يروى ان رجلا أعمى تزوج من امرأة مبصرة، قالت له ذات يوم: لو رأيت جمالي وحسني لعجبت! فقال لها: لو كنتِ كما تقولين لما تركك المبصرون لي.أرى ان فحوى هذا المثل ينطبق على من يتشبثون بمناصبهم السيادية والقيادية في مؤسسات البلد، ويستقتلون في سبيل البقاء على رأسها، ويستميتون من أجل الحفاظ على ماحققه لهم المنصب من منافع خاصة. وأقصد بما ذهبت اليه ذوي المناصب الذين حامت حولهم علامات استفهام وتعجب كثيرة، من جراء سياستهم ونهجهم في إدارة أعمالهم. ففي نيات التغيير التي يسعى رئيس وزرائنا بكل جهده ان يثبت حسنها وصدقها، تعثر وتعطيل قد أظلم نفسي إن قلت هو تسويف ومماطلة متعمدة، وسأركن الى حسن الظن وأفترض ان العبادي مضغوط عليه، وفي كل الأحوال المواطن هو الوحيد الذي يدفع الثمن، والثمن مدفوع منذ عقود ولاسيما في العقد الأخير، وبصيغة الـ (كاش). إن الذين يطمحون -بل يطمعون- في البقاء بمناصبهم او على أقل تقدير التقلب من منصب الى آخر، هم يتربعون على عرش يمررون تحته غاياتهم الحقيقية التي جاءوا من أجلها، وهي حتما لها من الأوجه إثنان؛ باطن يظنون انهم الوحيدون الذين يحيطون به علما، وظاهر يصرحون ويلوِّحون به فيتخذون من الكلمات والشعارات المعسولة (pass word) ليعتلوا من خلاله منصة الفوز بأصوات المغلوب على أمرهم ممن سلموا أمرهم وحاضرهم ومستقبلهم بأيديهم. وقطعا ان تحقيق هذا الشيء قد يصل اليه المرء مرة واحدة بفضل الصدفة وجود الحظ له، إلا انه لن يتكرر لاسيما اذا كانت النوايا غير سليمة، وهي التي كفل الزمان كشفها وفضحهم على مر الأيام والتجارب، ليتعروا ويبدو جليا غسيلهم أمام الملأ، وبذا يكون المواطن ملزما بالامتثال لحديث نبينا (ص): “لايلدغ المؤمن من جحر مرتين. وكفى العراقيين تجارب ومواعظ ما انفكوا من عيشها من غير تطبيق. وقد قيل سابقا:
(بامكانك ان تخدع بعض الناس بعض الوقت، وبامكانك ان تخدع بعض الناس كل الوقت، لكن ليس بامكانك ان تخدع كل الناس كل الوقت).
فمن يريد كسب ثقة قوم في أمر ما عليه ان يضع الصدق اول نافذة يطل من خلالها على معيته، ويتحلى بالحميد من الخصال والرقيق من الطباع والرفيع من الأخلاق. وليست وعود ساستنا بجديدة على العراقيين، فقبل ثمانين عاما كان للشاعر عبود الكرخي لسان حال المجتمع العراقي في وصف ما يدور حينها محذرا الشعب من الإنجرار وراء زيف الوعود وتسويف الآمال اذ أنشد:
لازم انـمـيـز الـزيــن امـن الـزلم
وننتخب كلمن شهم صاحب علـم
ونـرفض اللي يجـي كل يوم ابفلم
مـن يشـوف المنصـب شـوية انـدرچ
قـيّــم الـرگـــاع مــن ديــرة عـفـچ
ان القادم من الأيام سيكون أمر الفرد العراقي بيده بعد أن مل أساليب حكامه، والقرارات القادمة عليه هو لاغيره, تناط مسؤولية اتخاذها، فقد ولى زمان الإنصياع لقائدٍ ضرورة او حامي حمى مزيف، وجرح العراقي الذي ظل يئن منه عقودا منتظرا علاجا ناجعا، سيندمل شريطة ان تكون الأعين مبصرة واعية لما تؤول اليه الأمور، وعدم تكرار مافات من أخطاء في انتقاء المسؤول، لا كما قال الشاعر:
إذا ما الجرح رُمَّ على فساد
تبيَّن فيه تفريط الطبيب
[email protected]