الانتماء لإمة إنما هو انتماء عقائدي ، لا يعترف بحدود ولا محددات اصطناعية ، كونه يعتمد الانتماء الروحي لهذه الامة ، بينما الانتماء لشعب يعتمد معيار الجغرافية ، اي الانتماء لبقعة جغرافية يشترك سكانها بمجموعة من المشتركات كاللغة والثقافة والزي وأحياناً الدين أيضاً وغيرها من المشتركات ، وهذا التقسيم يخضع لاعتبارات كثيرة ، ولكن المهم هو ما يتمخض عنه من اولويات ونتائج وسلوكيات ، تختلف أولوياتها تارة وتتفق تارة اخرى ، ولكن لا يوجد تقاطع بينهما الا اذا اريد لهما ان يتقاطعا ، لان الانتماء لعقيدة لا يعني التقاطع مع الوطن ، فالإنسان منذ خُلق وهو يملك مجموعة من الهويات ، هوية الدين والطائفة والقومية والمدينة والعشيرة والحزب وغيرها ، ومن الممكن ان تتكامل كل هذه الهويات وتعبأ بأتجاه واحد لتخلق منه إنساناً متزناً لا يعاني من الصراعات الداخلية الناجمة عن هذا التعدد
المواطنة في جزء كبير من محتواها ، هو التمتع بالحقوق السياسية والاقتصادية والثقافية اضافة الى الحقوق الاخرى ، فان كانت الأحزاب طائفية منغلقة على ذاتها ، فسيضيق مفهومها للمواطنة تبعاً لتوفيرها لهذه الحقوق على شريحة محددة دون غيرها ، وعلى رأس ذلك التعيينات والمناصب ، وبالتالي فلن تعمل على تدعيم المواطنة بشكلها الواسع الشامل لجميع العراقيين الموجودين داخل الحدود ، وانما سيقتصر على لون طائفته او قوميته ، وايضاً بقيد اخر هو الانتماء لحزبه ، وهذه المواطنة يمكن ان يطلق عليها بالمواطنة الحزبية او الطائفية لانها تضيق من سعة المواطنة تبعاً لما يترتب عليها من استحقاقات والتزامات
الانفتاح على جميع شرائح المجتمع ، ورفع الكثير من المحددات الخاصة بالانتماء للأحزاب العراقية يعتبر الخطوة الاولى نحو تصحيح المسارات المعوجة ، التي انسجمت مع مرحلة محددة بزمكانيتها وظروفها ، التي من غير المنطق محاكمتها بعقلية اليوم عن طريق اقتطاعها من زمنها ومكانها وظروفها ، لتنتقل الى خطوة اخرى اكثر تقدماً في ظل دولة مدنية تعتمد معيار المواطنة بنطاق واسع ، يشمل جميع القوميات الأديان والطوائف والإثنيات ، ليكون ضامناً اساسياً لعدم تهميش هذا على حساب ذلك ، انطلاقاً الى ان المتهم بالتهميش لن يكون من اصحاب الدماء النقية ! او اصحاب النسل الواحد ، وانما سيشمل الجميع ، وبالتالي فان إقصاء الأقليات وفق هذه الرؤية لم يعد متاحاً ، لنكون امام مرحلة ترسيخ المواطنة العراقية ، وليس المواطنة الحزبية او الطائفية .