18 ديسمبر، 2024 8:21 م

المواطن العراقي …بين ساسة التنظير وساسة التركيع

المواطن العراقي …بين ساسة التنظير وساسة التركيع

الواضح اليوم بعد إنتخابات تشرين الأول 2021 إن هنالك تفاعلات كثيرة حدثت في الساحة العراقية بعد فشل القوى السياسية للوصول إلى طريقة مناسبة لتلبية التوقيتات الدستورية فهذه القوى عجزت عن تسمية شخصية رئيس الجمهورية وإنتخابه وعجزت عن تسمية شخصية رئيس الوزراء ومن ثم تكليفه ليتم إنتخابه رغم مضي ما يقارب أكثر من ثمانية أشهر على إجراء الإنتخابات…ولم يحدث في النظم البرلمانية في جميع أنحاء العالم أن يتمتع البرلمان بعطلته التشريعية للفصل التشريعي الأول دون إنجاز هذه الإستحقاقات الدستورية، وهذه بدعة جديدة تطفو على السطح في ما يسمى بالديمقراطية في العراق التي وعد المحتل بإنها سوف تكون نموذجا يحتذى بها من قبل بقية الدول فجاء مشهد الديمقراطية العراقية مشهدا مضحكا ويثير السخرية والتندر عليه من خلال فشل متراكم في قيادة البلد على مدى 19 عاما بما رافق هذه الحقبة المظلمة من تاريخ العراق من قتل وتشريد وتهجير لقد تعرض العراق إلى ابشع جرائم الإنسانية وأصبح مستباح لجميع الدول وسٌرق تقريبا كل ما يمكن سرقته من العراق كل ذلك تحت خيمة يطلق اصحابها على انفسهم شيعة أهل البيت لكن في حقيقة الأمر هم ابعد ما يكونون عن نهج آل بيت رسول الله (ص).  

لقد أشاعوا الفساد بكل أشكاله في هذا البلد من دعارة إلى دور القمار إلى إنتشار المخدرات وغيرها الكثير الكثير، لكن ما تبع إنتخابات 2021 من نتائج كانت كلها تصب في إفراغ الدولة العراقية من محتواها فضرب الدستور عرض الحائط وضربت قرارات السلطة القضائية عرض الحائط وتصرفت الحكومة التي يفترض إنها حكومة مستقيلة وليس لها سلطة كونها مجرد حكومة تصريف الأعمال على إنها حكومة كاملة الصلاحيات فراحت تعقد الاتفاقيات والتفاهمات مع الدول وترسل مشاريع قوانين للبرلمان لغرض تشريعها وهذه كلها مخالفات دستورية ورغم إن المحكمة الإتحادية حددت صلاحيات حكومة تصريف الأعمال إلا إن الحكومة لم تلتزم بذلك على الاطلاق يساندها برلمان عاجز عن فعل أي شيء سوى محاولته للتحكم بالاموال العامة من خلال تشريعات متهرئة لم تشهد الدول مثيلا لها…

كل ما تم ذكره آنفا يمثل الوجه الظاهر للعملة المزيفة التي تحكمت في مقدرات الشعب العراقي وأوصلت العراق إلى ما وصل إليه وهو وجه قبيح بكل ما تحمل الكلمة من معنى ومرفوض من قبل الشارع رفضا تاما وحتى المرجعية الرشيدة التي قادت تحرير العراق من نجاسة الدواعش رفضت هذه الطبقة السياسية وأغلقت ابوابها بوجهم، لكن لو قلبنا العملة وحاولنا النظر إلى الوجه الآخر الذي هو أشد قبحا من الوجه الأول فسوف نلاحظ إن انتخابات 2021 أفرزت لنا خريطة سياسية جديدة في العراق هذه الخريطة متملثة بمعسكرين، اما ما يسمى بالمستقلين فهذه أكذوبة لا يصدقها فقط السذج من الناس

المعسكر الأول هو معسكر التنظير…يملك هذا المعسكر منظرين من الطراز الأول على النمط الإفلاطوني لهم القدرة الكبيرة من خلال تنظيراتهم أن يقلبوا الحقائق رأسا على عقب ولهم قدرة كبيرة على الإقناع لكن حينما تآتي للتطبيق تجدها تنظيرات عقيمة وتجربة 19 سنة أفرغت تنظيراتهم من محتواها ولم يعد الشعب يصدقهم…فالبطون الجائعة لا تشبعها التنظيرات إنما تشبعها قطعة الخبز التي حرم الشعب منها…لقد اثبت معسكر التنظير هذا إنه لا يملك رجالات دولة على الإطلاق قادرين على البناء…إنما يملك رجالات سلطة رجالات مستعدين التنازل عن كل شيء من أجل منصب رجال أصلا لم يعد لهم إرتباط بالعراق إنما إرتباطهم بالدول التي جنستهم وقد شاهد الشعب كيف حمل بعض المنظرين الإفلاطونيين حقائبهم وعادوا إلى دولهم الأخرى…وعند ما تحين لهم الفرصة من جديد سوف يسارعون للمجيىء للعراق مرة أخرى بحثا عن منصب هنا أو هناك…معسكر التنظير هذا فقد كل قواعده الشعبية وبات عاجزا عن مواجهة جماهير الشعب العراقي بعد كل هذه الكوارث التي حلت بالشعب وخصوصا في المحافظات الجنوبية…وقبع في زاوية سيطر عليها من العاصمة العراقية بغداد أطلق عليها المحتل بالمنطقة الخضراء محمية بواسطة  شركات حماية أجنبية لانهم لا يثقون لا بالجيش ولا بالشرطة العراقية….لكن للاسف فإن هذا المعسكر لا يريد أن يستفيد من تجاربه الفاشلة المتراكمة لتصحيح المسارإنما بمجرد أن حانت فرصة أخرى للإستحواذ على المناصب راح يعكس الحقيقة المرة لفلسفته فلسفة التنظير وراح يطرح أسماء أو يسرب أسماء كلها أسماء إستهلكت نفسها لكي يقلدها هذا المنصب أو ذاك وأغلب هذه الأسماء من الصف الأول لمعسكر التنظير الإفلاطوني ويحملون جنسية بلد آخر…هذا المعسكر لا يصلح لقيادة الدولة لأن الدول لا تقاد بالتنظير   والمكان الحقيقي لهذا المعسكر إذا رغب في البقاء ضمن العملية السياسية هو المعارضة…ففي المعارضة يكون للتنظير الإفلاطوني غير القابل للتطبيق فعلا أقوى وسوف تكون تنظيراتهم مسموعة خصوصا إذا كانت تحاكي عواطف المجتمع…أما قيادة الدولة التي تحتاج في ما تحتاج إلى فعل ملموس على الأرض يمكن ان نطلق عليه التنظير التطبيقي فهم لا يملكون رجال قادرة على إدارة شؤون الدولة.

