19 ديسمبر، 2024 2:45 ص

المواطن العادي(البسيط)…..المواطن الخارق

المواطن العادي(البسيط)…..المواطن الخارق

لكل كلمة أو عبارة معنى قد لاتعكس بدقة معناها اللغوي الصرف كما هي أو كما كلماتها موصوفة في القواميس وإنما تعكس ما خلقتها من مفهوم في المجتمع و ترسخت في الأذهان مما خلَف المفهوم منها إنطباعاً أثرت على أخلاقيات المجتمع وعلى ضوءه يتصرف المجنمع تجاه المعنى المفهوم لا الحقيقي و يعتاد عليه حتى لو كان خطأُ لغوياً أو خطأً على المستوى الإنساني.
العبارة التي أريد أن أقف عندها اليوم هي عبارة لطالما أزعجني سماعها، و مع أنها تعطي معناً بشعاً جداَ إلا اننا نسمعها يوميا وأصبحت من الأمور والعبارات المتداولة بكثرة و حتى من قبل المثقفين والمتنورين و حتى في الإعلام، من غير أن يلتفت أحد لما تمثله هذه العبارة من إنحطاط للقيم ألإنسانية و تحقير لقسم كبير من المجتمع من منظور مساواة البشر المعترف بها فى جميع الشرائع السماوية والنظريات الانسانية والقوانين الوضعية المحترمة، وأنها إمتهان واضح يمارس على الأغلب بدون قصد او فهم وهنا تكمن الكارثة بالذات فلو أنها أستخدمت بشكل مقصود ومن قبل المستفيدين من وجودها كانت محل إعتراضٍ فقط و ما كانت محل إستغراب وتسائل بل الإستغراب الأكبر يأتي عندما تستخدمها المتضررين منها اكثر من غيرهم.
بعد هذه المقدمة البسيطة قد يستغرب البعض عند كشف العبارة ويتسائل كيف أن هذه العبارة تحمل كل هذة الإهانات و لماذا هي مؤذية بهذا الشكل البشع، وسبب الإستغراب مفهوم ومعروف وهى الإعتياد على تناولها المستمر بشكل اليومي مع عدم الإنتباه لما فيها من معاني خفية مذلة، ولأنها ترسخت في الأذهان وأصبح مفهومها مقبولاً و قولها لايخدشً ولايجرح الإحساس، ولكي لاأطيل عليكم أكثر، فتلك العبارة المتهمة هى عبارة(المواطن العادي او المواطن البسيط) فمن منا لم يسمعها أو لم يستعملها أو حتى لم يصف بها نفسه على سبيل التواضع أو الشكوى.
ولأن لكل شيء تقريباً ضد ولأن الشيء بضده يٌعرفٌ إذاً مادام هنالك مواطن بسيط فلابد أن يوجد مواطن غير بسيط أو خارق و ما أن عرفنا هذه الحقيقة وهذه الإزدواجية لهوية المواطنين ندرك أن العبارة السالفة الذكر اول ماعملت من سوء أنها قسمت المجتمع على أساسِ طبقي مقيت، طبقة الخواص والعوام مما يلغى من الأساس فكرة المساواة ودولة المواطنة بحسب كل نظريات.
ولكن لنسأل ماذا تعني عبارة المواطن البسيط من وجهة النظر الشعبية؟ والتي قد أخذت من سياقها وأصبحت عبارة إعتيادية:- هي ببساطة تعني المواطن الغير المنخرط في السياسة (بما أن الكل منخرط في السياسة بشكل أو بأخر) فالمقصود هو من لم يتخذ السياسة كحرفة او من ليس لديه منصب كبير في الحكومة أو الدولة أو من لايمتلك أي نفوذ أو من ليس غنياً غناءاً فاحشاُ وبما إنه ليس من ما ذكر و البتالي فأنه إذاً يوضع أو حتى هو يضع نفسه في درجةٍ أدنى من الفئات المذكورة من سياسين وذوات نفوذ وأغنياء وبذلك يكون المجتمع قد رسم خطاً فاصلاً بين الطبقتين و قسمهم الى أعلى و أدنى .
وبما أن الحالةٌ هكذا، فتترتب عيلها تبعات ومنها أن المواطن العادي الأدنى لايحق له العبور الى الأعلى الا بمعجزة ولأنه عادي وبسيط فهمه الوحيد يجب أن يكون لقمة العيش وذلك فقط بدرجة الكفاف (والا تعتبر سرقة وإختلاس) و مجابهة أعباء الحياة وإجتراع المصاعب والرضا بالقليل وحتى القبول بالظلم والواقع المرير والمشي جنب الحائط وتجنب المشاكل وعدم النظر الى فوق و عدم الحلم بواقع أفضل ولايحق له الأعتراض والتشكي ويكون دائم الإعتذار حتى عن أخطاء لم يرتكبها وفوق كل ذلك يجب أن يكون مواطنا مطيعاَ للقانون كما يقال:-(Law abiding citizen) و إبداء الطاعة العمياء للقانون الموضوعِ له من قبل الطبقة المخملية، واجب مقدس يجب أن لايحيد عنه، وإن لاسمح الله قام بخرقه بشكٍلٍ من الأشكال فسوف توقع عليه أقسى العقوبات المنصوصةِ عليها في القوانين النافذة في البلاد، وإن أقدم على فعلٍ أغضب أحداً من الطبقة الأعلى وحتى إن لم يكن ذاك الفعل مخالفاً لأي قانون فسيعاقب بوجود القانون أو بدونه ولا إعتراض.
اما المواطن الخارق للعادة والفائق فهو على النقيض تماما فهو الممسك بلقمة العيش والمتحكمِ بها شاء أعطها أو منعها، وإغتصابه للأقواتِ والحقوق لاتعتبر سرقة وإنما حق طبيعي ومكتسب في نفس الوقت وهو الذي يظلم ولايٌظلم ولارادع له وهو الذي يخلق الواقع كيف يشاء ويخلق المشاكل لمن يريد و وقت مايريد، يقرر السلم والحرب و يكرم ويذل و هو الذي عندما يعطي الفتات من الحقوق يعتبر واهباً خيراً، وهو الناظر من الفوق والمتكبر وهو الذي لايجب النظر اليه بعين الحسد والغيرة وهو الواضع للقوانين ومنتهكها في آنٍ واحد فهو فوق القانون بل هو القانون .
كل هذه القبح والشناعة ومجتمعاتنا متقبل لهذا الذل، معتاد عليه لايشتكيٌ، مستكين يعتبر الأمر من المسلمات التي لايجب المساس به وان الأمر من سنن الحياة. مع أن الدنيا تتغير من حولنا بإستمرار وأن الأخرين قطعوا أشواطاً في هذا المجال وأن المواطنين في البلدان التي تحترم نفسها وأهلها لهم حقوقٌ و فرص متساوية و هناك يوجد فقط (المواطنون) بدون ألقاب لا عادي ولا أصلي، تفعل خيراً تثاب وتفعل شراً تعاقب كائناً من كنت، وكل هذا يحصل معنا ونحن المرددين دائما فقط باللسان ( لافرق بين عربي وأعجمي..)ولا نطبقه.

أحدث المقالات

أحدث المقالات