لا أظن أن مكتبة بحجم قصر شعشوع، بإمكانها احتواء ما دوّنه النقاد والكتاب بحق ماسكي زمام أمور بلادنا، إذ مافتئ العراقيون بشرائحهم كافة ينتقدون أفعال ساستهم الهوجاء، والتي ألقت على المواطن بظلالها الوخيمة، وعادت عليه بالضرر والشر من جهاته الأربع. الأمر الذي دفع الجميع يبوحون بما تجود به قرائحهم، من ردود أفعال إزاء معطيات ساسة البلد وحكامه ومسؤوليه، ممن تبوأوا سلم المناصب بدرجاته الدنيا والعليا على حد سواء، السابقين منهم واللاحقين دون استثناء، وياليتهم أنصفوا المواطن بما منوط بهم من مسؤوليات تجاهه، بل على عكس هذا، فقد انتهجوا من المسالك أبعدها عن مصلحته، واتبعوا سياسات التهميش والإقصاء والإبعاد والإخفاء، في كل ما ينفعه ويرفع من نصيبه في نيل الرفاهية والعيش الرغيد، فآل الحال الى مآل لا يحسد عليه إنسان على وجه المعمورة.
ولكن لو نظرنا الى الحالة بمنظار أوسع، ونعيد توجيه أصابع الاتهام بشكل أكثر عدلا وإنصافا، سنكتشف ان لجهات عديدة دورا في تردي جوانب كثيرة في البلد، مقارنة مع باقي بلدان العالم. فعلى سبيل المثال نرى ان هناك مناسبات تهتم بها الشعوب والحكومات على حد سواء، كذكرى وفاة عالم او ميلاد أديب، ممن لهم بصمة وأثر يقفو على أثره اللاحق من الأجيال، ومنها مناسبات وطنية ودينية وتاريخية واجتماعية، تشترك مؤسسات الدولة والمؤسسات المدنية مع المواطن في تطبيق طقوسها وشعائرها، وبذا يترسخ مفهوم الوطنية والإلتزام بها. وما اختيار يوم واحد لمثل هذه المناسبات إلا تذكير بأهمية هذه الممارسة، لتمتد وتستمر باقي أيام السنة بنفس الهمّة والإهتمام، ولكن وبكل أسف نفتقد هذا الاهتمام من قبل المواطن نفسه فضلا عن مسؤولي البلد، وعذره في هذا ضعيف وغير مقبول.
هنا في عراقنا؛ لنا من سهول ووديان وجبال وصحارى وأهوار، مالايحده بصر ولا يقف على نهايته نظر، وفيه من فصول المناخ أربعتها. أليس من الأولى بنا جميعا؛ شيبا وشبابا كمواطنين بعيدا عن حكامنا، الاحتفاء به وإدامة أرضه ومائه وسمائه لتدوم خيراته لنا وللأجيال بعدنا؟ أوليس الأجدر بنا أن نتعلل الأسباب لخلق المناسبات التي تزيدنا التصاقا بتربة عراقنا، وتطبيق طقوس محبتنا بين الحين والآخر لنتذكر ان السلام والإخاء والحب لن يرحِّله عن أرضنا ساسة وأنظمة وحكومات، يجيئون ويروحون بسياسات وممارسات، يهدفون منها تشتيت اللحمة بين النسيج الوطني الممتد في عمق التاريخ أكثر من أربعة آلاف عام في أرض وادي الرافدين. ولاأظن من بين الساسة والمسؤولين من لايدرك أبعاد مايفعله من سلبيات تعود بالضرر على منصبه ومؤسسته، وبالتالي على المواطن والبلد بشكل عام، فجميعهم لم يكونوا قليلي خبرة حين تسنموا مناصبهم، كما أنهم من غير المعقول ان يعبثوا في أرضية سفينة هم من ركابها، كما لايعقل ان (يهجم) إنسان سوي بيته بيده، كذلك لايعقل ان يسعى الى إضرام النيران فيه، إلا أن ساستنا فعلوا هذا كله بإصرار وثبات.
لقد كانت بوصلة اللوم والتقريع والاتهام، تشير إبرتها دوما الى الساسة وحدهم طيلة السنوات الماضية، وكانوا الشماعة التي يعلق عليها المواطن أسباب تردي أوضاع البلد على الدوام، وقد آن الأوان لإعادة تصويب اتجاه أصابع الاتهام، ونعمل كما يقول مثلنا؛ (ننطي كلمن طينته بخده)؟ فقد تكون للمواطن يد فيما يحدث له وللبلد، ولعله مشارك فعال بما أفضى اليه الحال، وقد قيل: (رحم الله من أهداني عيوبي).
[email protected]