ردا على تسمية الامريكان لمنطقتهم الامنية المحصنة وسط بغداد, بالمنطقة الخضراء, فقد اعتاد العراقيون على تسمية ما يقع خارج هذه المنطقة ضمن بغداد وضواحيها, بالمنطقة الحمراء وما هذه التسمية وتلك, الا تمثلا لما تحضى به المنطقتان من امن وعدمه, ومن استقرار وخلافه, ومن رفاهية وضرتها.. ومن بعد ان مات الاحتلال (وان كان البعض يشكك في موته فيعده كالرئيس طالباني ما زال “يحكم” العراق من على كرسيه المدولب) فقد ملأ فراغه نواب عراقيون ووزراء عراقيون وموظفون عراقيون و”دمبكجية” عراقيون (العفو.. برجاء الغاء الكلمة الاخيرة فقد وضعت “عمدا”..!!) هؤلاء كلهم تمتعوا بحصانة المنطقة الخضراء وربوع المنطقة الخضراء و “ريوك” المنطقة الخضراء..
اما جماعة “الحمراء” فحدث ولا حرج.. يوم تنفجر “دربونة حمراء” ويوم يقتل “مواطن احمر” ويوم يعتقل “مواطن احمر” ولا يرى اهله ضوء الشمس حتى يجدونه ملقى على قارعة الطريق مقتولا بدم “حاقد”..!!. الحمراء مليئة بالمغامرات.. مجاري تطفح من قطرات.. عيون تبكي من انفجارات.. ازدحامات تلد ازدحامات.. رشاوي لانجاز المعاملات.. نفثات و “دردمات” واشاعات.. “مكرمات” تعيد لنا “الذكريات”..
ولكن من منكم انتبه الى ان هذا التصنيف الثنائي (خضراوي/حمراوي) يجافي الواقع ويتجاهل فئة عريضة من المجتمع.. فئة تستحق “كوتا” في البرلمان وراتب تقاعدي.. انها فئة ساكني المنطقة الصفراء او ما يعرفون باسم الصفراويين.. انهم من سكان هذا البلد.. شبعوا (بنسبة 28%) من خيراته وخدموا (بنسبة 500%) اهله وسكانه.. لقد ان لنا ان نصنف العراقيين الى (خضراوي/صفراوي/حمراوي).. لعد بس “النائب ضابط الممكيج” عالية نصيف تطالب بزيادة الكوتا النسائية وهؤلاء “الصفران” لا يوجد من يطالب بحقوقهم..!!
اعتقد ان الكلام عن الصفراويين يقتضي التعريف بمنطقتهم.. فما هي المنطقة الصفراء..؟؟
ان المنطقة الصفراء هي جزء اصيل من المنطقة الحمراء الا ان ساكنيها يختلفون بكونهم خرسان, مكتئبين, لا يرفعون صوتهم ولو طلب السائق اجرة الف دينار بدلا من 750 دينار (التي تحددها جهات مجهولة تسمى ادارة النقل الخاص.!!) ان المنطقة الصفراء هي الاحياء “الحمراء” التي لا يصل اليها الاعلام بكامراته وتحقيقاته.. ان المنطقة الصفراء هي الاحياء العراقية التي تغرق في السكون عندما تنفجر مفخخة ومن ثم تدب فيها الحياة بشكل طبيعي الا من سؤال “وين هذا الانفجار؟؟” المنطقة الصفراء تضم “اشهر” مكتئبي العراق, فمنهم المدرسون الذين يعاقبون الطلاب بقسوة مفرطة ثم ينزوون الى ركن المدرسة يتحدثون مع انفسهم.. كما تضم المنطقة الصفراء موظفي دولة يتناولون العشاء مع صور الاخبار وهي تظهر القتلى والجرحى ممن اظهر الاعلام اصواتهم ليخرجوا من “صفراويتهم” الى “حمراويتهم”.. كما تضم المنطقة الصفراء, اباء وامهات, جل ما يريدونهم لابنائهم هو ان يكبروا امام اعينهم “كاملي الاجسام” من غير ذراع مبتورة او عين مفقوئة.. المنطقة الصفراء هي حيث يسكن الناس الذي عشقوا حياة الخفافيش فهم يتمنون ان ينقضي النهار من غير تفكير باحلام او طموحات او مستقبل وليرحبوا بالليل الذي يتمتعون فيه باجازة من التفكير عبر النوم.. المنطقة الصفراء تضم اغلب سكان العراق ممن يتفرجون على سكان المنطقة الحمراء وهو يقتلون او يعتقلون او يغرقون حيث ينتظر سكان الصفراء دورهم ليتحولوا الى حديث الاعلام بانتقالهم الى المنطقة الحمراء..
اعتذر عن “سوداوية” المقال رغم “صفراويتي”..
مع السلامة
[email protected]