23 ديسمبر، 2024 5:57 م

المهلة والتمهل…والأهمال

المهلة والتمهل…والأهمال

يعرف معجم المعاني الجامع معنى المهلة (بضم الميم) بأنها زمن قصير وأجل نهائي والتمهل هو معروف ضد العجلة فيقال عن المرئ يعالج قضاياه بتمهل أي بدون عجلة ، أما الأهمال فهوالتقصير والتغافل والتهاون ويقال :أهمل أمره أي لم يحكمه.اذا فالبرلماني العراقي لم يتعدى على دستوره فحسب وانما خرق حتى معاني اللغة وتجاوز باهماله حينما ينتظر منه الشعب تحقيق أدنى درجات المصداقية والعمل الصحيح فتراه يتمهل ويعطي المهل تلو المهل وكأنه يعيش في دولة مستقرة وآمنة مثل سويسرا أو أمريكا ولايشعر بضرورة العمل الجاد المناط به في اقرار الموازنة وتشريع القوانين التي يحتاجها المواطن في الوقت المناسب، ولهذا فهو يعيش في عالم آخر وبعيد كل البعد عن الواقع الذي يعيشه المواطن العراقي الصابر

مهل البرلماني العراقي طويلة الامد ولربما تتعدد مادامت الدواعي كثيرة ، فالزعماء كثر والرعاع باقون على جهلهم.فالذين ترك لهم معالجة الأمور في البلد ، لا يهمهم اذا استلب شبر أو آلاف الأميال من أرض الوطن ، ولا يتأثرون بطبيعة الحال اذا ما تأخرت الموازنة لأن رواتبهم وامتيازاتهم ورواتب حماياتهم وبنزين سيارات موكب تلك الحمايات مؤمن ومتوفر ، لايتأثر بأي حال من الأحوال ، فيما اذا حدثت أزمة أو عصفت أزمات في البلد. وهم ممثلين عن الشعب شاء الشعب ذلك أم أبى !!وهم الأجدر طبعا في ايجاد الحلول لكل مشاكله سواءا التي أستجدت مع بروز هؤلاء النواب أو تلك المستعصية منذ زمن بعيد ولم يجد المواطن من يأخذ بيديه ليجد لها حلا دون تقصير أو تهاون

كتب اليهودي فريدريك كاغان والباحث في معهد الامريكان انتربرايز مقالا حذر منه الادارة الامريكية من أحتمالية انزلاق العراق الى نشوب حرب أهلية لاسيما وأن هنالك أسباب عديدة تلوح بالافق قد تشعل فتيل ذلك الصراع في العام 2010 ونبه الى أن ذلك الصراع قد يتخذ شكل الحرب بين العرب والكرد أو تقاتل مذهبي وشدد على أن السبب الرئيسي وراء ذلك كله هو سوء الادارة الحكومية في العراق لما تأتي به الديمقراطية من نتائج في وصول غير السياسي أو أصحاب الخبرة والحنكة الى مواقع التحكم والقرار في المؤسسات التنفيذية والتشريعية

