23 ديسمبر، 2024 7:35 ص

المواطنة وصناعة الرأي العام

المواطنة وصناعة الرأي العام

البعض يرى ان المواطن العراقي يعيش حالة من السلبية والكسل تعد من اكبر الاسباب التي ادت الى عدم الاستقرار واستمرار حالة الفشل ، ربما يكون هذا الامر صحيحا ..فالمجتمعات تقوم على جهود مواطنيها ..وفي الحالة العراقية فان ذلك يبدو مجسدا وواقعيا ، فالمواطن العراقي يتصف بسلبية كبيرة ومشخصة وتتمظهر هذه السلبية باشكال وصور عدة منها ، عدم الانضباط والالتزام بالتعليمات المنظمة لحياته المتمثلة بتنقلاته وممارسة عمله والحصول على حاجاته ، وعدم احترامه للقانون وسيادته وانكفائه المستمر نحو ذاته و عدم اعتماده على الاخر وعدم الثقة فيه ..وهو يشعر ان الاخر منافس له ازاء اي امر يتوجه اليه .. اضافة الى هذا فانه يشعر ان المجتمع كل المجتمع لا يشكل لديه وعاءا امنيا مطمئنا بمعنى اخر انه يشعر ان الاخر خارج عالمه ويتوجس منه خيفة ..ولكن لماذا هذا التوجس ؟ ما هي اسبابه ؟ وهل هو شعور اصيل ام جديد ؟!

في البدء دعونا نتتبع اسس تكون اتجاهات السلوك الفردي لدى المواطن العراقي ونحن هنا نركز على المواطن الذي يفترض ان يكون له موقف ازاء المجتمع ذلك هو المواطن بين 20 الى 70 سنة ..او من صنفته المرحلة الجديدة على انه الاساس في نظام الحكم الديموقراطي .

الاسس التي تستند عليها المواطنة لا بد ان تكون تاريخية وبيئية واقتصادية وثقافية ..من الناحية التاريخية فان المواطن العراقي يتمتع بتاريخ حضاري اصيل فهو ابن البابليين والسومريين والآشوريين والفاتحين العرب ..لكن هذا التاريخ مقطع وغير متواصل ..لا بل انه في بعض محطاته اصابه العطل والدمار واحيانا التخلف والتقهقر ..ومنذ زمن ليس بالقصير فان المواطن قد تعرض للانتهاك والذل والعبودية ..وتبادلت الامبراطورية الفارسية والعثمانية اذلاله واستعباده ، ثم ياتي التاريخ الحديث وتحديدا منذ اتفاقية سايكس بيكو فيجد ان لا الامبراطورية الفارسية ولا العثمانية تحكمه ، مع الاحتفاظ بالثقافة التي كانت تربطه مع هاتين الامبراطوريتين الا وهو الدين الاسلامي الذي هو ضمنا اصلا ثقافيا عربيا .. وهنا نسأل سؤالا مشاكسا ، لماذا اصبحت المناطق الجنوبية والشرقية بثقافة دينية شيعية ، والمناطق الشمالية والغربية بثقافة دينية سنية ؟! ولماذا اصبحت بغداد تركية بثقافة دينية سنية وايرانية بثقافة شيعية ( اليهود والمسيحيون يشكلون ثلثي سكان بغدان في بداية الخمسينيات) ، انها اسئلة عارضة لم نجب عليها الان.

الجنوب دلتا زراعي وكثيف بسكانه الفلاحين الفقراء الذين يصنفون بسلسلة قرابات تحت حماية قبائل عربية كبيرة وقوية وكذا الامر في الشرق والفرات الاوسط ..بعد سايكس بيكو هاجر قسم كبير من هؤلاء الى بغداد ..في الغرب سهل صحراوي بامتداد الجزيرة والشام وفي الشمال جبال الاكراد .

اقتصاديا فلاحون بدون ارض في الجنوب “شبه اقنان” لاحقا مهاجرون في بغداد ..رعاة وبدو وزعماء مسلحون في الغرب وبادية الجزيرة ..فلاحون شبه اقنان لدى اغوات الشمال الكردي ..تجار ايرانيون في بغداد وصناع اتراك في بغداد وبيوتات عسكرية ..عربية. وبيوتات يهودية ومسيحية سكان اصليون في بغداد.

