7 أبريل، 2024 2:40 ص
Search
Close this search box.

المهدي بين الحقيقة التاريخية والفرضية الفلسفية

Facebook
Twitter
LinkedIn

بداية نطرح تساؤلات متعددة حول علاقة موضوع المهدي بالأكان والأصول والثوابت الإسلامية والإيمانية : هل قضية المهدي ، هي جزء من الأركان الإسلامية والإيمانية أم لا …؟ ، فإذا كان الجواب ب( نعم ) حينها نتساءل : فلماذا لم يرد ذِكْرٌ صريح للمهدي في القرآن الكريم في آية واحدة فقط ، أو في من المتواترات من أحاديث النبي الأكرم محمد – عليه الصلاة والسلام – ، لأن الأركان والأصول الإسلامية والإيمانية وردت كلها صريحة في القرآن والسنة والمتواترة . فإذا قيل يوجد في الأحاديث النبوية أحاديثاً كثيرة عن المهدي وإسمه ونسبه ، نقول : أولاً ؛ إن هذه الأحاديث ليست صحيحة فضلاً عن تواتريتها ، بل تم جعلها وآختلاقها ، ومن ثم نسبتها الى رسول الله محمد . ثانياً ؛ صحة الحديث تفتقر الى شروط معينة وخاصة بالنسبة للسند والراوي والرواة وتسلسلهم التاريخي وعدالتهم . ثالثاً ؛ ينبغي أن يكون الحديث متطابقاً ومتوافقاً مع القرآن ، بخاصة في قضية كالمهدي ، وهذا ما نفتقده فيه – أي في المهدي – بصورة مطلقة ، فكل ما نجده في المذهب الشيعي قرآنياً حول المهدي ، هو الإنتصار للمذهب على حساب الحق والحقيقة والعدالة ، وذلك عبر تأويل متعسف وتفسير ليس متناقض مع القرآن وحسب ، بل هو متصادم معه مباشرة ، لأنه تحريف علني صارخ وواضح كوضوح الشمس في رابعة النهار للأيات القرآنية وتقريراتها ومقاصدها وموضوعاتها .
إن الأركان الإسلامية والإيمانية في الإسلام ، هي معلومة ومعروفة وواضحة ، وهي مما قرره الله سبحانه في تنزيله ، ثم صحت على ضوء القرآن الأحاديث النبوية حولها ، ولا نجد في الأركان والأصول الإسلامية والإيمانية ركناً واحداً لشخصية بشرية على الإطلاق ، وبالمطلق المطلق ما عدا ختمية النبوة والرسالة المتمثلة برسول الله محمد .
ولعله لهذا السبب بالذات جعل مذهب الشيعة الإمامية الإثناعشرية الإمامة أحد أصول مذهبه ، وهذا ما يتناقض ، كل التناقض مع القرآن الكريم وصحيح الآثار النبوية التي تتفق وتتطابق معه ، أي مع القرآن ، لأنه لا يجوز ولا يصح مُطلقاً ، كما لايعقل أن يتناقض ، أو يختلف حديث نبوي واحد فقط مع القرآن ، وحاشا لسيدي رسول الله محمد من ذلك ، إذ هو رسول الله عزوجل ونبيه والقرآن الحكيم والإسلام . تأسيساً على ما ورد من المحال ، كل المحال أن لا يتطابق ولا يتفق حديث نبوي مع الآي القرآني ، وإن آختلف أو تناقض فمعلوم إن الحديث هو مزور ومختلق وموضوع ، لأن القرآن مُقدَّمٌ وأجلٌّ وأعلى من غيره بداهة ، بل لا يُقارن ، فهو يَقضى ولا يُقضى عليه ، كما لا يجوز تقديم كلام على كلام الله سبحانه كائناً من كان . وبالتالي قد تُنسب الى رسول الله محمد ، وما أكثر الروايات والأحاديث والأخبار المزورة والمختلقة التي تم نسبتها الى رسول الله محمد من قبل مذهبي السنة والشيعة وغيرهم .
