23 ديسمبر، 2024 10:41 ص

المواطن عبد الله وبلاد السويد

المواطن عبد الله وبلاد السويد

عبد الله مواطن عراقي فقير كغيره من الملايين التي تسكن مدن الوسط والجنوب ، لم يتجاوز عمره الأربعون عام ، كان يعمل أجيرا في أرض غيره ..في قريته النائية البعيدة عن كل أشكال الحضارة والتمدن والمفتقدة لأبسط احتياجات الكائنات الحية ، عاش هذا الرجل البسيط مع زوجته وأطفاله الثمانية في بيت صغير بني من الطين والصفيح ، وهو أرث أجداده الطيبين الذين سكنوا هذه الأرض ، نازحين من أرض الجزيرة العربية بعد الفتح الإسلامي ، طلبا للعيش الرغيد في هذه البلاد الغنية بمواردها ، الفقيرة بعدالتها.. أشتد الحصار الاقتصادي في منتصف تسعينيات القرن المنصرم والذي فرضته أمريكا وحلفائها على شعب العراق وليس على حكامه ، حين أقدم النظام على تقليص الحصة التموينية للفرد الواحد إلى النصف ، مما جعل كيلو الدقيق يعادل ثلث راتب المعلم العراقي آنذاك .. جاع عبد الله كما جاع فقراء العراق وربط الحجر على بطنه هو وعائلته الكبيرة وضاقت عليه الأرض بما رحبت ، في أحدى ليالي القحط الطويلة الأليمة هجع للنوم بعد أن أفرغ كيس التبغ الذي يدخنه ولف آخر سجائره ، نام جميع من في الدار بلا عشاء .
استلقى على ظهره نافثا دخانه الرخيص نحو السماء ، محدثا نفسه وزوجته التي بقربه عن أحلام وأمنيات هي أغرب من واقعه المزري الذي يعيشه..كان حلمه الذهاب إلى بلاد السويد التي سمع عنها من بعض سكان قريته الذين هرب إليها أقربائهم بعد انتفاضة آذار عام 1991، هو لا يعلم أين تقع السويد ولا من يحكمها أو طبيعة أهلها ، غير أنه سمع أن حاكمتها ملكة طيبة تطعم الفقراء وتؤويهم حتى لو كانوا غرباء عن البلاد ..وهي (بنت أجاويد) ، في بلادها لا يجوع ألإنسان أو الحيوان على حد سواء ولا يسلب حقهما أو تهان كرامتهما ، أنها البلاد البعيدة الواقعة خلف (البحور السبعة) ، هكذا أجاب زوجته حين سألته عن مكانها ، قرر في تلك الليلة الجائعة أن يذهب إلى السويد ، ونام على همسات زوجته وهو تقرئ على رأسه المعوذتين ظنا منها أنه أصيب بالجنون لكثرة ما عاناه ..مرت السنون على عبد الله وشاهد بأم عينه في نفس بيته الفقير، الصنم وهو يهوي على الأرض ..أغرورقت عيناه بالدموع فرحا ..عندها أخبر عائلته بأنه لن يذهب إلى السويد ، لأن العراق سوف يصبح (أحسن من السويد )..لكن بعد مرور أحد عشر عام على كلامه هذا ، شوهد المواطن عبد الله وهو متنقب بكوفيته العربية الغارقة بسرمدية الحزن الجنوبي ، في أحدى التظاهرات ، محاولا معرفة مصير أبنه الذي فقد في قاعدة سبايكر وجل أمنياته وأقصى غاية حلمه أن يراه مجددا أو أن يدفنه بيديه في هذه الأرض المسكينة التي يفصلها عن السويد البحور السبعة.