من كان يرغب في الحصول على وصفة سحرية لقضاء عيد سعيد وأيام أخرى اسعد فلم يكن عليه إلا متابعة قناة العراقية إذ كان سيشعر بالنشوة وهو يقرأ في شريط الأخبار عن عدد الإرهابيين الذين القت القبض عليهم عمليات بغداد، وسوف (يشمت) بهم لأن القوات الأمنية عثرت على أوكارهم واستباحت خلاياهم وعثرت على أسلحتهم وكواتمهم وعبواتهم وذخيرتهم… وكان سيطمئن حين يدرك انه بالغ في تصديق خبر استشهاد عدد كبير من المواطنين على خلفية التفجيرات التي طالت مناطق مختلفة من بغداد ومحافظات اخرى يوم السبت الفائت، لان أخبار قناة العراقية تؤكد سقوط شهيدين و28 جريحا فقط في بغداد وعدد قليل منهم في جميع المحافظات التي شهدت عمليات إرهابية، كما سيشعر باطمئنان اكثر حين يتأكد ان رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة كريم بطبعه وهو (يحل الكيس) ويمنح مليون دينار لعوائل شهداء وجرحى التفجيرات الأخيرة وليس مولعاً بإطلاق الوعود فقط لمن يعيشون تحت خط الفقر على سبيل المثال حين يعدهم بخطة خمسية ترفع مستواهم المعيشي وتنتشلهم من واقعهم المزري ولكن (بعد خمس سنوات) وحتى ذلك الحين عليهم ان يزرعوا الصبر في بطون أولادهم الجائعة وقلوبهم المكلومة.
المواطن سيؤنب ويعنف نفسه بشدة أيضا لأنه سيكتشف انه المسؤول عن ازدياد الهجمات الإرهابية كما تدل عليه تصريحات مختصين في القناة لانعرف هويتهم فهو يقصر في إيصال المعلومة ليساعد على استتباب الأمن ويهمل واجبه في مراقبة الإرهاب للحد منه!!
لاننصح المواطن أيضا بمتابعة قنوات أخرى ترفع عدد الضحايا من الشهداء الى 70 شهيداً والجرحى الى 320 جريحاً لأنها ترعبه وتحول عيده المنتظر الى مأساة بهدف المنافسة الإعلامية واستقطاب مشاهدين اكثر لغرض ان يجري المواطن العراقي خلف من (يبكيه) وليس من (يضحكه) تطبيقا للمثل المعروف ورغبة في الحصول على قبس من نور يهديه الى الحقيقة.
المواطن إذاً يتحول الى كرة تتقاذفها القنوات الإعلامية بينما تغيب الحقيقة عنه تماما وسط هذا السباق الإعلامي ذي الصبغة الطائفية، خاصة حين يطل مسؤول في دولة القانون ليقول ان تفجيرات العراق لاتمثل تدهوراً أمنياً بل حربٌ مستمرة مع الإرهاب، ولأن المواطن العراقي مجبول على الحروب ومعتاد على قوانينها فعليه ان يؤمن بحقيقة ان الحروب تخلف ضحايا دون شك لذا يعتز بموتاه في التفجيرات فهم شهداء حرب شعواء مع الإرهاب حتى لو لم يمسكوا بسلاح في وجه إرهابي عدا حياتهم الضائعة بسببه.
الحقيقة التي يعيها المواطن في مختلف أنحاء العراق هي ان الخلل في الأداء الحكومي هو سبب الانهيار الأمني، فضلا عن الإصرار الحكومي على اتخاذ “سمة الحزم” في معالجة الأمور، والتهليل الإعلامي لذلك هو الكارثة بعينها فالرجل الحكيم الذي يقف في حزم هو رجل دولة، أما الرجل الأحمق الذي يقف في “حزم” فهو كارثة.