مات الاقطاعيون وجاء النفط وعوائده وصار العراق بلدا فيه اموالا طائلة ..السلطة لمن ؟ ومن ياخذ الاموال ؟ ومن يوزعها ومن اين يتدفق النفط ولمن يباع ؟

مع النفط توسعت التجارة وبعض الصناعات وتكونت الطبقة المدنية او المدينية الوسطى فجمعت كل الثقافات وتعلمت وسكنت في بيوت طابوقية .وصار لديها مثقفون وفنانون وعمال وموظفون وعسكر وجامعيون وطلاب ونساء متعلمات وموظفات واثرياء بلا اصول ارستقراطية ونصابون ومنحرفون ومجرمون ومصلحون وسياسيون وكل اصناف اامجتمع المديني .

اصبح العراق بلدا غنيا ..لكنه لم يتحول الى بلد صناعي ولا زراعي ولا سياحي ولم يكهرب قراه ولم يبني بنية تحتية رايخة ولم يعلم كل ابناءه ولم ولم ولم يستثمر اموال النفط سوى في حرب مع ايران وحرب مع الكويت وحرب مع امريكا وحرب مع امريكا وحرب مع الشيعة وحرب مع السنة وحرب مع الشياطين وحرب مع داعش .

نحن ننتظر ان يكون المواطن علا .ونسال سؤالا كبيرا ..هل المواطن يحب بلده العراق؟!

من هم صناع الراي ..المثقفون، الاعلاميون .الصحفيون ، الفنانون بكل اصنافهم، الادباء ، رجال الدين،السياسيون ، الناشطون المدنيون ، رجال الاعمال ، امراء القبائل ورؤساء التجمعات العشائرية .. اساتذة الجامعات .المشاهير والشخصيات العامة

من بامكانه ان يؤثر على المواطن العراقي وجعله يقترب من السلوك الذي يجعله جمعيا قادر على التغيير والخلاص من الماساة الحالية ؟!

صناع الراي بامكانهم ذلك ..فالمواطن ما هو الا منظومة من الانفعالات المقابلة لما يؤثر على حياته في محيطه ..وهو بكل الاحوال بحاجة الى الحد الادنى من الاحساس

الذي يمكنه كانسان من المساهمة مع المجموع ليحقق به توازنه وقبوله بينهم . اي بعبارة اخرى هو بحاجة الى ان تكون عينيه اوسع ليدرك افق الحقوق والواجبات الخاصة به.

وفي الحالة العراقية ، نحن نفترض باننا نعيش حالة من التبدل الجذري لمجمل الواقع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي ..والصراع السياسي العنيف الذي يصبغ مجمل الصورة العراقية فانه بلا شك يؤثر تماما على سلوكية وموقف الانسان العراقي اينما كان مكانه ،

من هو المواطن ؟ ومن هو صانع الرأي ؟ وكيف يتم الاتصال والتأثر المتبادل ..من هؤلاء الصناع اكثر تاثيرا ليحرك الذهن العراقي ايجابيا ؟

الفنان الموسيقي ، المطرب ، الراقص ..الممثل ، المخرج ، كاتب الدراما ، التشكيلي ، المصمم ، ؟ كم تبلغ مساحة تحركه وما حدود احترافيته ..باختصار هؤلاء يتبعون الذوق العام ومستواه المتاح ، ويتبعون حاجتاهم وتطورها وكيفية توسع مهاراتهم بحسب استهلاك نتاجاتهم .. دونكم صالات العرض المسرحي والسينمائي وكلمات الاغاني وايقاعات الموسيقى وطريقة ومناسبات عرض اللوحات التشكيلية ..ولوحات التصميم في واجهات المحال التجارية والدعايات والاعلانات ..برأيكم ماذا يفعل هؤلاء بذائقية المواطن ومستواه الذهني ؟

اما ساحة المثقفون والادباء الرواد وادباء المرحلة والنقاد والمشتغلين بالفكر والفلسفة يتحلقون في اصبوحات وامسيات اتحاد الادباء ويتبادلون المنجز الادبي ومقاعد الاستيج وكراسي التلقي ..تذهب افكارهم اليهم ويجترون احلاما وامنيات ويطالبون السياسي بالانتباه اليهم ..تصدح حناجرهم بضرورة المدنية ..ويكثرون من النقد والنقد والنقد ..لكن المواطن بعيد بعيد عنهم ..

