18 ديسمبر، 2024 6:10 م

المهدي بين الحقيقة التاريخية والفرضية الفلسفية

المهدي بين الحقيقة التاريخية والفرضية الفلسفية

بداية نطرح تساؤلات متعددة حول علاقة موضوع المهدي بالأكان والأصول والثوابت الإسلامية والإيمانية : هل قضية المهدي ، هي جزء من الأركان الإسلامية والإيمانية أم لا …؟ ، فإذا كان الجواب ب( نعم ) حينها نتساءل : فلماذا لم يرد ذِكْرٌ صريح للمهدي في القرآن الكريم في آية واحدة فقط ، أو في من المتواترات من أحاديث النبي الأكرم محمد – عليه الصلاة والسلام – ، لأن الأركان والأصول الإسلامية والإيمانية وردت كلها صريحة في القرآن والسنة والمتواترة . فإذا قيل يوجد في الأحاديث النبوية أحاديثاً كثيرة عن المهدي وإسمه ونسبه ، نقول : أولاً ؛ إن هذه الأحاديث ليست صحيحة فضلاً عن تواتريتها ، بل تم جعلها وآختلاقها ، ومن ثم نسبتها الى رسول الله محمد . ثانياً ؛ صحة الحديث تفتقر الى شروط معينة وخاصة بالنسبة للسند والراوي والرواة وتسلسلهم التاريخي وعدالتهم . ثالثاً ؛ ينبغي أن يكون الحديث متطابقاً ومتوافقاً مع القرآن ، بخاصة في قضية كالمهدي ، وهذا ما نفتقده فيه – أي في المهدي – بصورة مطلقة ، فكل ما نجده في المذهب الشيعي قرآنياً حول المهدي ، هو الإنتصار للمذهب على حساب الحق والحقيقة والعدالة ، وذلك عبر تأويل متعسف وتفسير ليس متناقض مع القرآن وحسب ، بل هو متصادم معه مباشرة ، لأنه تحريف علني صارخ وواضح كوضوح الشمس في رابعة النهار للأيات القرآنية وتقريراتها ومقاصدها وموضوعاتها .
إن الأركان الإسلامية والإيمانية في الإسلام ، هي معلومة ومعروفة وواضحة ، وهي مما قرره الله سبحانه في تنزيله ، ثم صحت على ضوء القرآن الأحاديث النبوية حولها ، ولا نجد في الأركان والأصول الإسلامية والإيمانية ركناً واحداً لشخصية بشرية على الإطلاق ، وبالمطلق المطلق ما عدا ختمية النبوة والرسالة المتمثلة برسول الله محمد .
ولعله لهذا السبب بالذات جعل مذهب الشيعة الإمامية الإثناعشرية الإمامة أحد أصول مذهبه ، وهذا ما يتناقض ، كل التناقض مع القرآن الكريم وصحيح الآثار النبوية التي تتفق وتتطابق معه ، أي مع القرآن ، لأنه لا يجوز ولا يصح مُطلقاً ، كما لايعقل أن يتناقض ، أو يختلف حديث نبوي واحد فقط مع القرآن ، وحاشا لسيدي رسول الله محمد من ذلك ، إذ هو رسول الله عزوجل ونبيه والقرآن الحكيم والإسلام . تأسيساً على ما ورد من المحال ، كل المحال أن لا يتطابق ولا يتفق حديث نبوي مع الآي القرآني ، وإن آختلف أو تناقض فمعلوم إن الحديث هو مزور ومختلق وموضوع ، لأن القرآن مُقدَّمٌ وأجلٌّ وأعلى من غيره بداهة ، بل لا يُقارن ، فهو يَقضى ولا يُقضى عليه ، كما لا يجوز تقديم كلام على كلام الله سبحانه كائناً من كان . وبالتالي قد تُنسب الى رسول الله محمد ، وما أكثر الروايات والأحاديث والأخبار المزورة والمختلقة التي تم نسبتها الى رسول الله محمد من قبل مذهبي السنة والشيعة وغيرهم .
