19 ديسمبر، 2024 12:59 ص

الموت يُغيّب الفنان العراقي المغترب عماد عبد الهادي

الموت يُغيّب الفنان العراقي المغترب عماد عبد الهادي

أفجعنا نبأ إنطفاء شمعة جديدة من شموع الإبداع العراقي لطالما ظلت مضيئة على مدى عقود خلت وهي تساهم في رسم زوايا مشهد الدراما التلفزيونية العراقية التي أصابها الكثير من الوهن بسبب الظروف الصعبة التي مرت على العراق واهله ، ويبدو أن الموت أبى ألا ّيفارق أهل العراق في الداخل عبر آلة الإرهاب المختلف المصادر والأوجه ، أو في الخارج حيث ألم الغربة وآثار المنافي الباردة ومكابدات العزلة واليأس من شفاء وطنٍ تقاذفته قوى الشر من كل جانب حتى اصبح عسيرا ً على أبنائه الرجوع إلى أحضانه الدافئة ليطلقوا العنان لدورة حياة جديدة ملؤها الأمل والجمال والحب ، وكفنانين عراقيين مغتربين لازال دوي صرخات وداع أديبنا الراحل عبد الستار ناصر يتردد صداه في وجداننا وقبله العديد من مبدعينا الذين قضوا في المنافي ، فبالأمس القريب المرحومة الفنانة عواطف إبراهيم ، والفنان التشكيلي فائق حسين الذي مازالت جدارياته تزين بعضا ً من ميادين المدن الإسبانية ، وكذلك الحال مع المخرج السينمائي منذر جميل ، الذي عرف من خلال الأفلام الوثائقية ، والشاعر بهاء الدين البطاح الذي ظل الوطن في حناياه حتى رحيله ، والشاعر المقاتل شيركو بيكه الذي صب عصارة مأساة شعبه في القصيدة الثائرة ، والشاعر الرقيق عبد الأمير جرص الذي لم نفتقد شاعرا ً بفقدانه بل فقدنا حرفا ً أبجديا ً ومازالت القافيات تغرق ببحر آهاته والقائمة تطول ونحن إذ نرثي الفنان المخرج عماد عبد الهادي الذي عرفناه فنانا ً ملتزما ً بقضايا مجتمعه التي حاول تقدمها عبر عمله الفني ، ومازال العديد منها عالقا ً في الذاكرة ويرجع له الفضل في إكتشاف الكثير من المواهب الفنية فهو ينتمي لذلك الجيل الذهبي لذلك ظل مخلصا ً لفنه حتى أضطر للتوقف عن ممارسته بفعل ظروف المرض والهجرة مع قوافل المهاجرين من أهل العراق مبتعدا ً عن أرض الرافدين التي ولد فيها وأحبها وترعرع فيها وقدم إبداعه الفني من نسغ ثقافتها العريقة ، وما أن حط رحاله على أرض ميشيغن – أمريكا حتى داهمت آلآم المرض جسده الذي لم يعد يقوى على مقاومتها ،  وأخيرا ً تمكن منه الفشل الكلوي وغيبه عنا ليجبرنا على تجرع مرارة الغياب ، فحنايا القلب لازالت تحتفظ بذكريات حزينة وعباءات الحزن التي نلتحفها حدادا ً على وطن ٍ وشعب ٍ بات مهاجرا ً داخل وطنه كطيور ٍ تتراقص على إيقاع ألم الجراح ، وهكذا يأبى قاموس الرثاء مغادرتنا حتى بتنا نكره لغته ، ورحنا نبحث عن أملٍ يزين النفسَ ، عن عطرٍ يفوح منه الورد ،عن إبتسامة تعكس حالة حب ،عن شموع ٍ تنير الطريق ،عن شتلات الوطن المزروعة في القلب  ، فهل بات علينا أن ندمن تعاطي لغة الحزن الأبدي ونحن نرثي كل يوم قمرا ً يخبو في سماء غربتنا المدلّهم بغيوم الخريف الكئيبة وداعا ً يافناننا العزيز عماد عبد الهادي وأنت تلتحق بركب المغادرين الذين إمتص رحيقهم المرض والغربة فكل الكلمات ترتدي حلة الحزن والخواطر ترثيك وتختنق الأحرف بدموعها ، وداعا ً وانت تعود لبلد النخيل والسبعة آلاف عام من التاريخ والذي بات اليوم غنيمة ً للذين يحكمون ويستأثرون بالسلطة والثروة ومغانم الفساد ويشعرون أننا نعيش في نعيمٍ مقيم ، أما لسان حال المهمومين والكادحين من أبناء عراقنا فهم فقط يشعرون بالمأساة وهو يواجهون مصيرهم في التحديات الأمنية وشظف العيش مثلما يواجه المغتربون من أبناء جلدتهم مصير المنافي المجهول .