المعسكر الآخر الذي أفرزته إنتخابات 2021 هو معسكر التركيع….هذا المعسكر إستحضر كل أساليب الحكومات التدكتاتورية وممارساتها الإجرامية بحق شعوبها من خلال إشاعة ثقافة الخوف التي يعتقدون إنها سوف تقود إلى تركيعهم والقبول بأقل شيء…حاول هذا المعسكر توظيف السياسات الدكتاتورية في قيادة الشعب العراقي ولم يستفيد من نتائج التجربة أو التجارب الدكتاتورية السابقة والتي كانت من نتائجها بإنهم بدلا من تركيع الشعب وجعله عجينه طرية في ايديهم انتجت حقدا دفينا داخل صدور المجتمعات ضد هذه الدكتاتوريات وقد تجلى هذا الحقد عندما سقطت بكل معاني التجلي وعكست رفض المجتمع لكل شكل من أشكال الدكتاتورية في ممارسة السلطة وكان المشهد العراقي نموذجا…هذا المعسكر أساس قيامه هو محاولة الحصول على أعلى المكاسب من خلال ممارسة السلطة التي تستند على مبدأ الخوف وصولا للتركيع…كما في المعسكر الأول فإن هذا المعسكر يفتقر إلى رجالات دولة مؤهلة لقيادة الدولة وكذلك يفتقر إلى منظرين افلاطونيين يستطيعون من خلالهم تجميل الواقع المر…لكنهم يملكون من الرجال القادرين من خلال الترهيب جعلك تقول إن الأرنب هو غزال…

قيادات هذا المعسكر لهم السلطة المطلقة وكلامهم يعتبر كلام منزل لكنهم في حقيقة الآمر ليس أكثر من وكلاء لتنفيذ أجندات خارجية داخل العراق بالطريقة التي يؤمرون في تنفيذها…يعتبرون حضنهم الحقيقي دول التطبيع في المنطقة من الإمارات إلى قطر فالسعودية ثم مصر وأخيرا الإردن إقاماتهم الرسمية موزعة بين الأردن وقطر والإمارات ولا يأتون إلى العراق إلا عند ما تتطلب الحاجة لوجودهم…لا يهمهم العراق أيضا لا من قريب ولا من بعيد وهمهم الأول سرقة أموال البلاد بطرق هم متفننين فيها.  هذا المعسكر هو معسكر مسًير بالكامل من الخارج…أجهزة مخابرات هذه الدول توجههم ذات اليمين وذات الشمال وتحدد لهم صديق العراق من عدوه وهم ليس أكثر من ابواق للدول التي تحركهم.

المعسكران معسكر التنظير الإفلاطوني ومعسكر التركيع الدكتاتوري قد يبدو إنهما معسكرين متراصين إنما في حقيقة الأمر هما من الهشاشة إلى درجة قد ينفرط عقد كلا منهما عند تضارب مصالح أطراف كل معسكر وهم من الناحية الإستراتيجية متفقان على عدم بناء الدولة العراقية، ومتفقان على إن وجودهم في العراق مجرد لتحقيق مصالحهم لكن هذا التناحر الذي يطفو على السطح ليس أكثر من تناحر على المغانم….والظروف التي مر بها العراق أنهت صلاحية المعسكرين وهذ انعكس في عدد المشاركين في إنتخابات 2021 حيث لم يتجاوز العدد 20% من مجمل من يحق لهم الإنتخاب ماذا يعني هذا على الخريطة السكانية يعني إن هناك 80% من الشعب العراقي أي ما يعادل 22 مليون عراقي من الذين يحق لهم الإنتخاب هم رافضين لمجمل العملية السياسية في العراق من 2003 ولحد الآن، وإن الديمقراطية التي يتبجحون بها هي ديمقراطية عرجاء ليس عرجاء فقط إنما مقعدة كليا ومصابة بالشلل….

هذا الرفض الشعبي الشاسع للنظام بالتأكيد سوف تكون له إنعكاسات خطيرة في الشارع والخطورة تكمن في إستثمار هذا الرفض من قبل القوى الخارجية لإشاعة الفوضى وربما تتكرر إنتفاضة تشرين ليس مرة واحدة ولكن مرات عديدة طالما الظلم مستمر وهناك من يخطط من معسكر التركيع الدكتاتوري لتحريك الشارع تحت شعارات تدغدغ مشاعر الجمهور ثم بعد ذلك يركب الموجه فهو اصبح ضليع في إستثمار هذه الأوضاع من أجل تحقيق أهدافه المعلنة وأهدافه غير المعلنة.