وفق قرائتي لمقالة الأخ الأستاذ عزالدين محمد عن الباحث المعروف الأستاذ أحمد الكاتب إنه لم يُنصف الحقيقة ، فالأستاذ أحمد الكاتب قد قضى عمراً في البحث والتحقيق والتنقيح والغربلة والتمحيص والمقارنة النقدية المحايدة والموضوعية في قضية المهدي بشكل خاص ، وقضية الإمامة لدى الشيعة الإمامية الإثناعشرية بشكل عام ، وإنه قد طرح المتناقضات الكثيرة في قضية المهدي على أساس المراجع والمصادر المذهبية الشيعية الأساسية المعروفة سواءً كانت حديثية أو تاريخية . فالأستاذ أحمد الكاتب يروي الكثير من الإثباتات والدلائل على أساس المصادر الشيعية نفسها بأن الإمام حسن العسكري لم يتزوج طيلة حياته الى أن توفاه الله تعالى ، وهو في ريعان شبابه حتى يكون له إبن سماه محمداً ، بل وفقاً للمصادر التاريخية إن الإمام حسن العسكري قد آعترف بأن ليس له إبن ، وهو لم يتزوج ، لأنه كان عقيماً من الناحية الجنسية . لذلك ، ولأجل المصالح المذهبية والسياسية والشخصية والمالية – كما يقول الأستاذ أحمد الكاتب – تم إختلاق قصة البنوة لحسن العسكري بأن كان له إبن من جارية له ، وأنه قد أخفى الأمر والموضوع خشية من أعداءه !
في هذا الموضوع كما غيره علينا جميعاً المحاولة في تصحيح الأوضاع ، والقيام بالمراجعات العلمية والتاريخية النقدية النزيهة والمحايدة للمذاهب الإسلامية كلها ، لا الإنتصار لها بحق وبدون حق . فالمذاهب الإسلامية كلها ، في طليعتها المذهبي السني ، هي صناعة بشرية ، وهي إجتهادات بشرية لا يمكن إسباغ العصمة والإطلاقية عليها ، ثم إن المذاهب الإسلامية وأصحابها قد تأثروا بالظروف والأجواء والمنافسات والمماحكات والصراعات السياسية والحزبية والقبلية والعائلية التي كانت حاكمة عليهم قبل قرون طويلة مضت .
مهام ( المهدي ) على ضوء القرآن : تقول الشيعة والسنة إن مهام المهدي تقوم على أساس تحقيق العدالة والإنصاف في الأرض ، وفي محاربة الظلم والطغيان والجور وإزالته من الأرض كلها ، وفي رد المظالم والحقوق الى أهلها وأصحابها الشرعيين , في هذا الموضوع ينفرد الشيعة بأن المهدي سوف يقوم بعد ظهوره بتأسيس دولة عالمية كبرى تشمل العالم كله ، مع القول – أي الشيعة – بأمور متعددة أخرى تتناقض والقرآن الكريم والعقل السليم .
يقول الراحل الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن مهمة المهدي مدعياً بصريح العبارة بأن الأنبياء كلهم قد فشلوا ، حتى رسول الله محمد في نشر العدل ، في العالم كله بينما يمكن للمهدي القيام به وتطبيقه : [ فكل نبي من الأنبياء إنما جاء لإقامة العدل ، وكان هدفه تطبيقه في العالم ، لكنه لم ينجح . وحتى خاتم الأنبياء – ص – الذي كان قد جاء لإصلاح البشر وتهذيبهم وتطبيق العدالة ، فإنه هو أيضاً لم يُوفق . وإن مَنْ سينجح بكل معنى الكلمة ويُطبق العدالة في جميع أرجاء العالم ، هو المهدي المُنتظر ] ! . يُنظر كتاب ( مختارات من أحاديث وخطابات الإمام الخميني ) ، ص 42
