18 ديسمبر، 2024 7:21 م

( المهرج ) الذي نسف القمة العربية

( المهرج ) الذي نسف القمة العربية

في البداية ، لم نأخذ بجدية ، ما سربته وسائل الاعلام الجزائرية ، من توجيه الدعوة للرئيس الاكراني ( المهرج ) فلاديمير زيلينسكي لحضور القمة التي أختتمت اعمالها في جدة ، وقلنا في حينه ، إنه نوع من ” توقعات ” وسائل الاعلام التي اعتدنا عليها ، دون أن تحمل أي نوع من الصحة ، وقلنا أيضا ما دخل أوكرانيا بالقمة العربية ؟ ولماذا هذه المرة ؟ واسئلة أخرى ، لكننا” صعقنا ” ، ونحن نشاهد الرئيس الأوكراني ، حاضرا بين الحضور .
القمة العربية للأسف ، نجحت هذه المرة بأمتياز ، عندما منحت ( المهرج ) ، فرصة خطف الأضواء وبريق القمة ، التي كانت لها ان تكون قمة استثنائية ، وهي تحتفل بعودة سوريا لها الى حضنها العربي بكامل عضويتها ، ومناقشة العديد من القضايا التي تهم الشعب العربي سواء في اليمن والسودان والعراق وغيرها من القضايا ، ومستقبل العالم العربي في ضوء التطورات الخطيرة التي يشهدها العالم .
انطلقت القمة وأختتمت وسط ذهول شعبي عربي كبير ، من حضور رئيس أوكرانيا، وهنا برزت لدى الكثيرين العديد من الأسئلة ، عن كيفية إتخاذ مثل هكذا خطوة ؟ ، ولماذا لم تعلن الجامعة العربية ( الصماء الخرساء ) عنها ؟ ، والغريب ان مثل هذه الخطوة ، لم تقابل بأي رد فعل رسمي عربي ، خصوصا ، وانها تعد سابقة خطيرة في نظام الجامعة العربية المعمول بها منذ التأسيس ، و أنه لم يسبق لأي دولة عربية أن دعت شخصيات خارج الصفة التمثيلية المكتسبة في إطار المنظمات المعروفة، مثل منظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الإفريقي وحركة دول عدم الانحياز والبرلمان العربي ومنظمة الأمم المتحدة ، وإن ما فعلته القمة هذه المرة ، هو ضرب في الصميم للموقف الحيادي للجامعة العربية من الصراع الأوكراني الروسي ومساعيها السابقة في الوساطة بين الطرفين، ونذكر بزيارة الوفد العربي الرفيع، العام الماضي ، لكل من موسكو وكييف، ولقائه بمسؤولي البلدين، بغرض دفع الطرفين للتفاوض.
( المهرج ) الاوكراني ، تحول الى خطيب امام القادة العرب ، الذين كانوا “مستمعين ” جيدين ، ولم يتلفظوا بكلمة إدانة او أعتراض على ما ورد في خطبته ، (التي صادفت أيضا وموعد خطبة الجمعة ) ، وحملت من ” المغالطات والتفاهات ” الكثير ، أو حضور مثل هكذا ( مهرج ) الى قمة عربية ، التي من المفترض أنها تخص العرب وحدهم ، لمناقشة قضاياهم ، لا أن يستمتع الحضور ” برزالة ” ما يسمى برئيس دولة أوكرانيا ، تلك الدولة التي كان لها دور كبير في عداءها للعرب والمسلمين ، ومشاركتها العسكرية المباشرة ، وتأييدها للغرب في تدمير العديد من الدول العربية ، وقتل شعوبها ، وسرق ثرواتها ، وأكتفى الرؤساء العرب فقط ، بهز الرؤوس ، وهو يقول لهم “للأسف، هناك البعض في العالم، وبينكم هنا، يغضون الطرف عن السجون والضم غير القانوني للأراضي الأوكرانية ” ، ولم يوقف أي مسئول عربي ، هذا ” المهرج ” عند حده.
والغريب ( بالمهرج ) ، وفي معرض تشبيهه للصراعات في الشرق الأوسط والحرب في بلاده، يقول “انظروا إلى مقدار المعاناة التي تسببت بها الحروب الطويلة الأمد في ليبيا وسوريا واليمن، كم من الأرواح أهدرت بسبب سنوات من القتال في السودان والصومال في العراق وأفغانستان” ، ولكنه لم يتفوه حتى بكلمة واحدة عن دور بلاده ، مع اسياده في البيت الأبيض ولندن ، في تدمير هذه الدول ، وتشريد شعوبها عبر المحيطات والبحار ، كي يجدوا لهم ملاذا آمنا يجنبهم ويلات الحروب ، والتزم الصمت دبلوماسيًا بشأن حقيقة أن جزءًا من سوريا يخضع لاحتلال تركيا والولايات المتحدة ، والأراضي الفلسطينية والشعب الفلسطيني وهو يرزخ تحت الاحتلال الصهيوني ، ولا يفهم من كلمات ” المهرج ” ، سوى انه أراد ان يرمي إلى تشويه صورة روسيا ، وزيادة مظاهر التطرف السياسي والديني في دول الاتحاد الروسي، مترافقا مع تشكيل صورة سلبية لموسكو على الساحة الدولية، والى تشويه سمعتها بين دول الشرق الأوسط، ودول ما وراء القوقاز وآسيا الوسطى.