وفق قرائتي لمقالة الأخ الأستاذ عزالدين محمد عن الباحث المعروف الأستاذ أحمد الكاتب إنه لم يُنصف الحقيقة ، فالأستاذ أحمد الكاتب قد قضى عمراً في البحث والتحقيق والتنقيح والغربلة والتمحيص والمقارنة النقدية المحايدة والموضوعية في قضية المهدي بشكل خاص ، وقضية الإمامة لدى الشيعة الإمامية الإثناعشرية بشكل عام ، وإنه قد طرح المتناقضات الكثيرة في قضية المهدي على أساس المراجع والمصادر المذهبية الشيعية الأساسية المعروفة سواءً كانت حديثية أو تاريخية . فالأستاذ أحمد الكاتب يروي الكثير من الإثباتات والدلائل على أساس المصادر الشيعية نفسها بأن الإمام حسن العسكري لم يتزوج طيلة حياته الى أن توفاه الله تعالى ، وهو في ريعان شبابه حتى يكون له إبن سماه محمداً ، بل وفقاً للمصادر التاريخية إن الإمام حسن العسكري قد آعترف بأن ليس له إبن ، وهو لم يتزوج ، لأنه كان عقيماً من الناحية الجنسية . لذلك ، ولأجل المصالح المذهبية والسياسية والشخصية والمالية – كما يقول الأستاذ أحمد الكاتب – تم إختلاق قصة البنوة لحسن العسكري بأن كان له إبن من جارية له ، وأنه قد أخفى الأمر والموضوع خشية من أعداءه !
في هذا الموضوع كما غيره علينا جميعاً المحاولة في تصحيح الأوضاع ، والقيام بالمراجعات العلمية والتاريخية النقدية النزيهة والمحايدة للمذاهب الإسلامية كلها ، لا الإنتصار لها بحق وبدون حق . فالمذاهب الإسلامية كلها ، في طليعتها المذهبي السني ، هي صناعة بشرية ، وهي إجتهادات بشرية لا يمكن إسباغ العصمة والإطلاقية عليها ، ثم إن المذاهب الإسلامية وأصحابها قد تأثروا بالظروف والأجواء والمنافسات والمماحكات والصراعات السياسية والحزبية والقبلية والعائلية التي كانت حاكمة عليهم قبل قرون طويلة مضت .
مهام ( المهدي ) على ضوء القرآن : تقول الشيعة والسنة إن مهام المهدي تقوم على أساس تحقيق العدالة والإنصاف في الأرض ، وفي محاربة الظلم والطغيان والجور وإزالته من الأرض كلها ، وفي رد المظالم والحقوق الى أهلها وأصحابها الشرعيين , في هذا الموضوع ينفرد الشيعة بأن المهدي سوف يقوم بعد ظهوره بتأسيس دولة عالمية كبرى تشمل العالم كله ، مع القول – أي الشيعة – بأمور متعددة أخرى تتناقض والقرآن الكريم والعقل السليم .
يقول الراحل الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن مهمة المهدي مدعياً بصريح العبارة بأن الأنبياء كلهم قد فشلوا ، حتى رسول الله محمد في نشر العدل ، في العالم كله بينما يمكن للمهدي القيام به وتطبيقه : [ فكل نبي من الأنبياء إنما جاء لإقامة العدل ، وكان هدفه تطبيقه في العالم ، لكنه لم ينجح . وحتى خاتم الأنبياء – ص – الذي كان قد جاء لإصلاح البشر وتهذيبهم وتطبيق العدالة ، فإنه هو أيضاً لم يُوفق . وإن مَنْ سينجح بكل معنى الكلمة ويُطبق العدالة في جميع أرجاء العالم ، هو المهدي المُنتظر ] ! . يُنظر كتاب ( مختارات من أحاديث وخطابات الإمام الخميني ) ، ص 42
