23 ديسمبر، 2024 4:53 ص

المنظمات المهنية … بديل الأحزاب السياسية … في إدارة الدولة العراقية

المنظمات المهنية … بديل الأحزاب السياسية … في إدارة الدولة العراقية

القسم الخامس
نصت المادة( 45/ أولا ) من الدستور ، على أن ( تحرص الدولة على تعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني ، ودعمها وتطويرها وإستقلاليتها ، بما ينسجم مع الوسائل السلمية لتحقيق الأهداف المشروعة لها ، وينظم ذلك بقانون ) . ونرى أن ليس من الصحيح جعل منظمات المجتمع المدني ( مؤسسات ) ، لأن المؤسسة ( هيكل إقتصادي وإجتماعي يضم فرد أو عدة أفراد يعملون من أجل خلق منتجات أو خدمات إلى زبائن في بيئة تنافسية أو غير تنافسية ) ، وهي بذلك تخالف مفهوم المنظمة التي يقصد بها ( مجموعة من الأفراد يتبعون منطق منظم للوصول إلى هدف محدد ) ، ويعرف المنطق على أنه ( آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر) ، بمعنى إيجاد علاقات محددة بين إفتراضات الإستدلال الفكري ونتائجه . وعليه لا بد من توفير الغطاء القانوني لعمل المنظمات وفق معايير محددة ، تنسجم مع الوسائل السلمية لتحقيق أهدافها المشروعة ، على أن لا يكون دعم الحكومة لها منفذا للسيطرة عليها ، أو أن تكون أداة طيعة بيد السلطات لإبعادها عن جوهر أسس تكوينها ، وإذا كان إنخفاض نسبة الفعاليات والمساهمات التطوعية وضعف ومحدودية تأثيرها في المجتمع ، نابع من غياب الوعي بأهمية العمل التطوعي في المجتمعات بشكل عام وفي دول العالم الثالث ومن ضمنها العراق بشكل خاص ، فإن وجوب تفعيل وتعزيز العمل التطوعي وتوسيع آفاقه ، ينطلق من أن يكون منتمي الأحزاب والتنظيمات السياسية كأفراد وحسب إختصاص أو عمل أو إهتمام كل منهم ، من روافد العقل المهني المشبع بالخبرة والكفاءة النابعة من الممارسة الفعلية التطبيقية المضافة لمؤهلات وقدرات وإمكانيات أعضاء منظمات المجتمع المدني المختلفة ، وإذا كان الخوف من إحتمال وصول الأحزاب السياسية إلى السلطة والحكم عن طريقها سعيا لتحقيق أهدافها السياسية ، وأن ذلك يتناقض ويتقاطع مع مباديء وشروط وأهداف منظمات المجتمع المدني ، ولا يستقيم أو يتناغم مع الصفات الأساسية لها ، فإن قطع صلات الأحزاب السياسية بمؤسسات المجتمع المدني ، وعدم السماح لأي حزبي من العمل في صفوفها إلا بعد قطع علاقته بالحزب نهائيا ، يعد الضمان اللازم لحق العمل والإنتقال المتناسب إليها ، مع إعطاء الفرصة للمنتمين إلى المنظمات في تنمية قدراتهم الذاتية في القيادة الإدارية وصنع القرار ، وتشجيعهم على العطاء والتميز والإبداع في التخطيط والتنفيذ ، من خلال إستمرار عملهم في دوائر الدولة والقطاع العام ، ومساهمتهم في التدريب والإستشارة العلمية والعملية ، وبذلك نضمن الإفادة من كفاءة وخبرة العاملين في منظمات المجتمع المدني المهني ، في تطوير ورفع كفاءة العاملين في دوائر وأجهزة ومؤسسات الدولة ، وبذات الوقت نكون قد أعددنا قادة مهنيين أكفاء لإدارة شؤون دوائر الدولة المختلفة ، بعيدا عن أساليب ووسائل الأحزاب السياسية غير المنتجة في هذا المجال .

*- أما نص البند ( ثانيا) من المادة ذاتها من الدستور ، على أن ( تحرص الدولة على النهوض بالقبائل والعشائر العراقية ، وتهتم بشؤونها بما ينسجم مع الدين والقانون ، وتعزز قيمها الإنسانية النبيلة ، بما يساهم في تطوير المجتمع ، وتمنع الأعراف العشائرية التي تتنافى مع حقوق الإنسان ) ، ففيه من وجهات النظر الكثير ، حيث كان مألوفا ما لأهمية العشائر من دور في تأمين الحماية الذاتية عند غياب دور الدولة أو ضعف علاقتها التنظيمية مع الشعب ، وبذلك كانت العشائر أقوى من الدولة ومؤسسات سلطاتها ، لغلبة أحكام أعرافها على القانون عند حل المنازعات ، بمنع نفاذ سلطة الدولة على واقع ومجريات أحداث الحياة العامة ، وذلك ما لا نتمناه ولا نريده ولا نؤمن به ، لأن التطرف والمغالات إلى حد مطالبة العشائر للأطباء بأداء دية المتوفى منهم في المستشفيات ، دون التحسب لما آلت إليه النتائج السلبية من جعل تلك التصرفات من أسباب هجرة الأطباء وتعرضهم لما يتنافى مع الدين والقانون وحقوق الإنسان ، أو أخذ الدية في حالات الضرر اللاحق بأبنائهم وإن كانوا من المذنبين المقترفين للجنح والجنايات ، وغيرها من تصرفات الإبتزاز الممهدة لتهديد أمن وسلامة الأفراد والمجتمع ، التي لا تصلح لأن تكون من روابط الإنسجام الذي يتحدث عنه الدستور ، خاصة فيما يتعلق بإعتماد بعض أفرادها أو أسرها أو عوائلها ، عناصر تفريق جمعها وتقطيع أوصالها وتقسيم أجزائها ، بعدما كانت تلك الكيانات مجبولة على فطرة الخير منذ نشأتها في إصلاح ذات البين ومد يد العون وحل المشاكل والخلافات الناشئة فيما بين أبنائها ، أو تلك التي تحصل مع مثيلاتها ، فإنها اليوم بين سندان طمع بعض أفرادها ومطارق السلطات الحاكمة وأحزابها ، حتى دب فيها وبين أوصالها ما لا يرجى منها ، لتأخذ الإنتهازية السياسية والتوجهات المذهبية من جرف شواطئها رملا تذر به العيون ، التي لم تكن ترى غير فضائل الكرم والجود فخرا ، وحبا في التسامح والعفو والتضحية ، التي أضاعها ( شيوخ التسعينيات والصدفة قبل وبعد الإحتلال ) ، المتكالبين على تحقيق مآربهم الشخصية بدلا من السعي لأن تكون مجالس العشائر من منظمات المجتمع المدني ، التي تلد أرحامها ما تحتاج إليه الأيام في يسرها وعسرها ، من الرجال والنساء على حد سواء ، وبدلا من الصراعات الدموية التي ذاع صيتها ، أو تلك التي ارتضت التدخل في الشأن السياسي المتعارض مع نواميسها .