الموسيقى، سحر الجمال وروعة الإبداع، إعجاز إنساني خارق، داعب المشاعر، وهيج الشجون والأوجاع تارةً، وبعث الفرح والسرور أُخرى، أبدع في صناعتها أُناس قلائل، بذلوا عصارة جهدهم وإحساسهم، لأخراج مقطوعاتٍ، منها ما زال لها نفس الأثر في النفوس، بالرغم من تعاقب الأجيال.
بتهوفن، وموزارت، وياني، ورائد جورج، وعمار الشريعي، وآخرين، من مختلف الشعوب الإنسانية، ما زال صدى مقطوعاتهم يُمتع أسماعنا، ويأخذ أرواحنا إلى عالمٍ من الأحلام، ترتاح فيه النفوس، وتسبح معه الأماني، في حدائقٍ ننسجها كسجادةٍ من الكاشان الإيراني الفاخر.
من المحزنِ والمخجل والمزري، أن ترتبط مقطوعات هؤلاء المبدعين، مع قناني الغاز!
يقوم باعة الغاز اليوم في بغداد، بوضع مكبر صوت خارجي، يصدر صوت معزوفة لمقطوعة موسيقية، لأحد الموسيقين الكبار، فما أن تسمع موسيقة (رجال الظل) لـ(رائد جورج) أو موسيقى “رأفت الهجان” لـ(عمار الشريعي) أو مونامور أو غيرها حتى تعلم بأن موزع الغاز السائل، قدم إلى بيتك!
كانت هذه الموسيقى، تُحدثّ فينا إستجابات، لأحساسات مرهفة معينة، باتت اليوم تحدث فينا إعلاماً لحضور بائع الغاز، وفق نظرية المثير والإستجابة! فهل يقبلُ هذا العمل!؟
نعم كان هناك إعتراض شعبي واسع، على ما يقوم بهِ باعة الغاز، من طرق الأواني، والمناداة بصوتٍ عال، لكنَّ هذا لا يمنحهم الشرعية بأن يستخدموا هذه الموسيقى، التي إرتبطت بإحساسات الآخرين، إنه تجاوز على الذوق العام، بالأضافة إلى التجاوز على حق مؤلف تلك المقطوعات!
نختار مقطوعة معينة للإتصال، عبر الهاتف النقال، ونضع أحيانا موسيقى خاصة لكل صديق متصل، حسب قرب ذلك المتصل منا، وإرتباطه بأحاسيسنا، فيا ترى ما هو إحساسنا تجاه بائع الغاز؟ وما هي الموسيقى التي تربطنا به؟
سؤالي هذا ليس للتهكم أبداً، ولكن لإيجاد حل، ولذا أقترح أن يقوم أحد الموسيقيين الرائعين والمبدعين، بعمل سنمفونية لباعة الغاز، على غرار موسيقى ” حلاق إشبيلية ” المشهورة، فقد إختصت تلك الموسيقى بتلك المهنة، وكانت جميلة جداً، ما زال صداها إلى اليوم.
بقي شئ…
الموسيقى فن، والفن يصنع الحياة، فأمنحونا الحياة، لأننا سئمنا أن نكون أشباحاً.