هبت الجماهير الإيرانية الإسلامية (العريضة)، لتُشيع الجنرال الايراني محمد علي الله دادي الذي اغتالته الطائرات الإسرائيلية الأخيرة في الجولان، وهي تهتف بصوت ثوري واحد صاخب صارخ مجلجل “الموت لإسرائيل”.
من أكثر من ستة عقود، ونحن لا نتوقف عن الدعاء بموت إسرائيل، ولا يموت غيرنا بالعشرات، وأحيانا بالمئات، كل يوم.
ومن غير الثابت، تاريخيا، مَن علم مَن. جماهيُرنا العربية العريضة قامت بتصدير هذه الأسطوانة إلى الجماهير الإسلامية في إيران، أم العكس؟.
لكن الجديد فيها هذه المرة أن قائد الحرس الثوري الجنرال محمد علي جعفري أعلن ” أن طريق الشهادة التي خطها محمد علي الله دادي ستستمر حتى تحرير القدس والقضاء على النظام الصهيوني”.
وليس مُهما أن نعرف ماذا كان يفعل الشهيد في الجولان، ساعة الغارة، هل كان يحمي مقامات مقدسة هناك، أم كان يرسم خطة تحرير فلسطين، من النهر إلى البحر، أم كان يجاهد لاسترداد كرامة بشار الأسد التي لطخها الإسرائيليون بالدم، أم كرامة حسن نصر الله التي أصبحت (الحائط الواطي) لصواريخ إسرائيل، أم ليرفع راية الإمام الخميني على رؤوس الجبال هناك وهو في طريقه إلى شواطيء حيفا وإيلات، أم كما قال الجنرال جعفري ” لإرساء الأمن والسلام في سوريا “. الله أعلم.
من جانبه وزير دفاع الجمهورية الإسلامية الإيرانية الجنرال حسين دهقان شارك هو الآخر في التشييع معلنا أن العدوان الإسرائيلي “لن يمر دون رد”. و ترك مكان الرد وزمانه للظروف.
أما محسن رضائي أمين عام مجلس تشخيص مصلحة النظام، (والذي كان قائدا للحرس الثوري) فقد تعهد بـأن ” يرد لحزب الله اعتباره”. ونحن ننتظر.
جماهيرنا العريضة العربية والإسلامية أبرع من غيرها في الجهاد الصوتي المخيف. لا يشبهنا فيه أحد. نتظاهر بالخناجر والسيوف، ونزحف وننتقم ونهدم بيوت أعدائنا على رؤوسهم، ولكن بصواريخ الكلام الممجوج.
في اليابان، مثلا، لا يسير المتظاهرون الغاضبون إلا بعد أوقات الدوام الرسمي، فيملأون الشوارع صامتين، في صفوف منتظمة هادئة، مكتفين بشعارات قليلة مخطوطة بأناقة معبرة عن الغضب العميق. وفي الصين تزحف الملايين بصمت ملوحة براية حمراء، دون كلام. وفي اليونان يسيرون في تظاهراتهم رافعين أقداح الأوزو، راقصين على موسيقى زوربا، وهم غاضبون. أما في دول أوربا (الباردة) فقليلا ما تخرج تظاهرات. وإذا ما خرجت فلا ترفع سوى لافتات بيضاًء مكتوبة بحبر الورد ” لا إعدام بعد اليوم”، وقليلا أيضا ما تكون في هذه التظاهرات جماهير عريضة صاخبة، مثل جماهيرنا، تسد الشوارع وتمنع المرور وتعطل الحياة.
والظاهر أن الله غضب علينا، نحن فقط، فعلمنا الحب الأعمى والكره الأعمى ولا شيء بينهما. فحين نغضب نعمى ونطرش، لا نرى ولا نسمع غير أصواتنا. لا نقبل ولا نتخيل أية منقصة فيمن أحببنا، ولا أية فضيلة فيمن كرهنا.
لا نعرف الوسطية ولا نحبها ولا نقدر عليها. فمنذ انتهاء عهد الخلفاء الراشدين وإلى اليوم، ونحن لا نتقن غير الصراخ، يعيش يعيش، ولا يعيش من دعونا له بالحياة، ويموت يموت، ولا يموت من دعونا عليه بالسقوط. يجيء حاكم ويرحل حاكم، ولكن لا يبقيه أهله في حكم، ولا ُيسقطه أهله من سلطة.
وفي أزمنة عابرة قصيرة تمردت جماهيرنا العريضة على حكامها وانتصرت، ولكن، في الحقيقة، وكما أثبت التاريخ، لم تنتصر إلا بأموال أمم أخرى جاءتها من الخارج، وبسلاحها وجنودها. وما أكثر ما أسقطت هذه الدول الخارجية ذاتُها حاكما عادلا يحبه شعبه، ونصرت حاكما ظالما يبغضه أهله، وأعانته على ذبحهم من الوريد إلى الوريد. ألم تروا ما فعل بوتين وخامنئي وحسن نصر الله بجماهير سوريا التي يتساقط ثوارها كل يوم وكل ساعة بالعشرات؟
أخاف دائما من الجماهير العريضة. ألم تقاتل الجماهير العريضة مع معاوية ويزيد وأبو العباس السفاح وأبو جعفر المنصور والمهدي والهادي وهارون الرشيد والأمين والمأمون والمعتصم، والسلطان عبد الحميد، وشاه إيران، والخميني، وهتلر وموسوليني، وصدام حسين، وحافظ الأسد وبشار، والقذافي، وعلي عبدالله صالح، وزين العابدين؟
ما أبأس هذا الزمن، وما أضل جماهيره العريضة التي لا تجيد غير الهتاف، ولا تقاتل إلا به، ولا شيء سواه.
” الموت لإسرائيل”. نعم. ولكن متى تموت إسرائيل وتنتصر هذه الجماهير؟ الله أعلم.