ترى الولايات المتحدة، ان الحرب مسلمة واقعة في سياق التاريخ سواء رغب الانسان بذلك ام لم يرغب، وهي قائمة بهذا المعتقد على تهيئة مستلزمات اكثر الحروب دماراً وشراسة مع سعيها في الوقت نفسه الى الحصول على اكبر عدد من جوائز نوبل للسلام. الا ان المشكلة التي تواجهها في مسألة الحرب، انها لا تستطيع حجب الرأي الآخر او الصفة النقيضة للصفة التي تؤمن بها وتلهث في الوصول اليها مسعورة.
تبدو الحرب الباردة محطة اولى، اذ هي مصدر الحرب الساخنة في الواقع حتى اذا انطلقت المدافع بدأت الافكار تترى في منح الحرب المندلعة صفاتها الفنية والفكرية بمنظور متعاكس.
فعندما تدعي الولايات المتحدة ان حربها مع (س) من خصومها هي حرب قانونية ومشروعة وعادلة ووقائية، كلها صفات فقهية سياسية دولية، فان خصمها يصفها بغير قانونية وغير مشروعة وظالمة غير عادلة ودفاعية او تحررية، اما الهجومية او الحرب الخاطفة او حرب السراديب War Of Mines فأنه من سمات السياسة الامريكية، وقت الحرب والاعتراف بها بعد الحرب، اما الذي تمارسه الولايات المتحدة بقوة وتتنكر له ولا تعترف به لا في اثناء الحرب ولا في قبل الحرب او بعدها، فهو حرب الابادة War to the Nife.
في كل الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة سفك للدماء غزير، دماء بريئة في الغالب الاعم ليست لها صلة بالسلاح او بحمله واستعماله ومع ذلك التوحش لا نجد الولايات المتحدة ترتوي منها بما يشفي غليل حقدها الأسود فتلجأ الى حرب استنزاف War of Attrition، في صفحتها العسكرية (عصابات، معارك جانبية، انقلابات، قصف عشوائي متكرر…) تعززها بحرب اقتصادية من مظاهرها الحظر Embargo والمقاطعة Boycott والحصار Blockade، وتطلق عليها مجتمعة كلمة واحدة جذابة في موضوعة التربية وعلم النفس على انها عقوبات Sanctions والعقوبات تفرض ضمناً وجود ذنب او معصية او مخالفة.. فهي اذاً قانونية ومشروعة وعادلة ووقائية.. بل مستمرة ودائمة حتى وان زالت اسبابها او دوافعها وانقضت آجالها او احكامها.
هذا المنظور الامريكي للحرب، الحرب الثنائية او الاقليمية حصراً، وهو منظور يقترب من صيرورته سيناريو مهيكل على نحو مستقر الاطار بشكله العام ومتغير بتفاصيله (زمكانياً)، اي حسب الزمان الذي تشاء والمكان الذي تريد، وهو سيناريو يمثل روح الهيمنة بمدلولها السيادي العام Domination والقيادي الخاص Hegemony (دولة على دولة) واذا انصفنا الولايات المتحدة في سعيها الكوني هذا فانها تملك من الطموح الوطني ما يجاوز قدرتها في الواقع الموضوعي.
اما الاطراف الاخرى والنقيضة منها للولايات المتحدة على نحو خاص، فانها تعمل على الصد من هذا التوجه تماماً، فهي تقارع المنظور الامريكي للحرب وتطبيقاته بمعالجات سياسية ودبلوماسية اولا لكبح جماحه ومقدمات زخمه الهائج المستعر ثم التحضير له بما تستطيع من قوة، واول معالم القوة هذا الجانب الروحي والنفسي – الايمان بعدالة القضية والهدف ومن ثم الاستعداد بما هو متاح زائداً الاستعداد للتضحية بما يزيد…
واما الجديد هنا فان المواجهة التقليدية بانتظار القدم الامريكي تطأ ارض اوطاننا او صواريخ بوارجهم تدك مدننا المسالمة لم تعد هي الوحيدة في حسابات العقل والمنطق والواقع مجتمعة اذ لا بد من مبادرات تغير من هذا المنهج وتقصم الظهر جيوبولتيكياً او اقتصادياً او بهما معاً بالمشاركة والاسهام الاقليمي والدولي –تحالف شريف- او من دونهما، لأن الركوع بين يدي الجلاد وتحمل السياط من دون صراخ او به لا يمثل الا حالة استسلام قدري لا يفضي الى نجاة ولا الى انتصار، لا نريد بذا التوجه اثبات حقيقة صراع الارادة على جانبي خط المواجهة حسب بل نتمنى ان يكون واضحان الحالة الساكنة (الستاتية) التي يرزح تحت ظلها الشعب العربي ومنه الشعب العراقي، حيث لم تعد تتفق مع استحقاقه التاريخي ولم تعد تنسجم مع قدراته الاقليمية والاقتصادية، وان الثمن الذي يدفعه هذا الشعب لهذه السكونية المفروضة عليه من الخارج، من الاجنبي المستعمر، باتت ثمناً باهظاً حقاً، في صحته وحياته ونظام عيشه وعمله ثم في قدرته على الانجاز والمواكبة بعد حفنة من سنين في الوقت الذي يمكن ان تصير به 80% من وحدة قياس العصر بكل حضارته وانجازاته، وبتفاعل القدرة العراقية مع الطاقة القومية المضافة، فان الامة والوطن الكبير يصلان الى منتهى الوحدة القياسية الحضارية المعاصرة، اي (100%) ولكن بغياب العراق لن يتحقق شيء من هذا على الاطلاق، لا مبالغة في هذا والجميع يعلم ان ثلاثية العقل والعلم والاقتصاد والانسان متاحة في وادي الرافدين منذ الازل وعلى نحو متكامل لا خلل فيه او نقصان، يبد ان المانع الاكبر امام هذه الدينامية المطلوبة هو الشبح الامريكي بمنظوره للحرب وبمعاداته للسلام معاً وان مقارعة هذا الشبح ليست من مسؤولية العراق والشعب العراقي انما هي مسؤولية كل ساعد عربي وانساني، من رأس كل دولة عربية حتى اخمص قدم آخر مواطن فيها على ساحل البحر او قمة الجبل او ضفاف النهر او مرابع السهول… فنجاح العراق وانتصاره هو انتصار لهم… في الحاضر والمستقبل، وليشهد التاريخ على ذلك.