17 نوفمبر، 2024 11:23 ص
Search
Close this search box.

المواطنة وما يترتب عليها 2/2

المواطنة وما يترتب عليها 2/2

تناولت المقالة في الحلقة السابقة المواطنة على صعيد سلوك المواطن العادي.
أما السياسي، الذي هو ليس مواطنا عاديا، بل هو مواطن مسؤول عن سائر المواطنين وخادم لهم. لذا فإنه إذا قدم هويته الجزئية (الشيعية، السنية …) على هوية المواطنة، لاسيما في أدائه السياسي (الخطاب السياسي، الموقف السياسي)، فهذا عندها ليس مجرد خلل، بل خطأ وخطأ فادح، ويترتب عليه ضرر على الشأن العام. وإذا ما بلغ السياسي مرتبة من مراتب تقديمه لهويته الجزئية، مما ينبغي أن يحظر عليه النشاط السياسي، ذلك بتشريع قانون رادع بهذا الصدد.

 

نحن لا نحتاج إلى سرد الأدلة النظرية على أضرار ذلك على قضايا الوطن، بل تكفينا تجربة ما بعد التاسع من نيسان 2003 حتى يومنا هذا دليلا لا يقبل الشك.

وهناك مرتبة أرقى من كل من المواطنة والوطنية، ألا هما المواطنة الكونية، كمرتبة أعلى من المواطنة في حدود الوطن الصغير، والنزعة الإنسانية التي تعلو فوق النزعة الوطنية. هذا يعني تطبيق قاعدة أخلاق الحد الأدنى في أن يحب الإنسان لغيره ما يحب لنفسه، هو أن نحب لسائر الشعوب ما نحب لشعبنا. وما المواطنة في إطار الوطن، إلا التجسيد الممكن والمصغر للمواطنة الكونية، أي الإحساس بالانتماء إلى الوطن الكبير (كوكب الأرض).

 

مشكلتنا بعد 2003 إنه قد جرى التأسيس لدولة المكونات، بدل دولة المواطنة، على أنقاض ديكتاتورية صدام وحزب البعث. لذا لا بد في السياسة وإدارة الدولة من اعتماد مبدأ المواطنة حصرا، وتحويل العراق من دولة مكونات إلى دولة مواطنة.

 

المواطنة تعني فيما تعني المساواة، مساواة المواطنين نساءً ورجالا، مسلمين وغير مسلمين، عربا وغير عرب؛ مساواتهم أمام القانون ومساواتهم في جميع حقوق المواطنين على الدولة، كما هم متساوون في واجباتهم، لا نقول تجاه الدولة، بل تجاه بعضهم البعض كمواطنين في هذا الوطن، وما الدولة فيه إلا الإطار التنظيمي لإدارة ورعاية شؤون الوطن والمواطنين. والدولة كالأم لا تفرق بين أطفالها، لا بين الأولاد والبنات، ولا بسبب اختلاف أمزجتهم أو اختلاف أطوال قاماتهم أو اختلاف ألوان عيونهم.

 

أخير لنطرح السؤال، إلى أي مدى يصح زعمي التلازم بين المواطنة والعلمانية، وما هي أدلتي على ذلك. فقد يقال إنه من الممكن أن نتصور دولة قائمة على أساس المواطنة، ومع هذا هي ليست علمانية. الجواب واضح جدا، وإن كان الكثيرون لم يلتفتوا إليه. بالنسبة للعراق كواحد من البلدان ذات الأكثرية المسلمة، إذا تساءلنا ما الذي يقابل الاتجاه العلماني على الطرف الآخر، فسيكون الجواب بالبداهة إنه تيار الإسلام السياسي. أحزاب الإسلام السياسي في العراق، وهكذا في كل الدول ذات الأكثرية المسلمة، هي من حيث ما موجود على أرض الواقع، وليس من حيث افتراض إمكانية وجوده، هي أحزاب إما شيعية، وإما سنية. إذن هذه الأحزاب ليست قائمة على أساس مبدأ المواطنة، بل هي مغلقة للشيعة هنا وللسنة هناك. وعلى فرض وجود حزب إسلامي عابر للطوائف ومستوعب للمواطنين بقطع النظر عن مذاهبهم، فإنه ولكونه حزبا إسلاميا يكون بالضرورة حزبا منغلقا على المواطنين المسلمين، وبالتالي هو ناقض لمبدأ المواطنة أيضا. لذا فمبدأ المواطنة لا يتحقق تطبيقه إلا في ظل العلمانية، والعلمانية هي الأخرى لا تكون علمانية، ما لم تعتمد المواطنة، كما إن العلمانية هي الضامنة للسلم الأهلي، خاصة في مجتمع متعدد الأديان والمذاهب.

 

وبما أني طالما أكدت التلازم بين العلمانية والديمقراطية، فالديكتاتوريات اللادينية لا ينبغي عدها نظما علمانية، لأن العلمانية جاءت أصلا كصمام أمان إضافي للديمقراطية، وسد لثغرة من ثغراتها، التي يمكن أن يتسرب من خلالها نقيض الديمقراطية، فيكون بذلك الإسلام السياسي نقيض الديمقراطية.

 

وحيث إن قانون الأحزاب الحالي، مع ما عليه، يوجب اعتماد مبدأ المواطنة حصرا في تأسيس الأحزاب، وبما أني أثبتُّ التلازم الذي لا انفكاك فيه بين المواطنة والعلمانية، فكأننا بقانون الأحزاب اشترط العلمانية لترخيص الأحزاب. شرعوه ولم يلتفتوا أنه لو طبق، لكان في ذلك مقتل الإسلام السياسي ونهاية الأحزاب الخاصة بهذه أو تلك الطائفة، أو شرعوه، وهم يعلمون أنه لن يطبق ككثير من القوانين والمواد الدستورية.

 

ملاحظة: المقالة عبارة عن توسع في محاضرة ألقيتها مساء اليوم (25/01/2021) على الزوم في إطار البرنامج الثقافي لـ (التجمع العلماني العراقي).

 

أحدث المقالات