22 ديسمبر، 2024 1:19 م

الموروث الأسلامي بين الواقع و الوهم / واقعة الطف كأنموذج

الموروث الأسلامي بين الواقع و الوهم / واقعة الطف كأنموذج

مقدمة :
تعتبر واقعة الطف 61 هجرية ، من أكبر المآسي التي وقعت على آل بيت الرسول ، حيث نحر بها الحسين بن علي – من قبل شمر بن ذي الجوشن ، بسبب عدم مبايعته ليزيد بن معاوية . وهذه الواقعة قد تناولتها الأقلام منذ مئات السنين ولغاية الوقت الحاضر ، ورواياتها مثبتة بصيغ مختلفة في المرجعيات الشيعية والسنية ، ولكن الذي دفعني لتناولها ، هي جزئية محددة ، وهي عدم منطقية ( الفرق الهائل بين عدد جيش يزيد / بقيادة عمر بن سعد ، وعدد أنصار الحسين ) ، والذي شبهه الشيخ سيد فرقد القزويني ( خطيب حسيني ، ولد في 1963 كربلاء – العراق ، ويعتبر القزويني ، من أعلام حركة إصلاح التراث الإسلامي والتعايش بين الاديان والمذاهب ) ، في محاضرة له ، سنة 29 .11. 2014 بأنها : ” أقوى نكتة في التاريخ ، وشبهها بلعبة أتاري ” .. هذا ما سأتناوله في هذا البحث المختصر ، دون الدخول في حيثيات الواقعة .
الموضوع : المراجع الأسلامية ، قد تناولت هذه الجزئية – الفرق بين عدد جيش يزيد وبين أنصار الحسين ، بقدر كبير من الأختلاف ! . 1 . فبالنسبة لأنصار الحسين بن علي : سأورد ما جاء من روايات وفق موقع / مكتبة العتبة الحسينية ، وبأختصار : الرواية الأولى : رواية المسعودي ، وهي : ( فلما بلغ الحسين القادسية لقيه الحر بن يزيد التميمي .. فعدل إلى كربلاء ، وهو في مقدار خمسمائة فارس من أهل بيته وأصحابه ، ونحو مائة راجل ) ( مروج الذهب : 3 / 70 ) . الرواية الثانية : رواية عمار الدهني عن الأمام الباقر ، وقد جاء فيها : ( حتى إذا كان بينه وبين القادسية ثلاثة أميال لقيه الحر بن يزيد التميمي .. فلما رأى ذلك عدل إلى كربلاء .. وكان أصحابه خمسة وأربعين فارسا ومائة راجل ) ( الطبري : 5/ 389 ) . الرواية الثالثة : رواية الحصين بن عبد الرحمان ، عن سعد بن عبيدة ، قال : ( إن أشياخا من أهل الكوفة لوقوف على التل يبكون ويقولون : اللهم أنزل نصرك ، قال : قلت : يا أعداء الله ألا تنزلون فتنصرونه .. وإني لأنظر إليهم ، وإنهم لقريب من مائة رجل ، فيهم لصلب علي بن أبي طالب خمسة ، ومن بني هاشم ستة عشر ، ورجل من بني سليم حليف لهم ، ورجل من بني كنانة حليف لهم ، وابن عمر بن زياد ) ( الطبري : 5/ 389 ) . الرواية الرابعة : رواية أبي مخنف ، عن الضحاك بن عبد الله المشرقي ، قال : ( .. فلما صلى عمر ابن سعد الغداة .. وكان ذلك اليوم يوم عاشوراء ، خرج فيمن معه من الناس .. وعبأ الحسين أصحابه وصلى بهم صلاة الغداة ، وكان معه اثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا ) . 2 . أما بالنسبة لجيش يزيد بن معاوية ، فسأنقل ما جاء من روايات وفق موقع / ويكي شيعة – أحصائيات ، وبأختصار : ذكرت بعض المصادر أسماء بعض قادة جيش عمر بن سعد وعدد من كانوا تحت أمرته : فذكر أنهم كانوا 22 ألفاً . ونقل الشيخ الصدوق والسيد ابن طاووس رواية عن الإمام الصادق والإمام السجاد ذكر فيها أن عدد جيش عبيد الله بن زياد ، كان 30 ألفاً . وذكر المسعودي أنهم كانوا 28 ألفاً . وذكر الطبري الإمامي أنهم كانوا 14 ألفاً . وذكر ابن شهر آشوب أنهم كانوا 35 ألفاً . ولما أن ذكر أسماء القادة منهم فقد أوصل عددهم إلى 25 ألف شخص. وذكر سبط بن الجوزي أنهم كانوا 6 آلاف شخص . وذكر ابن عتبة أنهم كانوا 31 ألفاً . ونُقل أنهم إلى يوم السادس (6) من المحرم كانوا 20 ألفاً. أما الملا حسين الكاشفي فقد ذكر أنهم كانوا 32 ألفاُ ، وذكر في موضع آخر أنهم كانوا 17 ألفاً أيضاً.
القراءة : أولا – من خلال تتبع ما سبق ، فأن عدد أنصار الحسين بن علي / عدا آل بيته من النساء وغير المحاربين ، قد أختلفت الروايات في تحديد عدده ، وتضاربت الأرقام ، وهي ما بين 72 محاربا الى 600 محاربا ! . أما عدد جيش يزيد بن معاوية / بقيادة عمر بن سعد ، فذات الحال ، قد أختلفت الروايات في تحديده ، وهو ما بين 6 ألاف مقاتل الى 35 ألف مقاتل . * وتوضح النسب المذكورة ، الفارق الكبير بين أصغر عدد وأكبر عدد ، وهذا دليل على عدم دقة الأعداد والأخبار ! . ثانيا – وفي محاضرة الشيخ فرقد القزويني / المشار أليها في أعلاه ، يقول معلومات أخرى ، ويبين : نقلا عن رواية أبن أعثم ، أن جيش يزيد بن معاوية / في واقعة الطف ، يبلغ عدده 22 ألفا ، أما أنصار الحسين بن علي فخرج ب 82 مقاتلا من المدينة ، وحين وصلوا الى كربلاء تقلصوا الى 72 مقاتلا ، أما عندما وقع الوطيس فلم يبقى منهم سوى 32 مقاتلا ! . ثالثا – من هنا نستنتج أن الموروث الأسلامي ، يقوم أو يؤسس على الروايات ! ، وليس من حقيقة ثابتة أو دامغة فيما ينقل ، فكل ما يروى هو مجرد نقل غير دقيق للأحداث والوقائع ، لا يمكن أن يؤخذ به البتة ، لأجله كانت الهوة أو الفارق كبيرا في المعلومة بين رواية وأخرى ، ويمكن أن نقول أن الرواة ، يقولون أو ينقلون الخبر تبعا لعاطفتهم ، أو لأنتمائهم المذهبي ، أو لميلهم السياسي ، فهم يضخمون أو يقللون من العدد وفق ذلك ! . رابعا – أني أرى ، أن الروايات الأنفة الذكر ، تفتقد للمنطق والعقلانية ! ، فهل لقادة جيش كيزيد بن معاوية وعمر بن سعد وباقي الأمراء و القادة ، أن يجييشوا جيشا قوامه الألاف – لنقل بالمتوسط 17 ألفا ، لمقاتلة رهط ، لنقل بالمتوسط – لا يتعدى 100 فردا ، ولم هذا الكم الهائل من المحاربين لمقابلة رهط يعد بالعشرات ! ، فليس هناك أي منطق عسكري في هذه المعركة ! ، وأرى أن الرواة قد رسموا وقائع معركة الطف وفق خيالهم ، وليس وفق حقائق ثابتة على الأرض ! . خامسا – والجدير بالذكر ، أن تعامل جيش يزيد مع أنصار الحسين ، كان تعاملا عدائيا ، ووفق العرف الأنتقامية ، دون الأخذ بنظر الأعتبار أن الحسين هو حفيد محمد نبي الأسلام ، لذا نحر رأسه ، دون أي أكتراث لجده محمد ! . والأمر الذي يندى له الجبين ، ما أورده بن الكلبي / المتوفي سنة 819 م في كتابه ” جمهرة النسب ” ( على لسان أحد حملة رأس الأمام الحسين ، الى الشام ، قوله : أنا محفز بن ثعلبة ، جئت برؤوس اللئام الكفرة ، وتشير تلك الرواية ، الى مدى أختلاط الحق بالباطل في مجتمع الكوفة ، حتى أن بن ثعلبة ، يصف أبن بنت رسول الله ب ” اللئيم الكافر ” / نقل بأختصار من ” واقعة الطف في كتب التاريخ الأسلامي في القرنين الثالث والرابع الهجريين ” ل : د . عمار محمد يونس و أسراء المرعبي ) . * وأعتقد أن هذه الرواية تدلل ، بأن بموت محمد ، أنتهت الدعوة الأسلامية ، ونكل بآل محمد ! ، وبدأ عهد السلطة والحكم .