هذا اليهودي طبعا يعرف أن اشخاصا مهمين في الادارة الامريكية سيستمعون ويقرأون ماكتبه وليس كما هو الحال مع الذين تسلقوا لمواقع السلطة في العراق في غفلة من الزمن واضحوا قادة وسياسيين بين ليلة وضحاها ، لذلك فهو ركز في مقاله على ضرورة انتباه المسؤولين في واشنطن الى عدم السماح للعراق بالعودة كدولة قوية تهدد أمن جيرانها كما حصل أيام المقبور المجرم صدام الذي كان يمتلك شئ ولو قليلا من السياسة تفوق بالتأكيد مايمتلكه المنبطحين من سياسي مابعد 2003 في العراق. وأن يكون العراق حليفا قويا للولايات المتحدة الامريكية ولكن نظريا فقط وليس عمليا. وهذا ماحصل فعلا وما أتفاقية الاطار الاستراتيجي المشترك التي أبرمتها الادارة الامريكية مع رجال السلطة في العراق ولم يعرف فحواها الشعب العراقي قبيل أنسحابهم من العراق الا دليلا على ذلك. لم يكتفي هذا اليهودي بذلك وحسب ، بل أنه أشترط للاستمرار بالنفوذ الامريكي في العراق والتدخل في جميع خصوصياته ، شرطا يتمثل بسياسة الشروط المسبقة والتي تجربها اليوم واشنطن بالضغط على رجال السلطة في العراق كلما طلبوا أو أحتاجوا الى الدعم الامريكي في محاربة الارهاب أو تجهيز الجيش العراقي بالاسلحة والذخيرة والتقنية الامريكية أو حتى في حل بعض الاشكالات والمشاكل المستعصية بين الفرقاء المتحكمين بالسلطة أو الشركاء حسب تعبيرهم ، كالمشاكل الحاصلة بين المركز والاقليم والمتمثلة بمطامع وطموحات الرئيس مسعود برزاني في بسط نفوذه على أراضي واسعة في الخارطة العراقية مثل كركوك وغيرها لتكون دعامة تأسيس الدولة الكردية التي هيأ لها قبيل سقوط الموصل بأسبوع حينما دعى جميع القادة الكرد في جميع دول العالم واجتمع بهم على عجالة في حامية بأربيل للتشاور حول الحلم الكردي ، الامر الذي لايدع مجالا للشك أن الرئيس برزاني كان يعلم بما ستأول اليه مجريات الأمور وكان لديه العلم بالذي وقع في الموصل والتآمر على الشعب العراقي الذي دفع الضحية المئات من شبابه في عملية حقيرة شاركت فيها دول مع

.مجرمي البعث وواشنطن وشراذم داعش ولكن السؤوال الذي يراود الكثيرين من العراقيين هو هل أنتبه رجال السلطة الى ذلك أم أنهم كانوا على عفلتهم وتغافلهم وتهاونهم وتقصيرهم ؟ ، بالطبع الجواب لا ، فهم لايقرأون مايصدر عن الامريكان أو غيرهم وهم لا ينتبهون الا بعد فوات الاوان . ويأتي لذلك تأجيلهم امواعيد جلسات البرلمان وعدم تصويتهم داخل قبة البرلمان على الرئاسات الثلاث والتمسك بالتوافق الذي سلبوا به أرادة جموع ممثلي الشعب وجعلوهم مطية لرؤساء الكتل واقتصر دورهم في رفع الايادي كالبيادق بعد اتفاق رؤساء الكتل مما يفقد البرلماني دوره الفاعل في التمثيل الحقيقي والتعبير بشكل كامل عن مايطمح اليه المواطن من الوصول الى مكتسبات تحول امتيازات البرلمانيين بديلا عنها ولهذا يعتبر البرلمان العراقي فريدا من نوعه من حيث آلية عمله التي يشوبها الكثير من الغموض والغرابة ، ليبقي عليه صفة عدم الشرعية من قبل الشعب علامة يسجلها التأريخ في صفحاته وتبقى مشاكل العراق مادام هنالك تغافل من قبل المنتفعين من بقاء دستور كتبه المحتل وفرض على الشعب من قبل اشخاص لايمثلونه فيه العلل وهو العلة الاعظم والمستفاد منه تلك الطبقة الحاكمة التي تتعمد الاهمال والتقصير ولذلك فهم لايشعرون بالمسؤولية الوطنية ولا يربطهم بالشعب أي رابط غير استغلال الاصوات التي زورت واجتهدوا بايجاد بديل عن المواطن فهم لهذا تراهم غير مكترثين بمصيره ومايحل به من أزمات ولا للبلد الذي يتحكمون بخيراته ويتنازعون على التحاصص في مكاسب ومغانم ثرواته ، والا لماذا كل هذه اللامبالات ؟ سيبقى المشكل الحقيقي للعراق والعراقيين هؤلاء الشرذمة من الحكام وسيؤول مصير الناس بالعراق الى الاسوأ ماداموا يتحكمون بالسلطة ومادام الشعب يقف ساكتا عاجزا والجيش سيبقى انشغاله وهمه في ملاحقة المرتزقة من امثال داعش والمتضررين من اتباع البعث الساقط ولن يجد داعما ينهي تلك المهمة او يسهلها عليه ليبقى دوره مقتصرا على ذلك وغائبا عن التوجه للقضاء على المفسدين في العراق من الطبقة الحاكمة.