22 نوفمبر، 2024 10:16 م
Search
Close this search box.

المهندس المعماري والفنان قحطان المدفعي ..في ذمة الخلود

المهندس المعماري والفنان قحطان المدفعي ..في ذمة الخلود

توفي في الساعات الأولى من يوم الجمعة الخامس من شهر تشرين أول/ نوفمبر الحالي المعماري العراقي الشهير قحطان المدفعي عن عمر ناهز على 95 عاما. وقد عرف العراقيون المعماري المدفعي من خلال تصاميمه وصروحه المعمارية التي أزدانت بها شوارع بغداد ومحلاتها وبلداتها.. ولعل المتابعين للمعمار العراقي يتذكرون تصميم المدفعي لجامع آل بنية في بغداد/ منطقة العلاوي حيث تقول دائرة الأعمار الهندسي العراقية عنه أنه التصميم الذي يمكن أدراجه ضمن أفكار النظرية النسبية لأسباب عديدة منها رفض السطوح المستوية بزاوية 90 درجة.. أضافة الى أستخدام مفهوم القوس المتحرك ليظهر لنا الشكل متناسبا ومعبرا عن العمل في رؤية كلية شاملة. ولعل جامع بنية بتصميمه المعروف كان قد لخص أهتمام د. قحطان المدفعي بموضوعة التاريخ والتعامل الذكي معها، حيث أن أستخدامه لمادة السيراميك ذات البعد التاريخي- حيث أستعملها البابليون في أكساء بنيانهم- أنما يمثل أرادة المدفعي في تحقق أستمرارية التاريخ وتواصله عبر الزمن.
ولد قحطان المدفعي في عائلة علم وفن وأدب حيث كان والده من المولعين بالرسم كما كان عمه زيد محمد صالح فنانا.. وقد درس المدفعي دراسته الأولى في بغداد ليواصل دراسته الجامعية في الهندسة المعمارية في جامعة ويلز البريطانية وفي مدينة كارديف بالذات (عاصمة ويلز بعد ذلك)، حتى أذا تخرج من الجامعة سارع بالعودة لأرض الوطن وذلك عام 1952. وقد فوجيء المهندس المعماري الشاب قحطان المدفعي في أن ما قام بتصميمه لدور موظفي مصفى الدورة قد حصل على الجائزة الأولى مناصفة مع المهندس المعماري جعفر علاوي، وذلك بعد فترة وجيزة من عودته للعراق مما أعطاه زخما للعمل أدى الى أنطلاقة غير مسبوقة بروح الأبداع، فكانت فكرته أن يقوم بتصميم بناية لجمعية الفنانين التشكيليين العراقيين وذلك عام 1956 حيث أستوحى تصميمه من فكرة الخيمة العربية. ويروي الراحل في لقاءات أعلامية سابقة عن تعاونه مع عمه زيد محمد صالح في جلب خرائط تخص فرنا للسيراميك والخزف، حيث تم بناء هذا الفرن في معهد الفنون الجميلة ببغداد حيث كان الفنان فائق حسن وآخرين يستخدمونه.
ومن المهم أن نذكر أن الفقيد المدفعي كان من مؤسسي نقابة المهندسين ونقابة الفنانيين العراقيين وهو على ذلك كان من المولعين بالرسم والفن عامة وقراءة وأبداع الشعر حتى وصل به الأمر لأن يكون عضوا مؤسسا لنقابتين يراهما البعض قد لا تلتقيان.. ولكن الفنان المعماري قحطان كان له رأي آخر عبر عنه عمليا فكانت له لوحاته التي شارك فيها في معرض الفن التشكيلي العراقي في عام 2001 على قاعة دجلة ببغداد فأبهر الحضور وأثار الأهتمام كما كان دائما… كما كانت له محاولاته الشعرية الأبداعية الناجحة وهو الذي يقول “أن لا يوم يمر دون ان يقرأ الشعر أو ينظمه… فالشعر معي دائما”… ثم انه –كما يروي طلبته في القسم المعماري الذي تأسس في جامعة بغداد عام 1959- رسم يوما أمام الطلاب قوس قزح فقال عنه أنه قوس قزح الفن.. فهنا الموسيقى وهنا الرسم والتمثيل والشعر أنتهاءا بأبداع العمارة والهندسة المعمارية…
وتقول مصادر العمارة العراقية أن المهندس قحطان المدفعي كان قد فاز عام 1957 وبالأشتراك مع معماريين عراقيين من أمثال الراحل عبد الله أحسان كامل في مسابقة معمارية لتصميم مصرف الرهون في شارع الملكة عالية أو شارع الجمهورية ببغداد.. حيث أعتبر المبنى حينذاك بمقياسه الهندسي الضخم واحدا من الحوادث المهمة في المشهد المعماري العراقي، كما أنه أمتاز بلغة معمارية صافية ومقنعة في مفرداتها. وتقول المصادر أن مبنى مصرف الرهون قد تم تجزئة مبناه الأداري الى كتلتين مختلفتين في السعة ومتصلتين فراغيا حيث عد من التصاميم التكوينية الرائدة في مجالها.
ويبقى من المهم جدا أن يطلع الجيل الجديد من المعماريين العراقيين على التراث الغني العلمي والفني الذي تركه الراحل المعماري العراقي الفذ قحطان حسن فهمي المدفعي لما لذلك من فائدة لضمان ديمومة مسيرة الأبداع الأنساني في مجال مهم وحساس من مجالات الأبداع والتميز.
وسنظل نتذكر ما قاله الراحل قحطان المدفعي : “العمارة بعد نصف قرن من ممارستي لها أنتقلت من ممارسة سلفية عادية مألوفة متوارثة إلى عالم الحياة، بل هي صنوه وتوأمه. فلا إنسان بدون عمارة ولا عمارة بدون إنسان”.

أحدث المقالات