في اغلب دول العالم المتقدم والنامي ، لا تتابع الشعوب أخبار وتفاصيل الموازنة السنوية لدولها بالطريقة التي ينشغل فيها شعبنا بتفاصيلها من الألف إلى الياء ، وشعبنا الذي افتقد إلى الموازنات في سنوات الحصار لان الأمور كانت تدار مثل الدكان يوما بيوم ، توقع بان تكون إحدى مزايا الحريات والديمقراطية التي جلبها ( الاحتلال ) هو التمتع بمزايا الدستور من خلال النصوص التي تضمن العدالة والرفاهية والعيش الكريم حاله حال الدول في هذا الزمان ، ولكن الأغلبية تفاجئوا بالكيفية التي تعد بها الموازنة الاتحادية كل عام وبالشكل الذي يفقد لون وطعم ورائحة الموازنات الموجودة في غيره من البلدان ، فالموازنات عادة ما يتأخر إعدادها وإقرارها لتبدأ بعد بداية كل عام رغم إن السنة المالية تبدأ في 1/ 1 حسب قانون الإدارة المالية وغالبا ما تتحول الموازنة إلى وسيلة ( للترقيع ) وإرضاء خواطر السياسيين ، ولهذا فان نتائجها لم تظهر طيلة 15 عام رغم إنفاق أكثر من تريليون دولار ، ورغم الملاحظات العديدة التي سجلت ضد موازنات الأعوام الماضية والغياب الكامل لموازنتي (2014 ، 2020) إلا إن موازنة 2021 لم تضيف شيئا لسابقاتها ، فقد تم إعدادها من خلال السلطة التنفيذية في أيام ولكنها استغرقت ثلاثة أشهر لدراستها وتعديلها في اللجان المختصة في مجلس النواب ولم يبدأ إقرارها إلا قبل ساعات أي بانتهاء الثلث الأول من مدتها في النفاذ وبحضور 215 عضوا من النواب من أصل 329 ، ولأنها موازنة فإنها تتطلب الكثير من الوصف لعرض ما تتضمنه من سلبيات وتفاصيل ولكننا سنلجأ للتركيز على أنها تحولت لموازنة الشعب بامتياز ، لا من حيث تحقيق الأمنيات والحقوق وتقليل البطالة والفقر وغيرها من المشكلات التي يعانيها غالبية الناس ، وإنما من حيث طريقة تمويلها التي اعتمدت بشكل كبير على استقطاع أجزاء من المدخولات والثروات بما يؤدي لإضعاف القدرات الشرائية ورفع حالات وأشكال العوز والفقر لأعلى لما هو موجود لتشمل شرائح جديدة من السكان .
وبعيدا عن السياسة التي اخترقت هذه الموازنة عرضا وطول ، فان أرقامها تشير لوجود أمور عديدة في مواد قانونها تؤدي لحرمان الشعب من موارده وثرواته التي يجب إن تعود منافعها إليه وليس عليه ، ومنها احتساب سعر برميل النفط على أساس 45 دولار رغم إن سعره الأسواق العالمية بتاريخ إقرار الموازنة 65 دولار أي بفرق (-20 ) دولار للبرميل واحتساب سعر صرف الدولار ب1450 دينار بدلا من 1182 أي بنسبة انخفاض يتحملها المواطن تبلغ (-25% )على الأقل ، واحتساب كمية صادرات النفط بأقل من الحصة المقررة في المرحلة الثالثة من اتفاق ( اوبك + ) التي تبدأ من بداية العام الحالي لغاية نيسان 2022 والبالغة 4,018 برميل يوميا بسبب المبالغة في تحديد الاستهلاك المحلي وعدم حسم قضية نفط كردستان لأن صادرات الاقليم تحسم من حصة العراق ، كما إن هناك أعباء أخرى إضافتها الموازنة تحدث ثقوب وشقوق في جيوب المواطنين أبرزها القروض وتفعيل الجباية وفرض ضرائب ورسوم لا تتحسن في مقابلها أية خدمات من حيث الكم او / و النوع ، فالهدف هو جباية الإيرادات بشكل يسمح بتعظيم النفقات لمشاريع وخدمات لا يمكن أن تظهر أثارها لان وزارة المالية لا تطلق الأموال إلا بعد قيامها بإصدار تعليمات تنفيذ الموازنة التي ستصدر بعد نشر قانون الموازنة في الجريدة الرسمية أي بعد شهر ، دون إن ننسى إن العام الحالي ليس مثاليا في الإنفاق لأجل التنفيذ التشغيلي والاستثماري ليس بسبب تأخر ورود الأموال لوحدات الصرف فحسب وإنما بسبب ظروف كورونا التي تعيق التنفيذ ، فضلا عن انشغال البلاد والإدارات بالانتخابات المبكرة التي من المقرر إجرائها في 10 / 10 من العام الحالي ، وتتطلب هذه الانتخابات حل مجلس النواب قبل فترة من إجرائها مما يعني إن الدور الرقابي على عمل الحكومة سيعطل لشهور خلال السنة المالية الحالية وما ينتج عن ذلك من فساد ، علما ان الحسابات الختامية لعام 2013 لم تناقش بعد .
وبشكل عام ، فان المصادقة على الموازنة بشكلها الحالي الذي لم يطلع على تفاصيلها عموم الشعب كونها لم تنشر من باب الشفافية ، كما إنهم لم يطلعوا على تفاصيل التصويت عليها لعدم نقل جلستها بوسائل الإعلام واعتماد الجمهور على ( عواجل ) الفضائيات لتلقي الصدمات من هنا وهناك ، قد أفسدت أمنيات الكثير ومنهم ( على الأقل ) المتأملين بإعادة أسعار الصرف كما تباهى البعض بتحقيقه في جلسة التصويت ، و يسود الاعتقاد بعدم قدرة هذه الموازنة على زيادة مجمل الناتج المحلي وتطوير الزراعة والصناعة لأنها موازنة سنوية ستنتهي بعد شهور وغير كافية لبناء مدارس ومستشفيات ومصانع وغيرها من أبواب الصرف التي زادت النفقات ، وفي الوقت الذي يعد فيه البعض إصدار الموازنة نصرا لتحقيق مصالحهم او لتمرير موازنة بعد غياب موازنة 2020 والادعاء بان فيها انجازات بزيادة عدد المشمولين بالرعاية وتحسين البطاقة التموينية فان الموضوع لا يحتاج لتعليق ، فالكثير يعدونها خيبة أمل وبعضهم يرى إن عدم إصدارها كان أفضل من إصدارها كونها لم تضيف شيئا يعالج المشكلات المزمنة التي يعيشها الشعب ، ولان الأمر بهذا الوصف فان هناك من يسال هل سننتظر عاما جديدا أملا في صدور موازنة لأجل الشعب وليس منه والى متى ستتكرر هذه الحالات والوضع المعيشي يزداد سوءا بعد سوء ؟.