في المقطع والنص أعلاه للخميني وردت عبارات لا تليق بشأن المقام الرفيع والعظيم للأنبياء والرسل أبداً ، مع أخطاء وردت فيه ، كقوله : [ فكل نبي من الأنبياء إنما جاء لإقامة العدل ، وكان هدفه تطبيقه في العالم ] ، هو قول خاطيء مئة بالمئة على الصعيد القرآني ، لأن الأنبياء والرسل كلهم ، بآستثناء خاتمهم وهو رسول الله محمد كانوا أنبياء ورسلاً لأقوامهم وبلدانهم وبيئاتهم فقط ، وحصراً ، وهم لم يكونوا مكلّفون بالأقوم والبلدان الأخرى في العالم على الإطلاق إذن ، لا أدري ، ولماذا غفل الخميني الراحل أو تغافل عن هذه النقطة البديهية المقررة والواردة في القرآن الكريم مراراً وتكراراً …؟ ، ثم إن مهمة عظمى ومأمورية كونية كبرى في إقامة العدالة الكونية المطلقة لم يُكلِّفها الله تعالى أحداً من أنبياءه ورسله العظام الذين آصطفاهم من جميع البشر في وقتهم ، حيث هم عبر الوحي كانوا في آتصال معه سبحانه كي يقوم شخص يفتقد جميع تلكم الخصائص والميزات بتحقيقها في الأرض قاطبة ، أليس في ذلك تجاسرٌ وجراءةٌ على الله عزوجل أولاً ، ثم على مقامات الأنبياء والرسل وقاماتهم السامقة ثانياً …؟
أما النقطة الهامة جداً الأخرى ، هي إن الإسلام ليس لأسلمة البشر كلهم في العالم على الإطلاق ، وهذا ما نشهده تكراراً في الكثير من الآيات القرآنية ، حتى الأنبياء والرسل لم يكونوا وكلاء الله سبحانه في الأرض ، بل كانوا مبلغون برسالته الى أقوامهم دونما إكراه وضغط وقهر.
إن قصة المهدي في تطبيقه للعدالة المطلقة في ألأض كلها بعد ظهوره ، وذلك بعد إعماله السيف البتار في أعداء آل بيت النبوة الكريم والمخالفين للإسلام – كما الروايات في المرويات الشيعية – ، تتشابه مع قصة السيد عيسى المسيح نبي الله تعالى وفق عقيدة المسيحيين وإيمانهم ، حيث يؤمنون بأن ولادة [ الرب يسوع المسيح ! ] كانت لأجل الغفران لذنوب وخطايا البشر كلها . لذلك نتساءل على ضوء هذه العقيدة المسيحية : ما هو ذنب البشر بالملايين والملايين الذين كانوا يعيشون قبل المسيح ولم يشملهم ذلكم الغفران ، وهذا بحد ذاته أكبر برهان على بطلان تلك العقيدة وتصامدها الصارخ مع العقل السليم …؟ ، . أما وجه التشابه هو : إن البشر في العالم كله قد عانوا ومازالو يعانون كل أشكال الجور ، بل إن أحداثاً حدثت في الماضي والحاضر تم فيها إبادة الملايين من البشر ، لا بل تم إبادة المئات من الملايين من البشر ، هذا ناهيك عن الحروب الكونية العطمى وغير العطمى التي هلك فيها عشرات الملايين من بني آدم ، ألم يكن كل ذلك يستدعي ظهور [ المهدي ] تحقيقاً للعدالة وإنصافاً للحق وأصحابه إذن ، فما جدوى [ المهدي ] وفلسفته وحكمته وفوائده في ظهور حرم منه مئات الملايين من البشر من عدله وإنصافه …؟
وفق القرآن إن التنافص والإختلاف والصراع بين البشر في الأرض لا ينتهي أبداً ، وهو قائم ما دام البشر يعيشون على الكوكب الأرضي ، وهذه سنة الله تعالى وحكمته في خلقه ، ولذلك خلقهم كما جاء في محكم التزيل القويم : { ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين * إلاّ من رحم ربك ولذلك خلقهم } هود / 118 – 119 ، إذن الأصل في البشرية هو الإختلاف والتنوع والتلون فيما بينها ؛ في الأديان والأفكار والأذواق وغيرها ، وذلك لحِكَمٍ من أبرزها تثبيت حرية الإختيار للإنسان وعمارة الأرض وإصلاحها . من ناحية أخرى وأخيرة إن موضوع المهدي ما عدا إنه بالمطلق ليس من الأركان والأصول الإسلامية والإيمانية فإنه ليس إسلامياً بالأصل والأساس ، بل إنه تسرب الى المسلمين من الأديان الأخرى ، بخاصة من الزرادشتية واليهودية والمسيحية ، حيث المؤمنون بها أيضاً يعتقدون بأنه في زمن ما من الأزمان والدهور سوف يظهر المخلص العالمي لإنقاذ البشر مما هم فيه من الإضطهاد والظلم والعدوان ..

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب