تجتاح شوارع بغداد الرئيسة وشبه الرئيسة عمليات حفر وطمر متواصلة منذ شهور، امتد هذا الاجتياح فشمل شوارع وازقة الكثير من المحلات، تلول من التراب.. حفر متنوعة مطبات شقوق وانفاق ذكرتني بالمواضع العسكرية ايام زمان.
تبدأ عملية الحفر المبرمج وتستمر اسابيع واحيانا شهوراً ثم يغادر الحفارون مع ادواتهم بعد ان يقلبوا الشارع على “عاليه سافله”. تنطلق على الاثر التاويلات والتفسيرات:
يقال لمد انابيب شبكة مياه جديدة..
يقال لمد شبكة مجار جديدة..
ويقال لمد كيبلات كهرباء “عشرة امبير”
ويقال لمد “قابلوات” تلفونية حديثة.. ويقال.. ويقال
وبعد القيل والقال وتبدل الاحوال وتعاقب الاسابيع والشهور وتحول المنطقة الى تراب في تراب، تبدأ عملية الطمر والتي تستغرق شهوراً ودهوراً فتنطلق التاويلات من جديد.. وضعية الماء كما هي..
والمجاري على حالها..
والكهرباء لاعشرة امبير ولا هم يحزنون..
والتلفونات ديكور اثري!
ويظل الشارع على حاله الترابية.. مرتفعات ومطبات وانكسارات وتخسفات والشتاء على الابواب.
يبدو ان مقاول الحفر الثانوي استلم العمل من المقاول الرئيسي والمقاول الرئيسي سلم نصف المبلغ وفر بالباقي فاضطر الثانوي ان يترك العمل على “النص” وبعد التي واللتيا يكلف مقاول رئيسي اخر ليسلم العمل لثانويين لا يدرون ماذا يحفرون، ثم تأتي جهة التنفيذ لوضع المطلوب في الحفر وبنفس المواصفات “المقاولية” وبعدها يصار الى مقاولات الطمر التي لاتقل تلاعباً وتباطؤاً عن سابقاتها ثم تبدأ معضلة التبليط وما ان تبدأ متكلئة معلولة وقبل ان تصل خط النهاية تباشر الحفارات هوايتها المحببة!. ترى اين الخلل.. ومن المسؤول؟!. ولماذا هذا التهاون؟!. وكأن الجميع لا يعنيهم الامر وهم يرون المال ينهب ويبذر ويبدد وبدون اي مردود وبلا اي مقابل.
اظن ان هذه الحالة، اقصد الحفر والطمر تجتاح محافظات العراق ولاتقتصر على بغداد وحدها كما ان حالة المقاولات الوهمية والثانوية طالت كل مفاصل البناء والاعمار وعقود الاسلحة والتجهيزات العسكرية والمدنية وعملية بناء المدارس واعادة اعمار وترميم المدارس القديمة والتي تحولت الى مجرد لطخات من الصبغ برغم وجود الارقام الضخمة من المليارات التي رصدت لها.
لا شك اننا بحاجة ماسة الى الوف المؤسسات التخصصية وبمواصفات عالمية واشراف خبراء فطاحل لمعالجة امراضنا المزمنة والطارئة وخاصة مرض فقدان المواطنة الاصلية وليست المكتسبة!.