19 ديسمبر، 2024 5:49 ص

المواطن …. وعقدة الفساد

المواطن …. وعقدة الفساد

لا تزال ثقافة ألامبالاة وعدم الشعور بالمسؤولية اتجاه الفرد لذاته ومع الآخرين ،تسيطر بشكلاً أو بآخر على سلوكه خلال معاملاته اليومية سواء كان موظفاً أومواطناً،وتحت شعارات وعناوين ومسميات عديدة بثقافة هجينة تنطلق من كلمات (شعلية ،ومعلية ،وشلي شغلة ) أو لم يقل الرسول الأكرم (ص):(كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) ،وقول سيد البلغاء والحكماء علي (ع) (إياكم وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولي عليكم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم ) الجميع تقع عليه مسؤولية بناء الدولة ،فالدولة المدنية الحديثة يشترك جميع أفراد المجتمع في بناؤها وحمايتها ،فرئيس الجمهورية ،ورئيس الوزراء،والوزراء ،ومجلس النواب،لا يمكن لهم النهوض بكل متطلبات توفير الدولة وتامين استقرارها ،فالمواطن في النظم الديمقراطية هو المشارك الفاعل والمؤثر في عملية البناء والاستقرار والحفاظ على ممتلكات الدولة من العبث وعدم الأضرار بها ,والمشاركة في محاربة الفساد والمفسدين الذين يعيثون بالأرض فساداً لينشروا فوضى الخراب والدمار في دولة تحبو نحو الطريق للديمقراطية ،ولعل فلسفة عدم رضا المواطن من وطنه وتركه يستغيث بأولاده دون جدوى ليست وليدة اليوم لنحكم على المواطن بأنه لا يحب وطنه وأرضه ،لأن المجتمع العراقي وعلى مر العصور والدهور تعاقبت على حكمه أنظمة حكمت البلد بالحديد والنار وأحلت لنفسها كل شيء وبددت مقدرات الشعب بدم بارد ،وسعت عن قصد باختزال الوطن بحقوقه وواجباته بيد الحاكم وحاشيته وصنفت المجتمع لطبقات وغيبت العدالة والمساواة بين أفراد المجتمع ، ليفرز لنا ثقافة الحقد الكراهية ضد الدولة التي تحولت بكل مفاهيمها بأشخاص معينين على رأسهم (الصنم ) وأصبح المواطن ينظر لدولته بأنها العدو الأول له ولمعاناته،ويسعى جاهدا ليغتنم الفرصة للإطاحة

بها والنيل منها،فعقلية المعارضة التي نشا عليها منذ الصغر كانت بسبب غياب وعدم وجود المفهوم السياسي الحقيقي للمواطنة والذي يعتمد على الحقوق والواجبات للعلاقة المشتركة بين الأول والثاني،فضلاً عن غياب الحقوق المدنية والمتمثلة بحرية الرأي والتعبير والتنقل من مكان لأخر والحصول على المعلومة ،والحرية السياسية التي تسمح لأي فرد بالمشاركة السياسية في بناء منظومة الحكومة من خلال حرية التصويت لمن يجده مناسبا في حمل المسؤولية وحقه في الترشيح لأي منصب سياسي او حكومي، والحقوق الاجتماعية المتجسدة بتوفير حياة معيشية لائقة وتقديم الخدمات الضرورية ،والحقوق الثقافية التي تعني احترام حق الإفراد في التعبير عن خصوصيته الثقافية بكل حرية دون المساس بحرية الآخرين ،هذه الحقوق وغيرها لم تكن موجودة بسبب سطوة النظام الفاشي،والسؤال هو نفسه يسأله للمواطن لماذا نحارب ونكافح الفساد والحقوق مغيبة ومعدومة ؟ولعل ما حدث بعد سقوط جمهورية الخوف من حالات للسلب والنهب والتجاوز على ممتلكات الدولة وإلحاق الضرر بالمال العام ما هو الا دليل يؤكد رفض المواطن للمواطنة التي يعيشها والتي رسمها الطاغوت ليمسخ هويته ،فالمواطنة لا تتحقق آلا بتساوي جميع المواطنين في الحقوق والواجبات وتتاح للجميع نفس الفرص ،وهذا يعني ان الجميع متساوون أمام القانون ،فالتعايش والشراكة من العناصر والمرتكزات الأساسية التي يفترض توفرها بين المشتركين في الانتماء الوطن ,يحدث الخلل والاهتزاز عندما يشعر الفرد بالحيف والحرمان وتنغلق أبواب الأنصاف والعدل أمامه ،ويصبح متمردا على قيم المواطنة ،ويكون بمثابة قنبلة قابلة للانفجار، فالوطن الذي يجبر أن يعيش مواطنيه التمايز والتفرقة بتعددية أصولهم ، وانتماءاتهم الثقافية والسياسية ،وعقائدهم الدينية لا يمكن أن يحقق الضمان في وحدته واستقراره , الا بوجود مبدأ المواطنة التي ترتكز على منظومة سياسية واجتماعية وأخلاقية وقانونية متكاملة ,أن طريق الديمقراطية وانتقال السلطة بالشكل السلمي عن طريق الاقتراع في الصناديق التي تحدد

الوصول للسلطة هي الخيار الوحيد في تأسيس ثقافة حب الوطن في نفوس مواطنيه ،فقد نصت المادة (20) من دستور جمهورية العراق(للمواطنين رجالا ونساء وحق المشاركة في الشؤون العامة ،والتمتع بالحقوق السياسية بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح ) والمادة (13) من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد أكدت على دور المجتمع في التصدي والمحاربة لهذا المرض الخبيث ،والمشاركة لا تعني الانتخاب فقط وترك المسؤول دون محاسبة ومراقبة فتقويمه أن وجد الخطأ والنقد البناء للحياة السياسية والإخبار عن حالات الفساد التي يشخصها في مؤسسات الدولة هي مسؤولية إنسانية شرعية ووطنية ،فكل الأديان السماوية وقفت موقفاً صارماً من الفساد وأنزلت أقصى العقوبات بحق مرتكبيه وحقرت من قيمته لان الفساد لا يستهدف جزء معين وإنما يمتد ليشمل بناء الأسرة وينتج لنا مجتمع غير متماسك وحكومة ضعيفة ودولة هزيلة لا تصمد بوجه تحديات العصر.

أحدث المقالات

أحدث المقالات