في المقطع والنص أعلاه للخميني وردت عبارات لا تليق بشأن المقام الرفيع والعظيم للأنبياء والرسل أبداً ، مع أخطاء وردت فيه ، كقوله : [ فكل نبي من الأنبياء إنما جاء لإقامة العدل ، وكان هدفه تطبيقه في العالم ] ، هو قول خاطيء مئة بالمئة على الصعيد القرآني ، لأن الأنبياء والرسل كلهم ، بآستثناء خاتمهم وهو رسول الله محمد كانوا أنبياء ورسلاً لأقوامهم وبلدانهم وبيئاتهم فقط ، وحصراً ، وهم لم يكونوا مكلّفون بالأقوم والبلدان الأخرى في العالم على الإطلاق إذن ، لا أدري ، ولماذا غفل الخميني الراحل أو تغافل عن هذه النقطة البديهية المقررة والواردة في القرآن الكريم مراراً وتكراراً …؟ ، ثم إن مهمة عظمى ومأمورية كونية كبرى في إقامة العدالة الكونية المطلقة لم يُكلِّفها الله تعالى أحداً من أنبياءه ورسله العظام الذين آصطفاهم من جميع البشر في وقتهم ، حيث هم عبر الوحي كانوا في آتصال معه سبحانه كي يقوم شخص يفتقد جميع تلكم الخصائص والميزات بتحقيقها في الأرض قاطبة ، أليس في ذلك تجاسرٌ وجراءةٌ على الله عزوجل أولاً ، ثم على مقامات الأنبياء والرسل وقاماتهم السامقة ثانياً …؟
أما النقطة الهامة جداً الأخرى ، هي إن الإسلام ليس لأسلمة البشر كلهم في العالم على الإطلاق ، وهذا ما نشهده تكراراً في الكثير من الآيات القرآنية ، حتى الأنبياء والرسل لم يكونوا وكلاء الله سبحانه في الأرض ، بل كانوا مبلغون برسالته الى أقوامهم دونما إكراه وضغط وقهر.
إن قصة المهدي في تطبيقه للعدالة المطلقة في ألأض كلها بعد ظهوره ، وذلك بعد إعماله السيف البتار في أعداء آل بيت النبوة الكريم والمخالفين للإسلام – كما الروايات في المرويات الشيعية – ، تتشابه مع قصة السيد عيسى المسيح نبي الله تعالى وفق عقيدة المسيحيين وإيمانهم ، حيث يؤمنون بأن ولادة [ الرب يسوع المسيح ! ] كانت لأجل الغفران لذنوب وخطايا البشر كلها . لذلك نتساءل على ضوء هذه العقيدة المسيحية : ما هو ذنب البشر بالملايين والملايين الذين كانوا يعيشون قبل المسيح ولم يشملهم ذلكم الغفران ، وهذا بحد ذاته أكبر برهان على بطلان تلك العقيدة وتصامدها الصارخ مع العقل السليم …؟ ، . أما وجه التشابه هو : إن البشر في العالم كله قد عانوا ومازالو يعانون كل أشكال الجور ، بل إن أحداثاً حدثت في الماضي والحاضر تم فيها إبادة الملايين من البشر ، لا بل تم إبادة المئات من الملايين من البشر ، هذا ناهيك عن الحروب الكونية العطمى وغير العطمى التي هلك فيها عشرات الملايين من بني آدم ، ألم يكن كل ذلك يستدعي ظهور [ المهدي ] تحقيقاً للعدالة وإنصافاً للحق وأصحابه إذن ، فما جدوى [ المهدي ] وفلسفته وحكمته وفوائده في ظهور حرم منه مئات الملايين من البشر من عدله وإنصافه …؟
وفق القرآن إن التنافص والإختلاف والصراع بين البشر في الأرض لا ينتهي أبداً ، وهو قائم ما دام البشر يعيشون على الكوكب الأرضي ، وهذه سنة الله تعالى وحكمته في خلقه ، ولذلك خلقهم كما جاء في محكم التزيل القويم : { ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين * إلاّ من رحم ربك ولذلك خلقهم } هود / 118 – 119 ، إذن الأصل في البشرية هو الإختلاف والتنوع والتلون فيما بينها ؛ في الأديان والأفكار والأذواق وغيرها ، وذلك لحِكَمٍ من أبرزها تثبيت حرية الإختيار للإنسان وعمارة الأرض وإصلاحها . من ناحية أخرى وأخيرة إن موضوع المهدي ما عدا إنه بالمطلق ليس من الأركان والأصول الإسلامية والإيمانية فإنه ليس إسلامياً بالأصل والأساس ، بل إنه تسرب الى المسلمين من الأديان الأخرى ، بخاصة من الزرادشتية واليهودية والمسيحية ، حيث المؤمنون بها أيضاً يعتقدون بأنه في زمن ما من الأزمان والدهور سوف يظهر المخلص العالمي لإنقاذ البشر مما هم فيه من الإضطهاد والظلم والعدوان ..