من الاحداث البارزة الملفتة للبال والنظر الفارضة نفسها في هذه المرحلة كحالة استثنائية في العلاقات الدولية والمفهوم السياسي العالمي العام . حالة التناقض وصلت الى مرحلة مخيفة من الرعب الحربي بين الدولتين كوريا الشمالية و الولايات المتحدة الاميركية وينسحب ذلك على مؤيديها أي اميركا . الولايات المتحدة وصلت في معاناتها وخوفها الى اقصاها . رعب سما في درجاته الى اعلاها واوسعها عموديا وافقياً .
الخوف ليس نابع من قوة كوريا العسكرية والذرية او الاقتصادية فهي بالمقارنة متواضعة ولا تقاس بقوة الولايات المتحدة العسكرية والذرية والاقتصادية ولا العلمية والمخابراتية وغيرها .. إذاً لماذا هذا الذعر والجفل والغَم الاميركي الذي عم كل اميركا بكل تفاصيلها والعالم الغربي وشرق آسيا .
والسبب هو التعامل مع شخص الرئيس الكوري الشمالي ” كيم جونغ أون ” شخصية متمردة على نفسها لها مشروعيتها في التعامل مع من يريد المساس بأمن كوريا . كل الإيحاءات بالإعتداء على كوريا الشمالية مصدره الولايات المتحدة سواءً الصادرة من كوريا الديمقراطية أو اليابان أو من اميركا بشكل مباشر .لذلك اعلان الرئيس الكوري بالرد الشامل المؤثر مضحياً بكل شيء ” عليَّ وعلى اعدائي ” في سبيل الدفاع عن وجود كوريا الشمالية كدولة او عدم وجودها , وهذا يشبه كثيراً ” من يضع اصبعه على الزناد متجاوزاً الضغط الاول ” جاهزاً للرمي في اية لحضة . ربما قد تكون عثرة غير مقصودة فتحدث الكارثة . تستطيع الولايات المتحدة الانتهاء من كوريا الشمالية وبشكل مرعب , لكن بالنتيجة ستقع اميركا في مستنقع الرعب العالمي الكبير والشعبي الاميركي وسيتداعى عنفوانها مع شعبها والعالم . علاوة على الرد الصيني الطبيعي المتوقع الذي يدخل ظمن الاحتراز الوقائي المطلوب للخطر الذي من المحتمل أن يشملها ويشمل فيتنام وكوبا وقد يتعداهم للهند وروسيا رغم العلاقة الهادئة بينهما .
هذه الصورة المرعبة التي كان التصرف الاميركي السبب في رسمها وتعميمها وكأنها وقعت في شر اعمالها .
لذا فأعلان الرئيس الكوري في دعوته للسلام أذهل الجميع وأدهشهم , وكأنه يعلن بالحرف الواحد ” لقد بينتُ ما عليَّ تبيانه لشعبي وللعالم ” وقد أعذر من انذر . . . فلم تصدق اميركا ترامب ما اتى به الرئيس الكوري الشمالي . ووافقت على كل شيء في السر اكثر منه في العلن على شروطه المتواضعة المحق فيها ” السلام لكوريا الشمالية ” الصين لها دور كبير في تحريك هذه المحطة من الصراع . الذي يؤكد بأن الجانب الشيوعي الاشتراكي له المكانة التي ينبغي ان تُحتَرَم , ويجب حسابها . وان الجزء المنهار من الاتحاد السوفيتي الذي كانت تمثله روسيا وحلفائها المنهارين . لايشكل الا جزء من النظام الشيوعي بالعالم رغم انه الجزء الاهم . لكن يبقى في العالم شطرين متناقضين الفكر والمنهج الشيوعي الاشتراكي والمنهج والفكر الرأسمالي .
مقارنة هذا الحال من الصراع الشيوعي الرأسمالي ونتائجه بالصراع العربي الاستعماري الذي تقوده الولايات المتحدة الاميركية غير منطقي . البعض يتسائل لماذا لايحذو العرب حذوَ كوريا الشمالية في الصراع مع المستعمر الاميركي واسرائيل وحلفائهم والموالين لهم , ويشرعون في ” حالة سلام على هوى اميركا ” هذا التصور يشكل قمة الخطئ ولا يتجانس مع حقائق واقع الصراع العربي الاستعماري وموجباته في الاهداف ولا في الوسائل ولا في النتائج المطلوبة من هذا الصراع . الاختلاف الجوهري بين حالة الصراع الكوري الشمالي وأميركا مختلفة تماماً مع حالة الصراع العربي الاستعماري المتمثل بالولايات المتحدة واسرائيل في حالات كثيرة ذكرناها , لكننا نؤكد بأن الحالين الكوري يعني حالة دفاع ورد عدوان متوقع . والعربي يعني استرداد جزء مغتصب ومسلوب وشعب مُصادَر ترافقه حالة عدوان مستمر من قبل اميركا التي تمثل الوريثة الاساسية وام الاستعمار العالمي الحالي واسرائيل ومن يواليهم وهذا الحال موجباته اكبر بكثير واخطر واعنف في حالات الصراع وتطوره الذي يقلق الدائرة الاستعمارية العدوانية المعادية للعرب والمسلمين في حساباتهم النظرية والفكرية واستشرافهم لمستقبل هذا الصراع ونتائجه . هي الحالة المفضية المتوقعة التي ستشكل الكارثة على هذه الدوائر المعادية , والزمن بتقادمه والاصرار الشعبي العربي والاسلامي سيحقق هذه الكارثة و سيغيير فلسفتهم الاستعمارية . بعد استحداث وسائل ومناهج متوقعة تفرضها حالة الصراع لمواجهته بفعالية وجدية اكبر ستفرض على الانظمة العربية الحاكمة ” إما القبول بها او التنحي عن السلطة ” وهذا المتوقع في كل الحسابات والنظريات السياسيىة والاقتصادية العسكرية والتاريخية والجيو بوليتيكية .
يعيشون اليوم واقع مقلق فهم في خيار صعب للغاية مفاده إما تغيير نهجهم و فلسفتهم وفكرهم الاستعماري في التعامل مع شعوب العالم , وهذا صعب او البقاء عليه والعمل به وهذا هو المرجّح . لكنه سيسارع في حالة انهيارهم التي يعيشونها الواضحة من خلال ” توقف نمو رأس المال الاميركي ” رغم محاولات الترقيع والانعاش من خلال الدعم الخارجي الذي لا يجدي نفعاً على المدى القريب واثارة بعض المشاكل في المنطقة العربية مستخدمة ايران وبعض الحركات الشعوبية التي صنعوها واستثمارها في حالة صراعهم ظمن المنطقة العربية في محاولة لتحسين حالة اميركا الاقتصادية في اتجاهين مترافقين , بيع وتسويق منتجاتها العسكرية والمدنية والخدمية , وحالة الابتزاز لأطراف النزاع مثل السعودية ودول الخليج وايران .
عبدالقادرابوعيسى كاتب ومحلل سياسي عراقي حر مستقل