20 ديسمبر، 2024 4:26 ص

المواطن والحكومة والثقة المعدومة

المواطن والحكومة والثقة المعدومة

يتسائل الصحفي والكاتب الانكليزي روبرت فيسك:” لماذا تبدو بيوت العرب غاية في النظافة، لكن شوارعهم والأمكنة العامة تملؤها القاذورات؟!” فيجيب هو على تساؤله قائلاً:” العرب يشعرون أنهم يملكون منازلهم، لكنهم لايملكون أوطانهم”.

أزمة الثقة بين الشعوب العربية وحكوماتها، تنتج تعارضاً واضحاُ بينهما، خاصة عندما نرى المسؤول يتنعم بخيرات الوطن، ويعيش رفاهية الحياة، وفي الجانب الآخر يعيش المواطنون الحياة البائسة.

علاقة الشعب مع حكومته، يجب أن تكون أساساً لكل خطوة تخطوها الحكومة في عملها، وهذه العلاقة تعتمد كلياً على ثقة الشعب بحكومته، وتُبنّى هذه الثقة من خلال الأفعال لا الأقوال، فالمواطن حتى يؤمن بقانون ما ليطبقه ويحترمه، لابد له أن يرى هذا القانون محترماً من قبل المسؤول أولاً، وإلا فإنه لن يحترمه.

احترام القوانين التي تضعها الحكومات، تعتمد على ثقة الشعب بتلك الحكومة، فإن كان الشعب ينظر لحكومته على أنها تستهدفه في مشاريعها، ولا تراعي حقوقه، -وطبعا هذه النظرة تكونت لديه من خلال مجموعة معطيات، منها الفساد المتفاقم بشكل كبير- لذلك هذه النظرة أعدمت الثقة عند المواطن، وبذلك خسرت الحكومة أهم عامل يساعدها في التعاطي مع مواطنيها.

فقدان الثقة بالقيادة يكون عاملا في عدم طاعتها، لذلك نجد أن الجيش الذي هرب أو خرج من الموصل، لم يكن مؤمنا بقيادته العسكرية، وهي التي تركته يصارع مصيره مع العصابات بلا قيادة، بعد أن خانته وخانت عقيدتها العسكرية، ثم نجد أن نفس هذا الجيش لكن بقيادة جديدة، عاد لينتصر في كل معاركة اللاحقة، وليس من سبب يفسر الاختلاف في الموقفين، سوى الثقة التي كانت عاملاً رئيسيا بين الجيش وقيادته، والتي أسستها فتوى المرجعية بالجهاد الكفائي في الأفراد والقيادات.

كذلك المشاريع التي تطرحها الحكومة، والضرائب المتعددة، ليس من السهل تقبلها، لانعدام العلاقة اللازمة بين المؤسسات الحكومية والمواطنين، فالمواطن يرى حجم الفساد وحجم الموازنات الحكومية، وكيفية تعامل الدولة معها، بطريقة غير صحيحة أفسدت كل علاقة بينهما، فكيف له أن يطمأن أن هذه الإجراءات الجديدة هي لمصلحته، مع علمه أن الثقة والعلاقة بين مكونات الحكومة نفسها مفقودة؟ ونشير هنا لتصريح رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، الذي قال أن هنالك خلل في وزارة الكهرباء، وقد أعطيت أرقاما كاذبة، وكان على الشهرستاني أن يخبرني بالحقيقة.

قانون خصخصة الكهرباء الذي تتبناه الحكومة العراقية، لابد له من بعض المقيدات، منها أن يكون هذا القانون داعما للفقراء وليس بالضد منهم، فمن المخجل أن نسمع بعض من الناس أو المسؤولين، يقولون أن الفقير لايملك “مكيف” وإن ملك “المكيف” فهو ليس فقيراً، وهذا المنطق هو إساءة لهذه الشريحة التي تعاني الأمرين، والآن يراد منها بهذا المنطق أن تحرم من العيش الكريم.

إذا كانت الحكومة عاجزة عن كبح الفساد في وزاراتها، فلايجوز لها أن تتعدى على حقوق المواطن، بحجة القضاء على الفساد، خاصة ونحن نرى الفاسدون يمارسون أعمالهم بكل حرية، وأمام أنظار الجميع، ومع هذا فأن الثقة الآن بين الحكومة والشعب تكاد تكون في أدنى مستوياتها، ومثل هذه القوانين تحتاج للشعب أكثر من غيرها من القوانين، لكي يتم تطبيقها لأنها تمس حياته بشكل مباشر.

أحدث المقالات

أحدث المقالات