطع عنه الاتصال بالعالمي الخارجي، في وقت تتصارع الكتل السياسية في السلطة ،على الاستحواذ على المناصب الحساسة في حكم المدينة وادارتها على مقاسها، أو بتحويل الموصل ،الى عدة محافظات تابعة وخاضعة لنفوذ الاحزاب ،وهكذا يتخوف اهل الموصل ،من فترة ما بعد داعش، لاسيما وان الاطماع السياسية والدينية التي باتت تطلقها الجهات ،التي تتخوف من تكرارما تعرضت له من اقصاء وتهميش واعتداء وتهجير وغيرها،وهذا المخاوف المشروعة تنتاب جميع الطوائف والقوميات والمذاهب، التي تزخر بها نينوى منذ الاف السنين لتشكل فسيفساءا عراقيا خالصا ، في حين هناك اطماع اخرى لاتقل خطورة عن ما تنادي به داعش وتمارسه في انهاء تواجد جميع الاقليات والاديان والمذاهب ،وهي الاهداف الغير مشروعة التي من شأنها ان تقوض وتشعل الحرب الطائفية والقومية في نسيج اهل الموصل ، وهذا ما لاتريده جميع القوميات والاقليات في الموصل،ولكن الدفع الخارجي والاطماع الخارجية هي من يدفع عملاؤه لزعزعة امن واسترار الموصل ،بعد تحريرها ، ولهذا جاءت وصايا الجنرال بترايوس لتضع حكومة العبادي واحزاب السلطة امام مسئولياتها التاريخية ،ومصالحها البعيدة المدى، وتعايشها المجتمعي واندماجه في نسيج متعايش وسلمي، وبغيره ستبقى الاحقاد والاضغان والثأرات والحروب قائمة الى يوم الدين ، وهو نتيجة طبيعية لاثار حرب مدمرة شهدتها المنطقة كلها ببروز ظاهرة داعش واخواتها ،وترسيخ نظام المحاصصة الطائفية في العراق بعد الاحتلال الامريكي للعراق، فيؤشر بترايوس الخلل والمعالجة ،فيقول اذا ارادت حكومة العبادي ان تنأى بنفسها عن البعد الطائفي واطفاء شعلة الطائفية التي أحرقت البلاد عليه ،بعد تحرير الموصل ،(ان يبعد (الطرف الشيعي) عن منصب امني في الموصل لانه سيعطي نتائج كارثية)،
و(ان تكون جميع الطوائف والاقليات، مشاركة في الادارة والحكم دون اقصاء او تهميش)، واعطاء تطمينات حقيقية لها ، و(عدم الوقوع بنفس الخطأ السابق)اذا اردنا القضاء على الارهاب ، ويقصد به خطأ المالكي ، والذهاب الى ما سماه (اقليم نينوى ) لضمان عدم تهميش الاقليات وإحداث توازنات دائمة في الادارة، وبغض النظر عن توافقنا أو قبولنا بوصايا بترايوس أو غيره ، ولكن نجد فيها هامشا واضحا من العقلانية والحقيقة ، قد لايجرؤ احد في السلطة الافصاح عنه ، ولكن من يريد القضاء على الارهاب عليه الاعتراف بالخطأ الذي اقترفه اولا ومعالجته فورا وعدم تكراره وتجاوز اثاره ومسبباته ، وهذا مالا تستطيع احزاب السلطة مالاعتراف به والعمل به،لانها ستفقد مصالحها التي تعتاش عليها بفضل الاحتلال ، واذا سلمنا بوصايا بترايوس، ان الادارة يجب ان تكون مشتركة دون أي تهميش لاية طائفة او اقلية مهما كانت (صغيرة العدد)، فأننا نضمن العدالة ونسيان الماضي، وتجاوز امراض التاريخ، وافرازات الاحتلال والمحاصصة وجرائم داعش، وهذه تتطلب (عقد اجتماعي وعشائري) ،يلزم الجميع ويحذر الجميع بنتائج ما بعد داعش،والالتزام بشروطها حرفيا ، لكي نصل الى السلم الاجتماعي وتجاوز اخطاء ومآسي الماضي، والظر الى المستقبل ، كما حصل في كل بلدان اوروبا وغيرها، اذ لايمكن ان تقوم لنا قائمة ونحن نحمل الحقد والثأر والانتقام لبعضنا ،نعم الدم غال ولكن الوطن اغلى ، نعم الماضي مؤلم وكارثي ،ولكن الوطن لايبرأ من جراحه الا بالنسيان،وحينما يقول بترايوس ،ان يجب ابعاد (الشيعة )عن ادارة الملف الامني في الموصل ،فهو يعني مايقول لانه عاش وشاف ما فعله القادة الامنيون الشيعة في الموصل وكيف انتقموا من اهل الموصل طائفيا،واججوا الاوضاع وفجروها واوصلوا المدينة الى حافة الحرب الطائفية وخاصة اطراف الموصل، ذي الكثافة الشيعية المتاخية والمتصاهرة والمتعايشة منذ الاف السنين، وجاؤوا ليصبوا الزيت على النار، وحصل ما حصل في الموصل وظهور داعش فيها فجأة، وتهليل بعض اهل الموصل بقدوم داعش، ليس حبا بداعش ولكن كرها بالاجهزة الامنية والجيش الطائفي (الشيعي)، وهذا تماما ما قصده بترايوس ،وهذا متأت ايضا من اقصاء وتهميش(السنة في الموصل)،
اذ افتتح نوري المالكي(13) مقر لحزب الدعوة في الموصل يديره( سنة المالكي )من شخوص نكرات وشيوخ نكرات، همها اذلال المدينة وحكمها بالحديد والنار والاعتقالات والاغتيالات ،ومن ينظر الان الى ما يسمى مجلس محافظة نينوى،يرى ان جميع اعضاؤه ورئيسه هم ليسوا من اهل الموصل ،وهذا ايضا ما عناه بترايوس من تهميش اهل المدينة الاصلاء لا الدخلاء عليها والتحدث باسمها ، وهنا يضع بترايوس اصبعه على الجرح تماما ، ويحذر العبادي والاحزاب في العملية السياسية ،من تكرار الاخطاء بعد داعش في الموصل ، لمن يريد القضاء على الارهاب، لانه يدرك تماما وعن واقع ملموس ومعاش ان من يريد فرض الامن في العراق ،عليه فرضه ليس بالقوة في الموصل اولا، لان الموصل هي رأس العراق وجمجمته، فكيف يسير العراق بلا جمجمة ولا رأس ،كما هو الان ، ارى ان تحذيرات بترايوس ووصاياه هي نقطة البداية ،لما بعد داعش وتحرير الموصل، وعلى الاحزاب والكتل والشخصيات ورؤساء العشائر والمثقفين والعسكريين الكبار ن اهل الموصل ،ان ينتبهوا لما جاء بوصايا بترايوس ،وهي معروفة لدينا وليست جديدة ،وكنا قد اشرناها وطالبنا بها وبح صوتنا منذ اول ايام الاحتلال الامريكي، وقلنا لترايوس وقتها هذا الكلام نحن اهل الموصل ، ونقله الى حكومات بغداد ،ولكن العمى الطائفي والحقد التاريخي الطائفي، والثأر الطائفي،قد أوصل العراق عموما، والموصل خاصة الى ما نراه الان في وصايا بترايوس، نعم نحتاج الى تطبيق وصاياه الان، اكثر من اي وقت مضى ، حفاضا على مستقبل العراق ونينوى ، وبعكسه،سنبقى ندور في فلك الطائفية والاحتراب الطائفي والقومي الى قيام الساعة.