اما الاعلاميون والصحفيون وكتاب الاعمدة فمن كان منهم مبدعا مثقفا فقد اخذته موجة التلقي المفرطة وكون مساحة انتفخ بها فاصابه وهم الشهرة وتعملق حتى بات لا يرى اكثر من مقدمة انفه ..ولفتهم استوديوهات الفضائيات المؤدجلة والصحف الاعلانية والمدعومة من هنا وهناك .هو يتناول ماساة المواطن لكنها مجرد اداة لنجاحه، دونكم البرامج الاعلامية المنتقدة للوضع فلقد اتخمت رؤوسنا بالنقد والصراخ حتى بتنا لا نريد المشاهدة والاستماع ..هم ياخذونا نحو طوائفنا ونحو ما يريده من يعملون في محطته ، اما المواطن فانه فقط مشروع موضوع ليس اكثر . المواطن لم يعد يرى ان الاعلام والصحافة مكان يعرف منها الحقائق .

اما رجال الدين فلهم الساحة كلها ..الدستور يقول ان الاسلام دين الدولة الرسمي ولا يمكن سن قانون يتعارض مع ثوابته ..الاحزاب المتنفذة يقودوها رجال دين ..ورجل الدين لايؤمن قط بالمجتمع المدني فمرجعيته الفكرية هو النص المقدس والفتاوى هو يتعامل مباشرة مع المؤسسات الغير الرسمية التي ينتمي لها الافراد الا وهي القبيلة او العشيرة ..رجل الدين ورجل العشيرة تربطهما علاقة تركيبية مصيرية لا فكاك فيها ..رجل العشيرة بحاجة الى شرعية مقدسة لاستمالة اتباعه ..فالتبعية اولا للعشيرة السلوك يحدده رجل الدين بواسطة المقدس ..اولا العشيرة ثانيا المقدس وثالثا مصلحة الزعيم ورابعا واخيرا مصلحة الفرد .

ببقي لدينا السياسيون ورجال الاعمال والنشطاء المدنيون ..السياسيون لديهم المال و شبكة الاتصال الداخلي والخارحي ولديهم العصب الاقتصادي او المقود الاقتصادي لديهم شكل القيادات في جيوب الحكم .انهم امراء اقطاعيات دون جلالة الملك ..تتضخم ثرواتهم حد التحول الى سفاحين للحفاظ على حجمها او زيادتها ..علاقتهم بالجميع محسوبة ومترجمة الى خطوات وخرائط حركة ..يبحثون عن الظل كلما احرقت الشمس نهارات تحركهم ولا ظل اكثر سمنة من ظل المواطن ومعاناته وقهره …تمكن رجل الدين والعشيرة ورجال الاعمال من جعل السياسس معشعشا في ذهن المواطن حتى التصق في كرسي مسؤوليته ..رغم ان السياسي هو سبب بلاء المواطن .

الناشطون المدنيون هم كل هؤلاء سياسيون ادباء اعلاميون فنانون ادباء اساتذة ورجال دين وحتى اجانب ..بمنظمات تبحث عن تاثير وتمويل ..اين موقع المواطن من انشطتهم وفعالياتهم …موجودة ،يجيبنا بعضهم فعاليات باقراص مدمجة تعرض على المنظمات الدولية ليتاكدو من مدنيتهم ويدفعوا لهم دعما ..نعم دعما ..بعضها فتافيت والبعض الاخر ملايين الدولارات .. وبعد كل هذا هل يمكن للمواطن ان يتخذ موقفا؟!