ربما يكون البعض قد اعترض لانني في مقالات سابقه ركزت على أهمية الرفاهية الاجتماعية كمطلب أول للشعب، ويتوجب، تبعا لذلك، ان تكون هدفا اول لكل عمل سياسي صادق وجاد. فانا، للاسف، ما زلت ارى عبر شاشات الفضاء وفي الاعلام المقروء والمسموع ان البعض ما برح في شغل شاغل عن هموم الناس وعن تطلعاتهم….
وما ان يعطى هذا البعض فرصة الكلام في ندوة أو مقابلة أو حوار حتى (ينهد)علينا بالمصطلحات التي بليت فرط الاستعمال فاصبحت كاطلال (خولة) التي وقف عليها طرفة بن العبد تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد…
وان هذا البعض يفترض ان الناس يمكن ان ينيروا بيوتهم بالحديث عن (الفوضى الخلاقة) بدل الكهرباء… وانهم يمكن ان يشربوا من نظرية (الاحتواء المزدوج) بدل مياه دجلة والفرات، أو انهم يمكن ان يستعيضوا بشتم الامبريالية ومخططاتها عوضاً عن خبز التنور..
وليس هذا بالامر الغريب فقد حدث ذات مرة في الريف العراقي ان سأل احد الفلاحين الحزبيين البعثيين جاراً له قائلاً:
-اليوم سيأتي الي رفاقي في الحزب ضيوفا فماذا تقترح ان اقدم لهم من الطعام…
– فرد جاره الفلاح:
– اكثر لهم من (الامبريالية)….
فلكثرة ترديد هذه الكلمة من قبل الاحزاب (اليسارية) و(غير اليسارية) ظن هذا الفلاح البسيط انها لابد وان تكون اكلة شهية والا لما الحت عليها الاحزاب (الثورية)…
اما (الموضة) السائدة عند اخواننا الذين يرتزقون على مهاجمة مشروع (الشرق اوسط الجديد) و (العولمة) فهي اصرارهم على الحديث عن (المقاومة)……..(والمصالحة)……وكل يدعي انه لوحده يمتلك الحقيقية والحق …وانه وصي على الناس اجمعين.
ولكن، وآه من كل (ولكن)….
ان يخصص الانسان جهده لدعم (المقاومة الشريفة جدا)….. و(المصالحة مع البعثيين) من أجل ثمن مقبوض، وان يشتم امريكا وبريطانيا وقد بذل الغالي والنفيس للحصول على جنسيتهما، وهو ينعم بالرعاية من لدن حكومتيهما فهذا أمر يستعصي فهمه بالنسبة لعقلي الصغير….
ثم كيف يتسنى لهؤلاء ان يدعوا ابناء الاخرين (للتضحية والفداء)ويبخلوا بابنائهم بل ويلحقونهم بارقى المدارس والجامعات (الامبريالية)؟.
فهل الموت حصة ابناء (الخايبة) والحياة هي لابناء ذوات (الحظوظ)…؟!.
لا احد من المحللين السياسيين وما اكثرهم ولا من اقطاب (اليسار)…و(اليمين) وما بينهما واصحاب المصطلحات يتحدث عن هموم الناس، وعيشهم اليومي، وطموحاتهم في حياة افضل….
فيا ايها السادة :
ان الكهرباء ليست ترفا برجوازيا بل هي التي تدير عجلة الانتاج، وتنير البيت والطريق وفيها الدفء، وفيها النسائم العذبة في نهارات القيظ…
وان الماء العذب الخالي من الجراثيم هو حق للمواطن في القرن الحادي والعشرين…
وان فرصة العمل هي مصدر الرزق..
وان الرغيف هو الذي يجعل الانسان يحيا…
وان قرص الاسبرين ضروري لتجنب الصداع المستديم والذي سببه الرئيس هرطقتكم ولغو الكلام…
وان السكن الصالح من ضرورات الحياة..
وهكذا مقعد الدراسة والهاتف والمذياع….
ويسأل الناس:
لماذا ظل العراق فقيراً بينما اغتنت دول الجوار وكان العراق اولها اخذا باسباب التطور وهو اكثرها ثراءاً؟
لماذا يحرم المواطن من ابسط مستلزمات العيش في بلد يمتلك الاحتياطي الاكبر من البترول مع خصوبة الارض ووفرة الماء..؟
ولماذا يحرم المواطن من حق الاعتراض على الشرطي بينما يعترض أي مواطن في الدول (الامبريالية) على رئيس الدولة ويقدمة للقضاء؟
لقد قلتم اننا نؤجل الرفاهية لصالح بناء الاجهزة الامنية… والجيش وما يعقب ذلك من (استقرار امني) لكنكم بنيتم لانفسكم العمارات وشامخات البيوت ولم تتذكروا الشعب المظلوم الا في المناسبات الدينية والاعياد القومية… والانتخابات…
ولقد قلتم ان المهم الان مقاومة الاستعمار والقاعدة….وعصابات القتل والسلب والنهب ومحاربة الفساد فلم تقاوموا الا الشعب الغلبان…
الحق اقول: كفاكم ارتزاقا بالمصطلحات، والمحفوظات، والحديث عن المخططات، فهذه كلها قد صارت بضاعة (بايره) اما اصحابها فهم، عند الناس، قد صاروا بين موضوع للسخرية والضحك أو موضوع للسباب والشتائم….