23 ديسمبر، 2024 4:55 م

المهمة .. هل أنجزت ؟

المهمة .. هل أنجزت ؟

في 19 مارس الجاري الذكرى العاشرة لغزو العراق وبعد ما يقرب من عقد من الزمن بعد ان رفع جورج بوش يافطة «المهمة أنجزت»، يعيش العراق حالة من الفوضى التي يمكن أن تضعه مجدداً، على مسار الحرب الأهلية، فالتغيير لم ينتج دولة عصرية بالمعنى المتعارف عليه أكاديمياً، والديمقراطية لم تأتِ بساسة ديمقراطيين، والمجتمع لم ينفتح على آفاق مستقبل واعد، بل انتهى الى هيمنة «الحواسم»على الاقتصاد… والسؤال المطروح، هل يبدو عراق اليوم والمنطقة أكثر استقرارا ماً بعد عام 2003؟
مثل هذا السؤال بحاجة الى إجابات موضوعية، ترسخ القناعة بأن النظام الديمقراطي أفضل من أي نظام شمولي، إسلامومي، او قومجي، تحت عنوان عريض بأن العراق محتل منذ سقوط الدولة البابلية الثالية عام 526 قبل الميلاد، ولم يمر بفترات استقلال حقيقية إلا في مراحل قصيرة للغاية من بينها فترة حكم الزعيم عبدالكريم قاسم، ومن دون ظلم لآخرين، فإن نوري السعيد له مقاساته «الوطنية» ولم يتمكن العراق من توظيف ثرواته النفطية الكبيرة إلا لإحراقها في أتون الحروب مرة للدفاع عن امة عربية، خذلته تحت مطرقة الدبابات الأمريكية، واليوم يعيد ذات الأخطاء للدفاع عن منهجية ولاية الفقيه الإسلاموية، او السلفية الجهادية، وفي كليهما لا يحقق الساسة الجدد أي شيء للمواطن العراقي، الذي مازال يعيش في حوالي ثلث عدد سكان العراق بمعايير معيشة لا تتطابق مع ثرواته النفطية.
لذلك فإن اي تقييم موضوعي للاحتلال الأمريكي للعراق في عام 2003، يجب ألا يعتمد فقط على أساس قرار خوض الحرب في ذلك الوقت، الذي لم يستند الى اي شرعية على الإطلاق، بل على أسس لعبة الأمم وقدرات الساسة على الإتيان بحلول موضوعية قادرة على إسكات أصوات المدافع، ولملمة دخان البنادق، لكي يقول الاقتصاد في التنمية المستدامة كلمته.
لكن تطبيق ذلك، يتطلب أولاً وقبل كل شيء الفصل ما بين مصالح عراقية وطنية، ومصالح إقليمية او دولية وأبرزها أمريكي، وتحديد صياغة وطنية لهذه المصالح العراقية، تعني تعريفاً جديداً للعقد الاجتماعي الذي قامت عليه الدولة الجديدة، بعد أن تحول العراق من جمهورية الخوف الى جمهورية مليشيات المكونات الطائفية، وجمهورية الفساد الإداري والمالي، بما يتطلب اعادة نظر شاملة لكل القرارات السابقة التي صدرت حتى الآن لمرحلة ما عرف بـ«العدالة الانتقالية» وايجاد تكوينات قانونية للإنصاف منها، كحلول بديلة عن ترك أبواب البلد مشرعة للتدخل الأجنبي، وحرق أرضه وثرواته في محرقة الحرب الأهلية لأسباب خارجية.
وأي محاولات للاستئثار بالسلطة، ستجعل عراق اليوم والغد، مجرد مستنقع لأزبال مصالح الآخرين، في وقت بإمكانه الانطلاق من توظيف ثروة النفط والغاز في استقرار السوق النفطية ولكي تواصل مدخراته الإستراتيجية من النفط والغاز في التدفق بحرية الى السوق العالمية، فإنه يجب عليه أن يستقر سياسياً وأمنياً.
وأي مساعٍ حقيقية لعقد مؤتمر وطني شامل، لتكوين العقد الاجتماعي العراقي الوطني، لابد أن يتوقف عند انطلاقة موحدة لرفض النفوذ الإقليمي، إيراني، او تركي او غيره، وأن يكون للعراق الجديد تعامل الندية مع الولايات المتحدة الأمريكية، واي أجندات حزبية، او مرجعيات مجتمعية، تتعاطى مع هذا النفوذ، فإن وصمها بالخيانة الوطنية، يتطلب تعديلاً دستورياً، يوصف جريمة الخيانة العظمى ، يبدأ بتجريم الجنسيات المزدوجة للقيادات السياسية ولا تنته عن تمويل الأحزاب من مخابرات دول أجنبية، ناهيك  عن  علاقات  القيادات السياسية العراقية بمخابرات  دول اجنبية اقليمية ودولية   ، بما يعيد  للقانون العراقي هيبته  اولا حين  يطاع  من القيادات السياسية  ، قبل فرضه على الشعب.
عقد مضى على عراق ما بعد صدام حسين.. واي تجاوز لقيادات العراق الجديد على مثل هذا التعريف للخيانة العظمى، يعني بقاء العراق في تخلفه الحضاري لعقد او عقود اخرى.. والمصيبة الكبرى ان الأصابع الزرقاء في الانتخابات المرتقبة لمجالس المحافظات لا تعرف  توصيف قانوني لهذه الخيانة إلا بقدر الولاء للمذهب او العشيرة او المصالح الانتهازية التي سبق أن ملأت قلب الإمام علي بن ابي طالب قيحاً!!