خاتمة : * في هذه الواقعة لا بد لنا أن نتساءل ، لم لم يجتمع تحت راية الحسين جمع كبير ، وهنا أنا لا أقول جمعا بالألاف كيزيد ، وذلك لأن يزيد كان لديه دولة ، ولكن الحسين بذات الوقت لديه عمق ديني ، حيث أنه حفيد نبي الأسلام ! ، وهذه دلالة أخرى ، أن مكانة الرسول أنتهت بموته ! ، وحلت محلها من سيطر على الحكم ، حيث أن الاخير جمع الدين والسلطة معا. * أن الموروث الأسلامي / في هذه الواقعة ، حاله حال باقي الروايات والوقائع والأحداث ، لا يستند على أي قرينة يمكن الركون أليها ! .. خاصة فيما يتعلق بكيفية تقدير عدد جيش يزيد وعدد أنصار الحسين . فلم هذا التضخيم والتهويل بالكم العددي بالنسبة لجيش يزيد ، ولم هذا التصغير العددي برهط الحسين ! .. ولكن دائما أرى أن الأخبار تنقل بغير أي مهنية ، ودون أي تدقيق في الخبر . ويحضرني في هذا المقام مقولة أبن خلدون / ولد في تونس 1332 – 1406 م ، القائل ” ينبغي علينا إعمال العقل في الخبر” ، فليس كل ما يتناقل من أخبار صحيحاً أو معقولاً ، وتصديق الأخبار ونشرها دون تمحيص نقص في العقل .