23 ديسمبر، 2024 5:37 م

المواطن العراقي وإشكالية فهم الحرية

المواطن العراقي وإشكالية فهم الحرية

ان ما يعيب فهم الحرية في أغلب مجتمعات الدول النامية هو التعمد في تغليب السلوك القبلي على القانون ، وارجاع هذا التصرف وربطه بالعادات والتقاليد ، متناسين أن هذا القانون جاء نتيجة لتطور هذه العادات وتلك التقاليد، وهو نتاج طبيعي للتطور البشري ، وفي العراق ، يتصرف المواطن المسؤول وكان الحرية يقصد بها العبث بالوظيفة والمال العام على نحو غير مقيد إنما هي الحرية المطلقة ، وأنه بالتالي بمأمن من أية محاسبة أو مساءلة ، ولقد كان لتصرف الكثير من المسؤولين ، بعد السقوط، المثل الصارخ على ذلك ، فلقد بلغ عدد الوزراء المتلاعبين بالمال العام أو المخالفين للتعليمات الإدارية والمالية 48 وزيرا ، وهناك أكثر من 240 مديرا عاما ،أو من هو بدرجة خاصة فسر الحرية على أنها فرصة مناسبة لخرق القانون والعبث بالتعليمات المالية وضوابط الصرف للمال الحكومي ، كما أن البعض منهم أو أغلبهم حول الوزارة أو الدائرة إلى ضيعة من ضياع عشيرته، وأخذ يقيم الدعوات والولائم ، بالأسلوب القبلي ، وعلى نفقة الدولة والمال العام . مستغلا فسحة الحرية المتاحة أو ضعف الدولة وقياداتها العليا أو مستغلا فساد هذه القيادات نفسها ، مما أفقد الخزينة الكثير والكثير من الأموال العامة . أما المواطن العادي ، فهو الآخر أخذ مفهوم الحرية على أنها أفعل ما شئت ، فأخذ يسكن البنايات الحكومية ، أو يؤجرها للغير ، أو يسيطر على الأراضي العائدة للدولة ، أو يستحوذ على الأرصفة أو المساحات العائدة للدولة أمام داره ويضعها إلى ممتلكاته ، ولقد سيطر الكثير من العامة على المساحات الخضراء وحولها إلى أبنية ومشييدات خاصة ، أو أخذ علنا يسير وهو يقود السيارة متفاخراً بعكس الاتجاه ، والبعض الآخر حول أحياءا سكنية إلى مناطق صناعية ، والكثير حول الأرصفة العريضة إلى ورش لغسيل السيارات ، ونوع آخر حول الشوارع إلى مراعي للأغنام أو مناطق للنحر وأمام المارة ، أو ان حدادا اقام ورشة الحدادة بالقرب من المدارس وهو يقطع الحديد مسببا الصوت المزعج المعرقل للعملية التربوية ، وهناك الكثير من الظواهر والأفعال التي تمارس اليوم وهي بعيدة جدا عن مظاهر التحضر أو حتى عن عاداتنا وتقاليدنا ، والسبب يعود إلى أن الفرد العراقي لم يتعود على الحرية ، أو أنه كان يطبق القوانين بفعل القوة الغاشمة ، ويرى الكثير من المطلعين على الأمور أن الحرية لم تعد تناسب هذه الأجيال وأنها بمثابة الإشارة نحو العبث بالمجتمع وأنها بدأت تجر العراق تدريجيا نحو عصور الظلام ، والحل هو الإتيان بحكومة قوية نزيهة وجهاز قضائي محمي وشرطة متعففة وتقييد محسوس للحرية ، كي يخاف المسؤول والمواطن من سطوة القانون ، وإلا فإن الوقت يمضي وهذه الافعال تتجذر وسوف تصبح قوتها فوق قوة القانون، وعندها لا يفيد الندم .