22 ديسمبر، 2024 8:40 م

المواطنة أمي والبيروقراطية المتوحشة

المواطنة أمي والبيروقراطية المتوحشة

قبل أيام؛ وعلى حين غِرَّةٍ، أوقفت دائرة التقاعد العامة مرتب أمي الذي ورثته عن أبي، وبغض النظر عن الأسباب، أتمنى وبقوة وبرغبة تراجيدية قاتمة رجوع أبي من عالم الأموات ليشهد هذه الحادثة كي أرى على وجهه ردة الفعل وهو يُبصر زوجته العجوز تُمنع عن حق تركه لها هو عصارة عقود من العمل الشاق والمميت، فالأب الراحل جال الجغرافيا بتعرجات واسعة، وبذل العمر والصحة، وعاش آلاف المرات من فراق زوجته وأولاده، وكما كان حريصًا على كرامة أمي وتوفير العيش الكريم لها، ترك لها مرتبه التقاعدي وكان قبل موته فرحًا بهذا الإنجاز الذي استهلك معظم سني عمره.
ماذا لو لم يكن لأمي اولاد؟
ماذا لو كانت أمي ( مو أم محمد )؟
ماذا لو كانت هناك عجوز مريضة تتقاضى تقاعدًا قُطِعَ عنها وطُلِب منها مراجعة دائرة في محافظة بعيدة لإتمام اجراءات ارجاع المُرتب ولم يكن لديها أولاد؟.
ماذا لو كان المتقاعد المقطوع عنه مرتبه مقعدًا، مشلولًا، فاقدًا للبصر، مُصابًا بالزهايمر….؟
ماذا لو رجع أبي لهذه الحياة وأبصر أمي المريضة تجول في بناية التقاعد العامة وقد سلب الْكِبَر منها القوة وصلابة القدمين، وتابع خطواتها البطيئة، وآثار التعب من جراء كثرة الإجراءات؟.
من المؤكد انه سيضم كفي يدي بكفي يديه ويشكرني باكيًا وكأنني غريب أو عابر سبيل تعاطف مع زوجته العجوز وبادر لمساعدتها، وربما سيكون الموت قد أنساه ولده فيسألني عن إسمي وحين أجيبه سيدعو لي ويبتهل لربه أن يجزيني خير الجزاء، ويوصيني بأن لا أترك زوجته، ويتوسل بي.
قاسيةٌ هذه البلاد يا أبي.
يا أبي؛ دولة العراق تنكرت لك، ولملايين من أمثالك، ورمت بهم وبعوائلهم الى فك الظلم، وها أن عظام زوجتك الحبيبة يطحنها الفك الشرس، فهل مازلت وطنيًا، أم هل مازلت تُقدس التضحية من أجل العراق” العظيم “.