رغم أنني لم أتشرف بلقاء المهندس عبد الستار الحبو شخصياً، إلا أن حضوره في مدينة الموصل لا يحتاج إلى تعريف أو مقابلة. فهو اسم ارتبط ارتباطاً وثيقاً بمرحلة الإعمار والتطوير التي تعيشها المدينة بعد سنوات من المعاناة والتحديات، وأصبح وجهاً مألوفاً في ذاكرة الناس، ومثالاً لرجل الدولة الذي اختار العمل الميداني منهجاً، والإخلاص في الأداء سبيلاً.
منذ أكثر من عشرين عاماً، يشغل الحبو موقعه في بلدية الموصل، هذه المدينة التاريخية العريقة، التي طالما كانت عاصمة للعلم والثقافة والتمدن. واليوم، تعود الموصل إلى الحياة، وتستعيد بعضاً من مجدها القديم، وسط جهود جبارة تبذلها المؤسسات الحكومية والخدمية، في مقدمتها مديرية بلدية الموصل بقيادة هذا الرجل الذي يُعرف بين زملائه وموظفيه بلقب “الوحش” في ميدان العمل.
وبين مطرقة النقد وسندان المسؤولية فانه لا يخفى على أحد أن من يعمل بإخلاص لا بد أن يُواجه بالانتقاد، وهذا أمر طبيعي في العمل العام. فبعض الأصوات ترتفع من باب المصلحة الشخصية، وأخرى تنتقد من منطلق الحرص على المال العام أو تحسين الأداء. لكنّ ما نراه على الأرض يشهد بوضوح على أن هذه الإدارة تمضي في الاتجاه الصحيح، وتحقق تطوراً ملموساً يلمسه المواطن البسيط قبل المسؤول.
لقد اعتاد بعض الناس أن يُسقطوا جهود مؤسسات كاملة بسبب حفرة هنا أو تأخر في مشروع هناك. غير أن الإنصاف يقتضي أن نضع الأمور في نصابها، ونعترف بأن ما تحقق في الموصل من تحسن في البنية التحتية، والنظافة العامة، وتجميل الساحات والطرقات، لم يأتِ من فراغ، بل من عمل دؤوب، وسهر ليالٍ طويلة، وقيادة واعية تعرف ماذا تفعل وأين تذهب.
ان من يحمل صفة رجل ميدان لا موظف مكتب يستحق كتابة المقالة وهذا ما يميز المهندس عبد الستار الحبو عن غيره من المدراء، فحضوره المستمر في الميدان بدلاً من الجلوس في مكاتب مغلقة، وهذا مانشاهده دوما عندما نجده في قلب الحدث، يتابع المشاريع بنفسه، يقف مع العمال، يراقب نسب الإنجاز، ويوجّه التعليمات مباشرة. وهذا النوع من الإدارة الميدانية لا نراه كثيراً في مؤسساتنا، لكنه يُعد من أنجح الأساليب الإدارية وأكثرها تأثيراً على أرض الواقع.
لا أبالغ إن قلت إنني رأيت هذا الرجل في أكثر من مناسبة، يتجول ليلاً في أحياء المدينة، يتابع حملة تنظيف هنا، أو مشروع تعبيد هناك، وكأن لسان حاله يقول: “لن أنام قبل أن تنام مدينتي بأمان.”
ان التحول الملموس الذي شهدته مدينة الموصل في السنوات الأخيرة هو تحولات نوعية في مشاريع البنى التحتية. فالشوارع اليوم أنظف، والطرقات المعبدة أصبحت أكثر اتساعاً وسلاسة، والمطبات العشوائية التي كانت تُزعج السائقين بدأت بالاختفاء شيئاً فشيئاً. الحدائق العامة عادت للحياة، ومشاريع الإضاءة والتجميل باتت تضفي على المدينة وجهاً أكثر إشراقاً.
هذه الإنجازات لم تكن لتحصل لولا تظافر جهود العديد من الدوائر الخدمية، لكنّ بلدية الموصل كانت وما تزال العمود الفقري لهذه النهضة، بقيادة من يعرف حجم المسؤولية ويؤمن برسالة الخدمة العامة.
واخيرا لابد من كلمة حق وشكر وربما قد نختلف مع البعض حول التفاصيل، لكن هناك حقائق لا يمكن إنكارها. ومن هذه الحقائق أن الموصل اليوم مدينة تنهض من رمادها، وتعيد بناء ذاتها بإصرار أهلها وصدق من تولّوا إدارتها. والمهندس عبد الستار الحبو واحد من أولئك الذين يستحقون أن يُذكروا بالخير، لا لأنهم بلا أخطاء، بل لأن إنجازاتهم تتحدث عنهم، وهموم الناس أولويتهم القصوى.
في زمنٍ أصبح فيه المنصب وسيلة للجاه والمكاسب، يأتي هذا الرجل ليذكّرنا أن الوظيفة العامة مسؤولية لا تشريف، وأن خدمة الناس لا تكتمل إلا بالنزول إلى مستوى احتياجاتهم اليومية، لا الاكتفاء بالتقارير والمخاطبات.
هنيئاً لمن عمل بضمير، وهنيئاً لمن استطاع أن يرضي ضميره وناسه، وأن يترك أثراً في مدينة عظيمة مثل الموصل… مدينة الأنبياء والشهداء والعلماء…