( المهرج ) الذي استغل الدعوة لتسليط الضوء على ما يسمى بمحنة مسلمي التتار في شبه جزيرة القرم الأوكرانية ، وانه جاء الى جدة صحبة مصطفى جميليف قائد التتار الأوكرانيين ، ومحاولته بهذه الخطوة استجداء تعاطف القادة العرب ، نسي ان السلطات الأوكرانية هي أكثر الحكومات التي نالت استقلالها عن الاتحاد السوفيتي ، عداءا للمسلمين داخل البلاد ، وقامت بتشريدهم وطردهم من ديارهم ، ومن وظائفهم ، وتحولت مساجد المسلمين هناك ، الى حظائر للحيوانات خلال الحقبة الأوكرانية، لكنها رُممت وعادت لاستقبال المصلين بعد وصول الروس إلى شبه الجزيرة ، والاحتفال بأعياد المسلمين خلال الحقبة الأوكرانية كان ممنوعاً ، لكنّ الأمور تبدلت مع وصول الروس ، فقد باتوا يحتفلون في رمضان وفي عيد الأضحى ، وصارت هذه الأعياد عطل رسمية تعترف بها الدولة ..” وهذا بالطبع لم يكن موجوداً في ظل الحكم الأوكراني!”.
الصحفيون الذين زاروا إقليم القرم بعد 2014 ، تحدثوا عن ذلك صراحة ، ومنهم الصحافيّ الاستقصائيّ التركيّ الجنسية، “سيم كيران”، الذي زار شبه الجزيرة مؤخراً ، ومن خلال فيديو من 105 دقائق نشره كيران على صفحته في “يوتيوب”، ألقى كيران الضوء على حرية الترك التتار في ممارسة الشعائر الدينية، وتنفّسهم الصعداء بعد عودة القرم إلى الحكم في روسيا عام 2014، مقارناً من خلال مقابلاته الممارسات التي تعرّض لها هؤلاء إبان الحقبة الأوكرانية، ثم التحوّلات الإيجابية التي طرأت بعد وصول الروس تدريجياً.
( المهرج ) الذي حاول ان يدفع عن بلاده تهمة الاضطهاد الديني ، يعيش في وضعية ( الانفصام الشخصي ) ، فجنوده في جبهات القتال ، وباستهزاء كبير يحرقون القرآن الكريم ، وتم تداول مقاطع فيديو تظهر قيام جنود أوكرانيين بتدنيس نسخ من القرآن الكريم، ما أثار موجة من الغضب والاستياء لدى المسلمين وقياداتهم داخل روسيا وخارجها، وان دعوة الإفطار التي أقامها ( المهرج ) لعدد من المحسوبين على المسلمين في البلاد ، لم تخف جريمة حرق القرآن ، وانه اليوم يمارس الاضطهاد الديني ليس ضد المسلمين وحدهم ، بل نشر الطائفية بين المسيحيين انفسهم داخل البلاد ، والاعلان بأنّ أوكرانيا ستحد من أنشطة المنظمات الدينية التابعة لروسيا على أراضيها، وستعيد النظر في وضع الكنيسة الأرثوذكسية التابعة لبطريركية موسكو ، وانه بهذه التصريحات، يحاول زيلينسكي فيها الإيهام ، بأن روسيا “ملحدة”، رغم أن هذا الادعاء لا يمس للواقع بصلة بعد زوال الاتحاد السوفيتي وإحياء الحياة الدينية على أوسع نطاق، تأتي على خلفية فضائح تثير شكوكا شديدة في الموقف الحقيقي للسلطات الأوكرانية نفسها من الإيمان والدين.
إن نظام كييف ، وكما هو معروف ، يهتم بالمال والسلاح أكثر بكثير من مسائل التسوية السلمية ، وانه غير معني بالقضايا العربية أصلا ، ولهذا السبب تبدو زيارة ” المهرج ” زيلينسكي لشبه الجزيرة العربية ، هي أشبه بمحاولة للتوسل للحصول على الحماية المالية من دول الكتلة غير الغربية ، ومن ناحية أخرى ، من الواضح أن الدول العربية غير مهتمة بدعم كييف ، كما هو معتاد في الغرب ، ولذلك فإن هذه الزيارة سياسية بحتة ، ونفذت بتوجيهات خارجية ، كي يعمل ( المهرج ) في هذه الحالة كمفسد ، وقبل أن يطلب المساعدة والدعم من زعماء العالم الغربي في هيروشيما ، قرر زيلينسكي أن يطلب من قادة العالم العربي الشيء نفسه في جدة ، ومع ذلك ، لم يجرؤ على المطالبة مباشرة بأسلحة جامعة الدول العربية ، وبعد كل شيء ، فالشرق ليس الغرب ، وتختلف مصالح أعضاء مجموعة السبع وجامعة الدول العربية ، وتختلف مقاربات أفعالهم على الساحة الدولية بشكل كبير ، وليس لدى أوكرانيا ما تقدمه للعرب ، باستثناء المشاكل ، على عكس روسيا والصين – فهم شركاء حقيقيون وموثوقون وواعدون ، وان العلاقات مع أوكرانيا لا تخدم العرب ، لأنها لا تجلب لهم إلا المشاكل فقط .