اعتادت البلدان المتطورة ان تولي اهتمامها بالمدن الصناعية الكبرى ، اكثر من غيرها وذلك لاهميتها الاقتصادية البالغة ، وكونها العمود الفقري للصناعات المهمة . وفي العراق كانت البيجي من اهم المدن الصناعية ، والتي تظم على ارضها اهم المنشآت النفطية في البلاد ، كمصفى بيجي والمحطة الحرارية ، والغازية ، ومعمل الاسمدة ، ومعامل الزيوت ، والمنظفات ، اضافة لكليات هندسة النفط ، والتعدين ، ومعهد التدريب النفطي . الموقع الجغرافي ، للبيجي جعلها محط انظار واطماع التنظيمات المسلحة ، فهي تقع شمال صلاح الدين ، وتبعد عن مركز المحافظه ب٤٠ كم ، وهي مفترق طرق بين محافظات كركوك ، الموصل ، صلاح الدين ، الانبار ، و يربطها مع كركوك جسر الفتحه ، وهذا الممر مهم جدا، حيث تمتد الانابيب الناقلة ، للنفط والغاز ، من والى كركوك ، وكذلك قربها من حقلي عجيل وعلاس شرق تكريت ، والذان كانا يضخان ٣٥ الف برميل يوميا تستخدم للانتاج والاستخدام المحلي قبل حزيران ٢٠١٤. ويمر عبر بيجي ، الطريق الرابط بين بغداد والموصل ، والطريق المؤدي الى الانبار ، عبر حديثه ، وصولا الى الحدود السورية ، مرورا بناحية الصينيه ، التي تحتضن هي الاخرى احد المصافي التابعه لشركة النفط ، وفيها قاعدة الصينية الجوية . موقع البيجي ، جعلها من اهم مدن صلاح الدين ، لذلك حرص تنظيم داعش على استغلالها ، والاستحواذ عليها ، وكان مصفى بيجي ، الاكثر عرضة للهجمات الارهابية ، كونه المنشاة الابرز ، ومع دفاع عدد قليل من جنود حماية المصفى ، وصمودهم الاسطوري، في حينها الا ان التنظيم المتطرف ، استطاع ان يدخل المصفى ، ويلحق الدمار بعدد كبير من منشآته الحيوية . وقد حاولت القوات العراقية ، مدعومة بالحشد الشعبي ، ان تدخل البيجي ، في ظل غياب للتنسيق مع التحالف الدولي ، لتوفير الغطاء الجوي ، ماادى الى فشل الحمله الاولى ، والتي تبعتها عدة هجمات للقوات العراقية ، استعادت من خلالها القطعات المهاجمة اجزاء من المالحه جنوب المدينة ، وكانت هناك عمليات كر وفر تاذت من خلالها المدينة .
وتم التوغل داخل البيجي ، واستعيدت اجزاء مهمه منها ، ولكن سقوط مدبنة الرمادي ، اثر سلبا على مجمل العملية في بيجي ، وعاد اليها داعش مرة اخرى . الى ان تم تحريرها لاحقا من يد التنظيم ، بعد عمليات بدات من الحجاج والبوطعمه ، وتطويق الصينية ، وبين قصف ، ومعارك ، تدمرت اغلب البنى التحتية ، وتضررت اغلب دور المواطنين ، ونهبت ، وتحطمت مصالح ، ومحلات ، واسواق بيجي ، وكان هناك اتهامات بانتهاكات كبيرة فيها ، وخصوصا في المصفى ، الذي نهبت اغلب الاجهزة ، والمعدات الثمينة فية ، ونقلت الى بغداد ، فوق شاحنات ، من قبل عناصر بعض الفصائل في الحشد الشعبي ، سميت لاحقا بالمندسين ، وهذا مااشرته الامم المتحدة ، والتحالف الدولي، وعدد من المنظمات الدولبة .
من كل هذة الهجمات والانتهاكات ، وما الت اليه اصبحت بيجي مدينة شبه مدمرة ، وبنسبة ٩٠٪ ، ولاتصلح للعيش ، ولذلك فهي تعد منكوبه من حيث المبدا ، وليس في الافق اجراء يعيد اهلها من مخيمات النزوح لمنازلهم التي نهبت وفجرت اغلبها . تصويت مجلس النواب العراقي ، يوم ١٣تموز ٢٠١٦ ، باعتبار البيجي مدينة منكوبة ، لم يكن الا اجراءا شكليا ، ودعاية سياسية ، لنواب عن محافظة صلاح الدين ، ولاقيمة لة على ارض الواقع ، في ظل انهيار اقتصادي ، وتخبط في كل الاتجاهات ، والازمات ، التي تعيشها البلاد. لذلك فان هذا القرار يعد تخدير اعصاب ، ودعاية ، لاتسمن ولاتغني من جوع ، فالحكومه تتعذر بالعجز المالي ، ولديها من المشاكل مالاحصر له ، وحربها مع داعش لم تنتهي بعد ، وتحتاج الى موارد ، لادامة التقدم باتجاة الموصل. وعلى مايبدو ان دعوة محافظ صلاح اادين ، احمد الجبوري ،عبر وسائل الاعلام ، والتي دعا فيها ، الدول الخليجية التدخل ، للمساعدة باعادة البنى التحتية في المحافظة ، ومن اهمها البيجي ، لم تاتي من فراغ ، وتندرج ضمن هذا الواقع ، فهو يعي ، ان الحكومة لاتستطيع الانفاق على اعمار اي مدينة عراقية ، وسط فشل اقتصادي ، وازمة خانقة تلف البلاد . وبين الشد والجذب ، وتداعيات نكبة البيجي ، ومن نكبها ، يعيش اكثر من ١٧٠ الف مواطن خارج منازلهم ، مهجرين ونازحين ، بين اقليم كردستان ، وكركوك ، وتكريت ، وسامراء، والعلم ، وهؤلاء يتوقون للعوده الى منازلهم ، ويحدوهم الامل لذلك ، ولكن يبدو ان امالهم بائت بالفشل ، وغير قابله للتحقيق ، في الوقت الحاضر. وسيكتفون بعنوان ، مدينة بيجي المنكوبة ، يعزون به انفسهم ، حتى تضع الحرب اوزارها.
[email protected]