23 ديسمبر، 2024 5:58 ص

مهاجر منذ قرون خلت عبرت الافاق وحللت في اماكن شتى وتعرفت الى معالم البلدان والمدن ..اعبر الزمن بلا هوية فأنا مطارد ابدي .اليوم قررت العودة.
ها انا أقف على باب الدار بعد غياب حقبة من السنين.
في هذه اللحظة يتملكني شعور بعاطفة المحب الذي عاد للتو للقاء الاحبة لكن الذي استغربه هو مشاعر الحزن التي تشابكت بوشائج الشوق والحنين والتي جعلتني مسمرا الى الباب وقتا لا أقدر ان احدد مداه إذ تدافعت الى مخيلتي صور وأحداث لأيام مضت.
………
في بداية الربيع ازهرت حديقة الدار بورود ملونة حرصت على ان امدها بكل ما يمكنها من ان تكون يانعة جميلة مزدهرة ,حديقة الدار للجميع كانت بهجة وفرح فأنا بطبيعتي اؤمن بأن أجمل ما يشد اواصر الالفة ودوامها هو عطاء الزهور, لذا كانت عطورها الفواحة سلامي في صباحاتي المشرقة في بداية الربيع خير الهدايا.
كما يقال …عمر الربيع قصير وعمر الزهور اقصر.
فاجئني الخريف وانا لم اعد له عدتي كشيخ مسن ليس له ما يتوكأ عليه وليس من عصا تحمل ثقل جسده المتعب .
هو ضيفي لكنه غير راحل وانا مضيفه لكنني غير مخير…لا حل لي ولا خيار.
كما قلت لكم انني اعمل على ان التقي احبتي بكل ما يمكن ان يبهجهم ويديم اواصر الالفة وإذ زحف الخريف على حديقة الدار توجهت بوجهة جديدة وهي ان امنح الاحبة صورا ملونة مليئة بالأمل والامنيات لربيع جديد آت.
…..
كانت بداية موفقة ومضى يوم وآخر تلاه آخر وآخر…..وتعددت حلقات سلسلة العقد التي حرصت على ان لا تفقد نظامها وعمدت الى ان تدوم حتى يطل ربيعنا الجديد وتعود زهورنا الملونة ومضى زمن وفاجأتنا العاصفة ….آه……
قد تكون العواصف بحرا يسير بأمواجه المتلاطمة من قيعانه الى عباب السماء ويعود منهمرا بالريح والتراب بعد ان يشرب الفضاء مياهه و يتشظى في الآفاق ملحه.
اقول لم يكن بد مما كان فالعاصفة فاجأتنا وانفرط عقد النظام وتبعثرت لآلئ العقد شرقا وغربا ,شمالا وجنوب .
الجميع غادروا
الجميع هجروا البيت واندثرت معالم الحياة في الحديقة فلا دار ولا زهور.
انه حلم مضى …لن يعود…انتظرت طويلا ان يرافقني امل او حلم. لكن الظلام خيم في الافق ومحت الرياح كل اثر للزمان والمكان.
فقط في الخيال كانت لأحبتي صور شتى رأيتهم ذات يوم لكنهم لم يعرفوني ,وحين بادرتهم السلام ….لم يردوا عليَّ ببنت شفة.
….
آلمني انني وحيد
آلمني انني غريب …مضيت في طريقي لا ألوي على شيء تعثرت بصخور ناتئة ادمت قدمي وخضت في وحول جمعت مياه المطر وتراب الارض.
اعتمدت ارادة التحدي وواصلت المسير عبرت الصيف والخريف والشتاء وعدت من غربتي الى الدار التي اقف امامها وها انا امضي الى حيث الزهور.