23 ديسمبر، 2024 11:12 ص

المهلات غير الكسلات..

المهلات غير الكسلات..

نسخة منه الى العبادي

لو تصفحنا أسفار التأريخ، وقلبنا ماقاله السابقون -فضلا عن اللاحقين- عن أهمية عامل الوقت في حياة الإنسان، وارتباطه المباشر والمؤثر بيومياته، لاتضح لنا أن عنصر الزمن هو المحور الذي تدور حوله باقي العناصر الحياتية، إذ تتحدد بعقارب الساعة كل خطوة نخطوها، سواء أكانت الى الأمام أم الى الخلف!. لذا فقد أولى قادة الأمم منذ فجر الحضارات هذا الجانب كثيرا من الاهتمام، حتى أن عجلة الاختراعات والابتكارات ما انفكت تدور باتجاه تأمين وسائل وأدوات تختزل فيها عنصر الزمن، وتختصر عامل الوقت في أعمال الإنسان ومتطلبات معيشته، فدخل هذا الاهتمام في صلب الصناعات في مجالاتها كافة. وأظن تقدم البلدان اليوم بماتحققه من طفرات في العلوم والتكنولوجيا والصناعة والزراعة والثقافة، يقاس باعتماد السقف الزمني الذي تنجز تحته هذه المعطيات كوحدة أساس ضمن وحدات التقييم. وعلى سبيل المثال لاالحصر، بناء ناطحة سحاب على أرض مدينة تشانغشا في الصين بارتفاع 204 م في 19 يوما. أو مد سكة حديد من قارة الى قارة بزمن قياسي لم يكن أحدنا يصدقه حتى في عالم الخيال. وقد اتجه العالم بأجمعه صوب اختزال الوقت وعدم تضييعه فيما لاجدوى منه ولا نفع.
هنا في عراقنا الممتدة حضارته في عمق التأريخ آلافا عديدة من السنوات، لايخالفني أحد إن قلت أن الوقت لدينا أرخص مايباع وأسرع مايُصرف وأول مايُفرط به، ولطالما كان تبديد ساعات النهار الطويلة ديدن كثيرين منا، فضلا عن ساعات الليل، وليس غريبا عنا ترديد عبارة؛ (تعال خل نگضي وكت) في حال دعوتنا صديقا او زميلا او قريبا، وكأن الوقت عبء فُرض علينا، او حمل نتوق الى الخلاص منه بسبب او دون سبب، في وقت ملأت الحكم والمواعظ بأهمية الوقت صفحات مما ورثناه من الأجداد والآباء، فقد قالوا: (الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك)، وقالوا: (ثلاث لايمكن استعادتها؛ رصاصة أطلقتها، وكلمة قلتها، وأيام عشتها)، وقطعا ليس أجدادنا وحدهم أحسوا بقيمة الوقت، فقد قال بنيامين فرانكلين: “لايمكن إيجاد الوقت الضائع أبداً”. كذلك قال كارل ساندبرغ: “الوقت عملة حياتك، وهي العملة الوحيدة التي تملكها، وأنت وحدك تستطيع أن تحدد كيف يمكن أن يُنفَق، فاحرص على ألا تدع آخرين ينفقونه بالنيابة عنك”. كما قال أحد الحكماء: “الأيام خمسة؛ مفقود، ومشهود، ومورود، وموعود، وممدود, فالمفقود هو يوم أمسِ الذي فاتك مع ما فرَّطتَ فيه، واليوم المشهود هو يومكَ الذي أنت فيه فتزوَّد فيه مِن الخير ما استطعت، واليوم المورود هو غدك، لا تدري هل تدركه أم لا؟! واليوم الموعود هو آخر أيامك في الحياة الدنيا.. فأعدَّ له العدة، وأما اليوم الممدود فهو يوم القيامة.. وهو يوم لاانقضاء له”. أما عمر الخيام فقد أنشد عن الوقت:
سمعت صوتا هاتفا في السحر
نادى من الغيب غفاة البشر
هبوا املأوا كأس المنى
قبل أن تملأ كأسَ العمر كفُ القدر
ماذكرني بالوقت وأهميته هو كثرة المُهل التي مُنحت -ومازالت تمنح- لرئيس وزرائنا العبادي، وكثرة ماأضاعه -ومازال يضيعه- منها، فياليته يدري -ومؤكد أنه يدري- أن مفردة مُهل جمع مهلة، وتجمع أيضا على مهلات، وهي غير الكسلات..! فالكسلة والعياذ بالله تؤول به وبنا شر مآل، ولن ينفعنا حينها تظاهر، كما لن ينفعه إصلاح، وساعتها لن يجد من يقف معه ظهيرا ساندا، لاالمرجعية ولا الشعب.
[email protected]