23 ديسمبر، 2024 4:21 ص

الموت أهون من خطية

الموت أهون من خطية

لم يكن قد ينطقها السياب العظيم بلا سبب، حينما يتحدث عن مأساته ومأساة الجميع، عندما قال “الموت أهون من خطية”، هذه العبارة التي اختصرت كل التفاصيل التعسفية التي من الممكن ان تلحق بالانسان وان تهينه وتهين كل مايتعلق به، الموت هو بمثابة فرصة حقيقية لكل من لم تسعفه اللحظة المناسبة ليحافظ على كرامته.
الموت ليس اخر المطاف وليس أسوأ الأشياء التي تحصل في العراق في ظل السيناريوهات المرعبة التي تحدث بشكل يومي، والتي ينتظرها العراقيون بطريقة لا يمكن ان يحسدوا عليها، الموت هو اللحظة الأكثر منطقية وعقلانية في ظل الخراب الذي يحدث.
عشر سنوات مضت ، لكنها حملت قصصا مؤلمة للناس، قٌتل المئات منهم في لحظات رعب لا يمكن ان تحدث سوى في أفلام الاكشن، كان قد سقط فيها الأبرياء، بلا سبب وبلا معنى، لاشيء غير أنهم كانوا في المكان والوقت الخطأ، كانت النتيجة المرضية هو الموت في كل الاحتمالات.
الخطف والتعذيب والاهانة الجسدية والنفسية التي تحصل لك، هي ابرز الخيارات الممكنة التي تواجهها حينما تتصدى او تقف بالضد من أصحاب المصالح والفاسدين وأصحاب النفوذ والاحزاب والعصابات المنظمة التي تقف خلف واجهات سياسية محترمة، ثم تشاهد كيف تبدد احلامك وطموحاتك كل يوم.
تلك الخيارات تجعل الناس تبحث عن بدائل اخرى اقل الما، ربما الموت هو الطريق الاقصر من كل هذه الخيارات التي باتت تشكل معلما واضحا من معالم المشهد السياسي العراقي، والتي تكشف الوجه الاخر للدمار الذي صنعته فئة فاسدة، أساءت لكل مظاهر الجمال.
ان تكون معافى وسليما، ولا تحمل ندوبا معينة جراء موقف ما، وتسير بشكل طبيعي دون ان تتعرض لضغوط او تهديدات معينة، ولم يأت احد للقضاء عليك او يقوم بخطفك او تصفيتك، هذه نعمة مميزة يجب ان تكون شاكرا لها على مدى وجودك سليما بلا اي اذى.
كان الاجدر منا ان نتعلم جيدا من فرز الاحداث والمواقف الطويلة التي حصلت، أن لا نخرج عن القطيع في لحظات غير مناسبة، تكاد ان تكون المهمة انتخارية بحد ذاتها، طالما انك تفكر بشكل مختلف وانك تخلق رأيا اخرا مغايرا عما يسود الواقع، او انك تنظر الى العالم من زاوية اخرى.
لا يجب عليك ان تقف وتتحدث بالاشياء التي لطالما كانت قد شكلت خطوط حمراء في عقول الذين يحاولون الاساءة اليك في كل الاحتمالات والظروف الممكنة.
مشهد الجثث المرمية على الطرق او في النفايات، والتي يُعثر عليها كل صباح خلال سنوات القتل الطائفي وتكرارها خلال السنوات القليلة الماضية ولحد هذه اللحظة، توضح لنا حجم المأساة التي نشاهدها، لربما لا نستطيع ان نتخلص منها.
من المحتمل ان نكون كلنا في ذات المشهد، مشهد الجثة والموت على الطرق او في الاماكن العامة، فهذه الاشياء ليست مسرحية او مشاهد مقتبسة من فيلم سينمائي هابط يسعى الى الاثارة، فهي مشاهد واقعية للمنطق الذي يجسده اشخاص لعلهم اليوم يتمسكون بمناصب مرموقة.
الموت ليس اسوأ الاشياء التي يمكن ان يتعرض لها الانسان في العراق، وبشكل خاص لمن يعمل في مجال الصحافة، او في أي مجال أخر قد يشكل تهديدا واضحا لمن يواجهه.
في ظل كل هذه الفوضى ، يسعى الكثير ممن ليس لديه قدرة على ان يدافع عن نفسه في لحظة تاريخية لا يحسد عليها ولا احد يمكنه ان يفكر ان يضع نفسه في موقف مثلما يقف فيه الصحفي وحيدا بلا حماية تتلقفه الاحزاب والسلطات وكل من يقف فوق القانون تماما.
وفي هذه اللحظات التي يجب ان لا تنسى، ليس علينا الا ان نردد عبارة السياب الشهيرة، “الموت أهون من خطية”، كنشيد للموتى، كنا نحن الـ”خطية”، الذين أصبحوا أغلبية صامتة ضاعت حقوقها بين اللصوص والقتلة.