11 أبريل، 2024 9:19 ص
Search
Close this search box.

المنظمات المهنية … بديل الأحزاب السياسية … في إدارة الدولة العراقية

Facebook
Twitter
LinkedIn

القسم الرابع
ولما نعتقد في عدم جواز إطلاق الحرية بدون ضوابط تحد من نزعات الخروج عن النظام العام والآداب ، نرى الإيضاح مطلوبا فيما نصت عليه المادة (42) من الدستور ، في أن ( لكل فرد حرية الفكر والضمير والعقيدة ) . لأن المفردات الثلاث من سمات صحة وسلامة العقلية المؤثرة في إجراءات التشريع والتنفيذ والقضاء ، المتمثلة في جوامع خصائص التوجهات الإنسانية اللازمة في البناء والتنمية المستدامة في تطويرها الراقي والمزدهر ، وعليه فقد جهدنا في إستنباط ما يتناسب وينسجم مع إن الفكر نشاط ذهني يختص بإعمال العقل في المعلوم للوصول إلى معرفة المجهول ، أو هو نتاج الإمعان في التفكير الصائب بعد بذل الجهد العقلي في فكرة أو خطة مبتكرة أو منسوبة إلى شخص معين أو مجموعة معينة ، والأفكار وقوانينها وأصولها علم يدرس ، لأنها نشاط ونتاج فكري لفترة أو لمجموعة معينة ، مثل فكر السبعينيات وفكر الضباط الأحرار ، ويعرف الفكر السياسي بأنه ذلك البنيان الفكري المجرد المرتبط بتصوير وتفسير الوجود السياسي ، والفكر المزدوج هو المتسم بقبول فكرتين متناقضتين أو خاطئتين في الوقت ذاته .

أما الضمير ، فهو ما تضمره أو ما تخفيه في نفسك ، ويصعب التعرف أو الوقوف على حقيقته ، وهو إستعداد نفسي لقبول أو رفض ما يعمله الفرد أو ما ينوي القيام به ، وهو ما دل على ما يبديه الإنسان من إستقامة وعناية وحرص ودقة في قيامه بواجبات مهنته ، ويعبر عنه بالقيم سلبا أو إيجابا ، وتأنيب الضمير ما يحسه المرء من عذاب أو ندم أو إتهام لذاته بإرتكاب خطأ نتيجة سلوك مشين قام به ، والصادق الأمين هو صاحب الضمير الحي الذي له نفس تضمر حيوية وتيقظا وأنفة ، وبعكسه فاقد الضمير ومعدومه ، وهو الذي يتصرف بدون وازع أخلاقي ولا شيء يحرك وعيه وإدراكه وإحساسه بالخير ، والضمير العالمي أو الإنساني ، هو الشعور المبني على مبادئ الأخلاق والقيم الإنسانية بعفوية وتلقائية ، للوقوف إلى جانب المظلومين والمستضعفين كما تنص عليه الشرائع السماوية والوضعية ، وهو شعور إنساني باطني في المرء ، يجعله يراقب سلوكه ويتحكم بتوجيهه متبعا الخير رافضا للشر .

والعقيدة هي الحكم الذي لا يقبل الشك فيه لدى معتقده ، وتعني ما عقد الإنسان عليه قلبه جازما به من الأفكار والمبادئ ، فهو عقيدة سواء كان حقا أو باطلا ، وتستخدم الكلمة للإشارة إلى الإعتزاز برأي معين ، ويتداخل مصطلح العقيدة مع مفاهيم أخرى مثل الآيديولوجيا والعقائد الدينية والإيمان ، عندها يكون تبني العقيدة عن طريق الإدراك الحسي والإستنتاج والإتصال مع الأفراد ، وقد يكون من تلقين سلطة حكومية أو حزبية أو تنظيمات سياسية ، وعندما يجزم الإنسان ويقطع بعقيدته ويتعصب لمبادئه أو لآرائه ولا يقيمها موضوعيا أو يناقشها ، ولا يقبل برأي مخالف ويغض النظر عن الحقائق والأدلة ، فتسمى تلك بالجزمية أو الدوغماتية التي هي التعصب والتشدد لفكرة معينة دون قبول النقاش فيها أو الإتيان بأي دليل ينقضها ، أو كما تسمى بالجمود الفكري أو المعتقد الأوحد ، أو كما هي مجموعة الأساليب التي يتبعها السياسيون والحزبيون لخداع الشعب وإغرائه ظاهريا ، للوصول إلى السلطة وخدمة مصالحهم ، هذه الأفكار تستدعي عادة الإنتقاد من قبل المعتدلين والمنفتحين إزاء عقائد ومبادئ لديها مشكلة الزعم بالحقيقة المطلقة ، أو القطع برأي أو معتقد بغض النظر عن الحقائق أو ما يحصل على أرض الواقع ، وهو ما يسمى في اللغة العربية ب ( التعسف ) لوصف فرض الرأي من الموقع غير المدعوم ببراهين الحق ، ويستخدم في العربية مصطلح العقيدة العسكرية للإشارة إلى مجمل المبادئ الأساسية الملزمة التي تتخذها القوات العسكرية لإنجاز مهامها لفترة زمنية معينة , والعقيدة تتطلب الحكمة في التطبيق , ولكن لا يمكننا القول إنها غير قابلة للشك , بل تخضع للتدقيق والتطوير والتحديث بصورة مستمرة , لأنها إطار عام من المفاهيم , وليست خطأ قاطعا كما يتصوره الكثيرون , وإذا لم تخضع للتحديث فإنها تصبح غير قادرة على مواكبة متغيرات الزمن ، وإذا لم تخضع للتطوير فإنها قد تصبح مذهبا وينتفي عنها لقب العقيدة .

وعليه فإن ممارسة الحريات الثلاث من سرائر العقول والقلوب والنفوس ، التي لا يكشف عنها بالتلميح أو بالتصريح المباشر ، لخضوعها لنوايا المقاصد بالأقوال والأفعال قبل تطبيق القانون ، والتي يمكن إعتبارها واحدة من فخاخ السلطات المستبدة وأذرعها وأدوات بطشها ، وقد يكون لكل ما لا يروق للكثيرين من الحزبيين والسياسيين غير المهنيين ، أو الجهلة والأميين من ذوي الميول المتطرفة فكرا أو عقيدة ، موقف أو تقييم لأي رأي مخالف ، بما يفضي بالنهاية إلى حصول إشكالات وإلتباسات وسوء فهم ، وسلبية إدراك لمقاصد ونوايا شخصية وحكومية سلطوية ، بما يتقاطع كليا مع حرية الفكر والضمير والعقيدة ، ولأن تلك الحريات من الأمور الثابتة في الاعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ، فإن قواعد السلوك وحدود القيود التي يفرضها القانون بمجتمعنا ، تكون ضرورية لحماية الخصوصية الفكرية المحاطة بقواعد السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية ، من الإنفلات والتصادم السلبي مع المعتقدات الدينية على وجه الخصوص ، وعليه فإن من موجبات الثوابت الإسلامية تنظيم تلك الحريات بقانون ، أو حذف النص غير المقيد بقانون ، تلافيا للتوسع في الإجتهاد والممارسة غير الناضجة فكريا ، بسبب إعتقاد البعض بمطلق صحة ما يتمسك به ومطلق خطأ الآخرين ، تحت تأثير الشعور بقوة الغلبة والسطوة دون حساب المتغيرات ، وإستغلال فرصة التمتع بإمتيازات السلطة دون النظر إلى ثوابت الغير في المعتقدات ، وحقهم المتقابل في ذات الرغبات والإمتيازات .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب